
بناه علي بك الفار عام 1323 هجرية على نظام المساجد التركية
مسجد "العمري".. تحفة معمارية إسلامية بالدقهلية.. صور

الدقهلية - مي الكناني
تذخر محافظة الدقهلية، بالعديد من الكنوز الأثرية، التي تمثل حقبا مختلفة في التاريخ المصري، ويعد مسجد العمري الكبير بقرية دميرة التابعة لمركز طلخا، تحفة معمارية شاهدة على عظمة العمارة الإسلامية، واهتمت به اللجان العلمية الأثرية، وزاره أساتذة الجامعات المهتمين بمجال الآثار ودراسة التاريخ.
مسجد العمري الكبير
ويقع المسجد وسط قرية دميرة في منطقة مزدحمة بالسكان، ويرجع تاريخ إنشائه إلى عام 1323 هجرية، كما موضح باللوحة التأسيسية الموجودة على مدخله، وجاء بها "أنشأ هذا المسجد على نفقة علي بك الفار تحت رعاية عمر باشا طوسون 1323هـ".
مدخل المسجد
محمد المرسي، مفتش بمنطقة آثار الدقهلية، يقول إن المسجد بناه علي بك الفار، أحد أعيان قرية دميرة، ووكيل عمر طوسون أمير الإسكندرية، والذي كان يمتلك خزانًا رزاعيًا بالقرية.
ويضيف أنه يعتبر من المساجد المغلقة مثل السلجوقية بتركيا، ولا يحتوي على صحن، وكان يستخدم هذا الطراز في المناطق الباردة غزيرة الأمطار.
المسجد من الداخل
وبحسب المرسي، فإن الواجهة تتميز برسوم زخارف نباتية وأشكال هندسية وكتابية تظهر على الباب الرئيسي، الذي يتكون من مصرعين خشبيين يعلوه لوحة رخامية تحمل النص التأسيسي، وشبابيك خشبية معشقة بالزجاج الملون، وعليها من الخارج زخارف وأشكال هندسية من الخشب المعشق بفن الأرابيسك، وقمريات كانت تستخدم للإنارة.
واجهة المسجد
ويشير الباحث الآثاري إلى أن المأذنة مثمنة الشكل، وتتكون من قاعدة مربعة ترتفع بارتفاع سطح المسجد، ويعلو تلك القاعدة جزء آخر مربع ينتهي بمثلثات مشطوفة ومقلوبة، ثم صفًا من الشرفات المسننة تحمل قمة المئذنة، وتنتهي ببدنٍ فوقه هلال وهو أعلى جزء بها.
تاريخ إنشاء المسجد
ويتكون المسجد من 3 أروقة لكل منها 3 عقود نصف دائرية، وترتكز على 4 أعمدة رخامية قوية أسطوانية الشكل، ويزينها من أعلى وأسفل حلقات نحاسية، ولها قاعدة مربعة.
ويضيف المرسي، أن المسجد يضم "دكة المُبلغ"، وهي دكة خشبية محمولة على أعمدة، وكانت تستخدم لتوصيل صوت الإمام للمصلين في الصفوف الخلفية، ما يدل على مدى ثراء المسجد على الرغم من صغر مساحته.
دكة المُبلغ
أما السقف فعبارة عن براطيم خشبية تم تركيبها بنظام عاشق ومعشوق، وترتكز على عروق خشبية كبيرة، ويتوسطه "ملقف" هواء يستخدم للتهوية والإنارة، وتم تصنيعه وفق معايير هندسية وفلكية معينة، ويعمل على تجديد الهواء والإنارة بالمسجد.
سقف المسجد
ويضم المسجد أيضًا المحراب، ويوضح الباحث الأثري أنه عبارة عن صينية ذات عقد مدبب يكتنفها عمودان رخاميان لهما قاعدة مربعة، وبداخله أشكال هندسية ويعلوه لوحة رخامية عليها سطرين من الكتابات بخط النسخ، الأول "فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا" صدق الله العظيم، والثاني "أنشأ هذا المسجد على نفقة راجي عفو ربه الغفار علي بك الفار في سنة 1323هـ".

محراب المسجد
ويؤكد المرسي، أنه من أهم النماذج وأكثرها ندرة بقرية دميرة، لأنه مصنوع بالكامل من الرخام وذو قاعدة مربعة، ويتكون من درابزين، و"باب المقدم"، الذي يضم مصراعين بهما مقابض من الحديد، و"الصدر"، وهي المنطقة التي تعلو الباب، وتحمل شريطين كتابيين جاء بهما "أنشأ هذا المنبر على نفقة على بك الفار، برعاية دولة عمر باشا طوسون سنة 1323 هـ"، و"الصانع لهذا المنبر الخواجة جوردان إسبانوبلس المرخماتي بمصر سنة 1323هـ".

منبر ومحراب المسجد
كما يضم “ريشتين” عليهما حفر رسوم أشكال هندسية وأطباق نجمية، و”درج” يرتكز على قاعدته، ويستخدم في الوصول إلى أعلى، و"دكة الخطيب" وهي مكان جلوس الخطيب، وتتميز بوجود "الجوسق"، وهو عنصر معماري يوجد في نهايات المآذن، وتم استخدامه على المنابر لإضفاء الطابع الإسلامي والشكل الجمالي.

النص الكتابي
فيما توجد "روضة المنبر"، أسفل دكة الخطيب، ويعلوها شريطين كتابيين بالخط الكوفي المربع من الجانبين، جاء بهما "أنشأ في عصر عباس حلمي الثاني خديوي مصر".

ويشير المرسي، إلى أنه على الرغم من صغر مساحة المسجد، إلا أن محتوياته توضح مدى ثرائه في إظهار تفاصيل العناصر المعمارية، مثل "دكة المبلغ، وملق الهواء، والقمريات التي تعلو الشبابيك، والمنبر الرخامي"، الذي كانت تكلفته في تلك الفترة باهظة.

أحد النصوص الكتابية
ويوضح أن وزارة الآثار أولت المسجد اهتمامًا كبيرًا وأظهرته من ضمن المساجد المهمة، وأجرت له اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية ترميمًا كاملًا، خلال الفترة من 13 أكتوبر 2002 وحتى 19 إبريل 2005، وتخلل تلك الفترة بعض التوقفات لعمل الدراسات اللازمة لتدعيم الأساسات وتركيب المئذنة، وكذلك إصلاح العقود المتضررة والمتصدعة.

النص التأسيسي
ويؤكد الباحث الآثاري أن الترميم تضمن عزل جدران المسجد أفقيًا من الرطوبة، وتدعيم الأساسات بقمصان من الخرسانة المسلحة، وفك وتركيب المئذنة في مكانها الحالي، وإصلاح العقود المتضررة والمتصدعة، وتزرير الشروخ باستخدام مدادات خشبية مدفونة داخل الجدران لتفادي الشروخ مستقبلًا.

المسجد من الداخل