
مؤنس زهيري: دعم الصحف القومية قضية أمـن قومـى
11:28 ص - الثلاثاء 19 نوفمبر 2013
حوار- هبة محمد
كيف يمكن حل أزمات الصحف القومية المتراكمة منذ سنوات؟، ربما كان ذلك هو السؤال الأبرز الذى يشكل معضلة داخل المؤسسات الصحفية القومية، ولا سيما فى الآونة الأخيرة، حيث تفاقمت المشكلات وزادت الأعباء، وبينما يتحدث الكثيرون عن الأزمة وأسبابها، يفكر القليلون فى حلول جدية لعبور تلك العثرة الصحفية، الأستاذ مؤنس زهيرى هو أحد هؤلاء المهتمين بتحسين وضع الصحافة القومية وانتشالها من أزمتها، وله العديد من المقالات المنشورة التى تطرح كثيرًا من الرؤى والأفكار المرتكزة على دراسة وخبرة، حيث درس الإدارة وتخصص فى اقتصاديات إنتاج الصحف، كما عمل كمدير فنى فى كبرى شركات الدعاية العالمية فى بداية الثمانينيات، وفوق ذلك قدم دراسة وافية للمجلس الأعلى للصحافة الحالى تتضمن حلولاً لبعض المشاكل التى تعانى منها المؤسسات الصحفية القومية.سألناه فى هذا الحوار عن رؤيته لحل تلك الأزمات من واقع خبرته، وعن أهم ما تضمنته الدراسة التى قدمها للمجلس الأعلى للصحافة وكانت إجابته فى السطور التالية:
∎ كيف تقيم وضع الصحف القومية حاليا؟
- الصحف القومية قضية أمن قومى، وللأسف فهى فى أضعف مراحلها الآن ويظهر ذلك فى الفروق الواضحة بين الصحف القومية والخاصة، ورغم أننى قضيت عمرًا طويلاً فى القطاع الخاص قبل التحاقى بالأخبار، فإننى أحنّ إلى الصحافة القومية، وأرى فيها معنى الصحافة الحقيقى الذى يجب ألا نفرط فيه.
∎ فى رأيك ما أسباب ذلك الضعف؟
- ضعف الدولة وأداؤها سبب مباشر فى ضعف تلك الصحف وعدم قدرتها على النهوض من كبوتها، فكيف لقرار مثل قرار اختيار رؤساء مجالس إدارات الصحف أن يظل لمدة أكثر من شهرين دون القدرة على حسمه، فالتباطؤ فى اتخاذ القرارات وعدم القدرة على تحديد طبيعة المشكلة داخل المؤسسات الصحفية ما إذا كانت صحفية أو إدارية كل هذا أدى إلى تفاقم الوضع يومًا بعد يوم.
∎ من واقع تخصصك فى اقتصاديات إنتاج الصحف حدثنا عن الخطوات التى يمكن تطبيقها بشكل فورى لإنقاذ تلك المؤسسات؟
- اقتصاديات إنتاج الصحف تعنى فى المقام الأول كيف أنتج مطبوعة إن لم تكن رابحة فعلى الأقل لا تحقق خسائر، والبداية تكون بنسف كل النظم الإدارية القديمة بكل ما لها وما عليها ليبدأ نظام إدارى جديد فى جميع المؤسسات، ثم إنه لابد من البحث فى قصة الإصدارات الخاسرة تلك، لأن الإدارة تحمل الإصدار أحيانًا مصاريف لم ينفقها، وحدث ذلك منذ عام 2005، حينما اتُخذ قرار بفصل الإدارة عن الصحافة، فحولت إدارة تلك المؤسسات الإصدارات الصحفية بداخلها إلى كيانات صحفية مستقلة، وحملتها كل المصروفات، فشقت المؤسسة نفسها، وأصبح كل قطاع مهتمًا أن يكون هو الرابح آخر كل عام، فنجد أن كلاً من قطاع النقل والحركة، وقطاع التوزيع، وقطاع الإعلانات والمطابع جميعها حققت أرباحًا، ماعدا الإصدار هو فقط من حقق خسائر، تماما كما الطيور التى تأكل أكل الديناصور من بين أسنانه، فتنمو وتكبر وتتزاوج بينما لا يجد الديناصور ما يأكله.
∎ وماذا عن الدور الداعم من المجلس الأعلى للصحافة؟
- أنا عاتب على المجلس الأعلى للصحافة ومن قبله مجلس الشورى، وأيًا كان المسئول بغض النظر عن من هو، كيف يترك الصحف القومية ولا يبذل أى مجهود فى مساعدتها ومعاونتها، بينما يعلن رجال الأعمال دعمهم للصحف الخاصة حتى يرتقوا بها، فلابد أن يعلم الجميع أن الصحافة القومية هى خط الدفاع الأول عن الوطن قبل وصول الدبابات ونزول القوات، وأى صحيفة خاصة مهما كان بها من عاملين فلن يزيدوا على مائة عامل على أقصى تقدير، لكن المؤسسات الحكومية بها ما لايقل عن ثلاثين ألف عامل بثلاثين ألف أسرة، من يستطيع أن يتكفل بهم سوى الدولة؟
∎ لكن فى حوارى مع الأمين العام للمجلس ذكر لى أن دعم المؤسسات الصحفية لن يستمر طويلاً؟
- ما يجب أن يتوقف ولا يستمر هو نظرة المسئول عن الدعم، فالدعم لا يعنى أن يعطى المجلس المؤسسات القومية أموالاً تدفع بها مرتبات العاملين بها كل شهر، فهناك طرق كثيرة جدًا للدعم ليس من بينها الدفع كاش، فمثلا لابد أن تذهب مخصصات من ميزانية الإعلان والدعاية فى الوزارات والهيئات للصحف القومية، كما يجب أن تعلن مؤسسات الدولة فى الصحف القومية، والأهم أن تعود طباعة كتب المدارس بشكل كامل إلى حضن مطابع تلك المؤسسات، وقد حدثت كارثة كبرى أيام حكم مجلس شورى الإخوان لتلك الصحف، وقد نبهت لها بعض أعضاء المجلس الحالى ممن أثق فيهم، حيث حرمت مؤسسات الصحافة القومية من حصتها فى طباعة الكتب المدرسية، وذهبت تلك الحصة إلى مطابع قطاع خاص أصحابها من الداعمين للإخوان، والتى مهما بلغت إمكاناتها لن تصل إلى عُشر إمكانيات مطابع مؤسساتنا التى أعرفها جيدًا بحكم عملى الإدارى فى الأخبار لمدة عامين، وأستطيع القول أن ما لدى المطابع القومية من إمكانيات يستطيع أن يسدد ديون مصر كلها وليس ديون المؤسسات القومية فقط، ولابد أن نذكر أنه مهما حدث من أخطاء لرؤساء التحرير ما قبل الثورة فلا أحد ينكر عليهم أنهم أسسوا بنية تحتية قوية جدًا للمطابع والتى إن استغلت فى طباعة ملايين الكتب المدرسية سوف تحقق الربح الوفير.
∎ كيف ذلك والديون المتراكمة لتلك المؤسسات تخصمها وزارة المالية رأسًا من وزارة التربية والتعليم؟
- تصفية المالية للديون من وزارة التعليم بشكل مباشر يُعَدّ تدخلاً سافرًا فى إدارة المؤسسات الصحفية، ولا يحق لهم أبدًا القيام بذلك، فالمؤسسات الصحفية ليست مطبعجية ومعاملتهم بهذا الشكل يعد إهانة كبيرة، فالمؤسسات لديها التزامات ومصروفات وإحلال وتجديد ولا يحق لأحد أن يتحكم بها بهذا الشكل، وهى ككيانات كبيرة لن تهرب دون دفع ديونها، ولكن يتم ذلك بجدولتها بشكل معين لا أن يتم التعامل بين وزارتين بينما تقف المؤسسات الصحفية خارج الصورة، فلا يحق لأحد أيًا كان أن (يبيع ويشترى) فيها بهذه الطريقة.
∎ إذن الحل من وجهة نظرك يكمن فى الجدولة؟
- بصراحة أرى أنه ليس من العدل أن تبدأ القيادات الجديدة عملها بدفع مديونيات بأثر رجعى تعود أصولها إلى أكثر من ثلاثين سنة مضت منذ تم تشكيل المجلس للمرة الأولى سنة 1980 فى ظل القانون رقم 148 لسنة 1980، خصوصًا أن تراكمها تسبب فيه المجلس أيضًا، الذى أهمل أهم بنود سلطاته، وهو البند رقم 6 والذى ينص على (المتابعة الفعالة للأداء الاقتصادى للمؤسسات الصحفية القومية من خلال دراسة ومناقشة تقارير الإدارة والجهاز المركزى للمحاسبات واتخاذ كل ما من شأنه ضمان حسن الأداء) وبما أنه لم تتم تلك المتابعة، ووصلت مديونيات مؤسسات الصحافة القومية إلى الرقم «المخيف» الذى أصبح من المستحيل سداده، فمن الظلم لجموع العاملين فى المؤسسات الثمانى تحمل ذلك العبء لما فى ذلك من ظلم للمستقبل والشباب.
∎ وما رأيك فى مقترحات مثل خصخصة الصحف أو تحويلها لشركات مساهمة أو بيع أصولها الثابتة؟
- كل تلك الحلول هى حلول العجزة، وهى حلول سريعة يفكر فيها التجار الذين ينظرون تحت أقدامهم وليس الاقتصاديين، فالبيع لا يعنى فقط بيع كيانات ومبانى، لكنه أيضًا يعنى بيع تاريخ، يعنى أيضا بيع أكثر من مائة وسبعة وثلاثين عامًا فى مؤسسة الأهرام، ومائة وعشرين عاما فى دار الهلال، 88 عاماً فى روزاليوسف، وسبعين عامًا فى الأخبار، فالصحف القومية جزء من تاريخ الوطن ومن يهمل تاريخه ويعرضه للبيع يهدم مستقبله بيده، ولو سلمنا جدلاً بجدوى البيع فلا أحد يستطيع أن يدفع المليارات ثمن المؤسسات سوى فئتين، الإخوان وأقباط المهجر، وكلاهما تقف خلفهما شركات وأموال يهودية، فهل نسلم بأيدينا تاريخنا من أجل حفنة أموال لن تحل المشكلة إطلاقًا، ففكرة الخصخصة لابد ألا تطرح للنقاش مطلقًا، وسبب طرحها الآن لأن الدولة ضعيفة وحلولها عاجزة، ولا تعى حقيقة أهمية الإعلام الذى هو القائد الحقيقى لكل ما يحدث فى مصر منذ ثورة 25 يناير حتى الآن، وإذا استمرت الدولة فى عدم النظر لمؤسسات الصحف القومية نظرة اهتمام ستكون بذلك تفرط فى أهم أسلحتها، فالرصاص يميت المئات، لكن الإعلام المضلل يميت أمة، ولو تركت المؤسسات بلا دعم ولم تعتبر الدولة أن مساندتها لها بمثابة أمن قومى سوف تفقد بذلك صوتها الإعلامى أهم سلاح لها فى المعركة.
∎ وماذا عن مقترح دمج الإصدارات المتخصصة مع المطبوعة الأم أو تحويلها إلى موقع إلكترونى توفيرا للنفقات؟
- صاحب هذا المقترح أيضًا هو ضيق الأفق ولديه قصور فى الرؤية، فالإصدار المتخصص نشأ فى الأساس من أجل القارئ المتخصص، وفكرة دمجه بهيئته التحريرية الكاملة وحصره فى إحدى صفحات المطبوعة الأم فكرة غير منطقية من الأساس، فليس من الطبيعى أن يقتل أب أحد أبنائه، ثم ما الذى ستوفره المؤسسة من تحويل الإصدار إلى موقع إلكترونى سوى ثمن الورق، أما المطبعة فهى موجودة لدى كل مؤسسة وتعمل بكفاءة، ولذلك قدمت دراسة متخصصة للمجلس الأعلى للصحافة من واقع دراستى لإدارة الأعمال والاقتصاد، ومن واقع خبرتى فى المطابع سنين طويلة أضمن من خلالها تحويل تلك الإصدارات إلى رابحة.
∎ وما أهم ملامح تلك الدراسة؟
- أهم بند بها هو أن يتم عمل مندوب إعلانات متخصص للإصدار المتخصص، تمامًا كما تم عمل هيئة تحرير متخصصة له، وبالتالى يتم خلق معلن خاص بتلك الإصدارات، أما ما يحدث الآن فهو أن يأتى المعلن لإدارة المطبوعة الأساسية بحملة إعلانية يأخذ مندوب الإعلانات جزءًا منها إلى الإصدار المتخصص، فنفاجأ بإعلان أدوات صحية وسيراميك فى مجلة أطفال مثلا.
∎ وماذا إن لم تأت إعلانات للمطبوعة الأم من الأساس؟
- فى أوائل الثمانينيات كنت مديرًا فنيًا لكبرى شركات الدعاية الأمريكية واللبنانية، وعملت أيضًا فى مجلة «والت ديزنى» فى باريس وهناك تعلمت دستور صناعة المجلة، وكان من أهم الدروس التى تعلمتها هو أنه لا مانع أبدًا من وضع إعلانات مجانية فى البداية داخل المطبوعات حتى يعرف المعلن أنك مجلة تقبل إعلانات، فتتوالى الإعلانات فيما بعد.
∎ فى رأيك لماذا لا تحتاج الصحف الخاصة كل هذا العناء للحصول على المعلن والوصول للقارئ؟
- أبسط شىء تقوم به الصحف الخاصة هو التجديد فى الإخراج الفنى للصفحات والعمل بمنطق المبدع لا الموظف، بينما وقف شكل صفحات الصحف القومية عند الشكل الذى كانت تطبع به فى الستينيات، والمحزن أن من يجدد ويبدع ويبتكر فى الصحف الخاصة تربى فى الأساس داخل الصحف القومية، كما أن الصحف الخاصة أدركت أن القارئ نفسه قصير فابتعدت عن التطويل والإسهاب، إلى جانب بعض الأمور المتعلقة بالتوزيع التى لا تتم داخل الصحف القومية، فمدير التوزيع لابد أن يحضر يوميًا اجتماع صالة التحرير، ويتعرف على مانشيت الجريدة الرئيسى ويقيم على أساسه خريطة التوزيع.
∎ إذا انتقلنا إلى نقطة أخرى تتعلق بملكية الصحف التى آلت من مجلس الشورى إلى المجلس الأعلى للصحافة ما الشكل الأمثل لملكية تلك الصحف من وجهة نظرك؟
- ملكية الصحافة تتبع أى جهة تمت بصلة للدولة من قريب أو بعيد، بغض النظر عن المسميات، فلا مشكلة أبدًا فى أن يتملك المجلس الأعلى الصحف القومية، لكن المشكلة فى أن يقوم المجلس بإصدار الصحف، فالنقابة هى الجهة الوحيدة المخول لها منح تراخيص الصحف.
∎ وماذا عن المقترح الذى أقرته لجنة الخمسين بأن يكون إصدار الصحف بمجرد الإخطار؟
- هذا المقترح هو كارثة كبرى، وفيه مهانة للدولة، فكيف أسمح أن يأتى أحد مجهولى الهوية الذى حصل على ترخيص من لندن مثلاً بأن يصدر صحيفته فى مصر بمجرد الإخطار، دون أن أتحرى عنه وعن تاريخه وخبرته، وعن الأسباب التى جعلته يفكر فى إنشاء صحيفة، فهذه النماذج من الصحف تغلق فى أى وقت وتلقى بالعاملين فيها إلى الشارع، ثم تتحمل تبعاتهم نقابة الصحفيين، لذلك قلت فى البداية أنه لابد أن تكون مسئولية إعطاء تراخيص إصدار الصحف من سلطة النقابة وحدها.
∎ وماذا عن المادة الأخرى التى تتعلق بحبس الصحفيين والتى يعترض عليها بعضهم؟
- الصحفى عندما يطالب بقانون لحمايته عليه ألا يخرق القوانين الأخرى، وكل ما يحدث فى مصر الآن من تبعات خرق القوانين وعدم احترامها، فلا يصح مثلاً أن يقبض على صحفى مرتديًا زيًا عسكريًا ثم نطالب بعدم محاكمته بدعوى عدم حبس الصحفيين، فقضايا الرأى الخالية من التشهير والاتهام بالباطل هى التى لا يجوز حبس الصحفيين بسببها.
∎ بمناسبة حلول ذكرى وفاة نقيب النقباء كامل زهيرى بعد أيام، كيف ترى حال النقابة الآن؟
- انظرى إلى حال الصحفى وأنت ستعلمين منه حال النقابة، وللأسف فإن التوجهات السياسية أصبحت مسيطرة على النقابة، فأنا معترض على أن يكون للنقابة دور سياسى، وإذا لزم الأمر فإنه يكون دورًا سياسيًا وطنيًا، وعندما تنازلت عن انتخابات النقيب لصديقى يحيى قلاش فى مواجهة ممدوح الولى فعلت ذلك حتى لا تتفتت الأصوات ويقال أن ابن كامل زهيرى أسقط النقابة فى يد الإخوان، لكننا للأسف فى النقابة نظرنا إلى السياسة وضيعنا المهنة، واليوم هناك صحفيون لا يأخذون معاشاتهم، وشباب لم يعينوا فى مؤسساتهم، بينما يدخل النقابة من هو ليس أهلاً لها، والسر فى لجنة القيد، لذا قدمت مقترحًا للجمعية العمومية بأن تتكون لجنة القيد من حكماء المهنة وشيوخها والذين ليس لهم أى تطلعات انتخابية، فهولاء هم ماضى المهنة وتاريخها، وهم من سيحافظون عليها باختيار مستقبلها.
∎ فى سنة 69 رأس كامل زهيرى مجلس إدارة روزاليوسف، ما ذكرياتك عن تلك المرحلة؟
- أبرز ما أتذكره هو أنه كان لا يدخل من الباب المخصص للصحفيين، بل كان يدخل من باب المطبعة إلى دورة مياه عمال المطبعة مباشرة، وعندما كنت أسأله عن السبب كان يقول: (لو الحمام كان نظيف الشغل هيطلع نظيف) وأنا مثله دخلت الصحافة من باب المطبعة أيضًا.
تابع بوابة روزا اليوسف علي