الخميس 25 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

واقعة التنمر الأخيرة بالشاب الصيني، ومقاطع الفيديو التي تم تداولها مؤخرًا على السوشيال ميديا، والتي عكست لحظات الرعب، التي عايشها هذا الشاب بمفرده في شوارع القاهرة.

 

جعلتني أسترجع بعض الهواجس، التي لازمتني وأنا أتجول بمفردي في شوارع بكين منذ شهرين مضيا. عاودتني أفكاري إلى تلك اللحظة، عندما تخيلت لوهلة هذا المشهد.

 

"امرأة محجبة من المحتمل أن تُثير ملابسها الانتباه في قلب العاصمة الصينية، بكين، في وقت احتدم فيه الجدل واشتعلت السوشيال ميديا في مصر، صراخًا بتكفير الصينيين وبحملات تحريضية معادية، تدعو لمقاطعة منتجاتهم، وربما طردهم من البلاد بسبب مسلمي الإيغور. 

 

توقعت حينها أن أشاهد على وجوه المارة نظرات مزعجة، وكل ما كان بمقدوري أن أخمنه هو ما سيدور في أذهانهم.. من الممكن أنهم يتفاجأون من وجود امرأة محجبة، جاءت من إحدى الدول التي تهاجمهم تتجول بمفردها بين المحلات، قد أتعرض للاعتداء أو على أقل تقدير أتلقى كلمات نابية لا أفهمها. 

 

ولكن.. بعد المشي لمسافات طويلة، في شوارع بكين الرئيسية، لم يبد الأمر كذلك: فعلى العكس كنت أسير بكل حرية أدخل المحلات وأدقق في وجوه المارة، لم يتعرض لي أحد.. الناس في الشوارع منشغلون بأنفسهم لا يتعرضون لأي شخص غريب أو ينتهكون خصوصية الغير، على عكس ما هو معتاد في بلداننا العربية، فالعاصمة بكين كسائر المدن الصينية الأخرى، التي زرتها مدينة متحضرة تتسع لكل الزائرين لها. 

 

على الرصيف المحاذي للرصيف الذي كنت أسير عليه، رجل من المارة ابتسم لي وقدم لي التحية قادمًا نحوي يسألني بالإنجليزية: أيتها السيدة الجميلة من أي بلد أنت؟ “بدأت أشعر في تلك اللحظة أن حجابي وملامحي تجعل كلمة "عربية" مطبوعة على جبيني، وكنت فخورة بذلك”.

 

قلت له: أنا من مصر، اقترب مني مبتسمًا وقال لي: "أهلا بيك في بكين".. ثلاث ساعات في بكين كافية، كي أتذكرها جيدًا، ولن أنسى يومًا شعوري بالأمان فيها، على الرغم من أنني لم أكن يومًا جزءًا منها.

 

رجعت مرة أخرى لمشاهد التنمر والسخرية، التي تعرض لها الشاب الصيني، وحالة الهلع التي سيطرت عليه، بعد هذا الموقف الممزوج بالإهانة، فشعرت بالخجل الشديد لما حدث له عندما تذكرت موقفًا حدث معي وزميلة لي في مطار أسطنبول قبل سنوات، عندما تعسفت معنا سلطات المطار التركي في إجراءات التفتيش، وهو الأمر الذي لم ألمسه في أي مطار من المطارات الصينية، التي نزلت بها.

 

فأول ما يلفت انتباه أي مسلم زائر للصين، هو أن احترام المسلمين وتقاليدهم، يبدأ فعليًا من مطاراتها.

 

تذكرت أيضًا ذلك الصديق الصيني، الذي جمعني به برنامج الزيارة ورحلة الذهاب والعودة من الصين. وكيف أكدت لي - أفعاله - أن الضيافة ليست فقط جزءًا أصيلًا من العادات الاجتماعية في الثقافة الصينية، ولكن أيضًا هي الحالة التي تنقل الضيف الذي يزور الصين إلى حالة الحدث المبهج المحتفى به.

 

هذا الصديق وإن كان صيني الجنسية، فهو يحب مصر كثيرًا، وقد اكتسبت منه درسًا بأن السفير ليس بالضرورة هو الموظف الدبلوماسي، الذي يترأس سفارة لتمثيل بلاده بالخارج، وإنما قد يكون شخصًا عاديًا يعكس صورة أمته وثقافتها وحضارتها، أينما حل وأينما توجه. 

 

وصديقنا هذا ليس شخصًا عاديًا، هو أيضًا نموذج صيني بارز وناجح - من أشهر ١٠ شخصيات شابة مؤثرة على مستوى العالم.

 

وأخيرًا ليس هناك تعريف أفضل لمعنى الضيافة من مقولة "ديريدا"، الشهيرة: "لن أقول فقط إنه توجد ثقافة للضيافة، بل سأقول إنه لا توجد ثقافة بدون أن تكون ثقافة ضيافة".. فالضيافة هي السلوك البشري المضاد للانتقام، وهي أيضًا حق مكتسب وليس عملًا خيريًا.  

تم نسخ الرابط