رؤوف عبيد
وداعا مفكرنا الإسلامي محمد عمارة
كتب المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة فى مقدمة كتاب «معالم المنهج الإسلامي» عن فكرنا الإسلامي المعاصر قائلا نحن فى فَقْرٌ فى «الإبداع».. وإفراط فى «التقليد» ، تقليد «التخلف الموروث»، و«التغريب الوافد» من وراء الحدود وفى العالم من حولنا: «متغيرات»، تزلزل «الواقع».. وتراجع «مُسَلَّمات الفكر»، التى حكمته لعشرات السنين وحتى لا نظل أسرى «لتخلفنا الموروث» وضحايا «لأزمات الآخرين» تقذفنا «ليبرالية» الغرب إلى «شموليته» تارة ثم يدفعنا انهيار «الشمولية» إلى «الليبرالية» تارة أخرى وتتخطف عقولنا مناهج فلسفات الغرب ونظرياته فلا بد من إعمال العقل المسلم فى ميدان الإحياء والتجديد .
ولما كان «المنهج» - وهو طريق النظر، وقسطاسه المستقيم - هو سبيل الوعى بما فى «كتاب الوحى» - المقروء - وكتاب الكون» - المنظور- من علوم وفنون وسُنَن وآيات وهو السبيل كذلك، إلي صياغة «دليل العمل» الذي ينير لليقظة الإسلامية المعاصرة طريق النهوض المنشود - وذلك حتى لا تُصاب، هى الأخرى، بإحباط جديد.
ولعل من قرأ عن المفكر الإسلامي سيعلم انه أفتى حياته كلها مدافعا عن الاسلام، وما يتعرض له من هجمات شرسة من كل الاتجاهات وافضل ما قيل عنه ما كتبه الشيخ محمد الغزالي، يصف فيه العلامة عمارة مداعباً إياه في لقبه: أنت لست «عمارة»؛ بل أنت قلعة حصينة شامخة شديدة البأس؛ تكر منها على أعداء الإسلام وشانئيه، ولا ترضى الإياب إلا بعد أن تتركهم صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ،هكذا كتب الشيخ الغزالي رحمه الله عن ذلك العالم العلامة.
فمنذ ايام شيع المئات من أهالي قرية صروة بمركز قلين بمحافظة كفر الشيخ ، جثمان المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة عن عمر ناهز 89 عاما .
ويُعد المفكر محمد عمارة من روَّاد الفكر الإسلامي المعاصر في العالم الإسلامي، وتزخر المكتبات العربية والإسلامية بإسهاماته العلمية المتنوعة التي تزيد على مائتي مُؤلَف، بالإضافة إلى قيامه بتحقيق أعمال لأبرز أعلام اليقظة الفكرية الإسلامية الحديثة، كما كتب عن تيارات الفكر الإسلامي القديمة والحديثة وعن أعلام التراث، وقد تولى عضوية مجمع البحوث الإسلامية، ثم عضوية هيئة كبار العلماء في تشكيلها الأول حين عودتها عام 1433هـ/ 2012م.
والمفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة من مواليد 8 ديسمبر 1931، بكفر الشيخ، حفظ القرآن الكريم وجوده وهو في كتاب القرية، وحصل على الليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية - كلية دار العلوم- جامعة القاهرة 1965م، ثم حصل على درجة الماجستير في العلوم الإسلامية تخصص فلسفة إسلامية - كلية دار العلوم-جامعة القاهرة 1970م، ثم حصل على درجة الدكتوراه في العلوم الإسلامية تخصص فلسفة إسلامية - كلية دار العلوم - جامعة القاهرة 1975، كما شغل عدة مناصب منها عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ورئيس تحرير مجلة الأزهر، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.
ومن أواخر مؤلفاته في الفكر الإسلامي الخطاب الديني بين التجديد الإسلامي والتبديل الأمريكاني، والغرب والإسلام أين الخطأ، وأين الصواب؟ ومقالات الغلو الديني واللاديني، والشريعة الإسلامية والعلمانية الغربية، وكتاب مستقبلنا بين التجديد الإسلامي والحداثة الغربية، وأزمة الفكر الإسلامي الحديث، والإبداع الفكري والخصوصية الحضارية، وغيرها كثير.
واتسمت كتابات الدكتور عمارة وأبحاثه التي أثرى بها المكتبة العربية، بوجهات نظر تجديدية وإحيائية، والإسهام في المشكلات الفكرية، ومحاولة تقديم مشروع حضاري نهضوي للأمة العربية والإسلامية في المرحلة التي تعيشها.