عاجل
السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

ماذا قدمت القوات البحرية المصرية في حرب أكتوبر؟

ماذا قدمت القوات البحرية المصرية في حرب أكتوبر؟
ماذا قدمت القوات البحرية المصرية في حرب أكتوبر؟

كتب - محمد وليد بركات
القوات البحرية المصرية من أكبر وأقوى الأساطيل العسكرية في البحر المتوسط، وقد خاضت كبقية أفرع القوات المسلحة حربا شرسة ضد القوات البحرية للعدو الإسرائيلي، كما كانت أبرز إنجازاتها أثناء حرب الاستنزاف تدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات.
 
ويروى المشير محمد عبد الغنى الجمسى فى مذكراته عن حرب أكتوبر تفاصيل ما حدث في هذا اليوم، قائلا :"جاء يوم 21 أكتوبر 1967وقد وصلت إلى مركز قيادة الجبهة بعد راحة ميدانية، فوجدت اللواء أحمد إسماعيل ومعه العميد حسن الجريدلى رئيس عمليات الجبهة (وقد كنت أنا وقتها رئيس أركان للجبهة) يتابعان تحركات المدمرة الإسرائيلية إيلات بالقرب من المياه الإقليمية لمصر فى المنطقة شمال بورسعيد .
 
كانت المعلومات تصلنا أولا بأول من قيادة بورسعيد البحرية التى كانت تتابع تحركات المدمرة، وقد استعدت قوات القاعدة لمهاجمة المدمرة عندما تصدر الأوامر من قيادة القوات البحرية بالتنفيذ. وظلت المدمرة المعادية تدخل المياه الإقليمية لفترة ما ثم تبتعد إلى عرض البحر، وتكرر ذلك عدة مرات بطريقة استفزازية وفى تحرش واضح، لإظهار عجز قواتنا البحرية عن التصدى لها".
 
وأضاف الجمسى قائلاً: "وبمجرد أن صدرت أوامر قائد القوات البحرية بتدمير هذه المدمرة عند دخولها المياه الإقليمية، خرج لنشان صاروخيان من قاعدة بورسعيد لتنفيذ المهمة. هجم اللنش الأول بإطلاق صاروخ أصاب المدمرة إصابة مباشرة فأخذت تميل على جانبها، وبعد إطلاق الصاروخ الثانى تم إغراق المدمرة الإسرائيلية " إيلات " شمال شرق بورسعيد بعد الخامسة مساء يوم 21 أكتوبر 1967 وعليها طاقمها. وقد غرقت المدمرة داخل المياه الإقليمية المصرية بحوالى ميل بحرى.

عاد اللنشان إلى القاعدة لتلتهب مشاعر كل قوات جبهة القناة وكل القوات المسلحة لهذا العمل الذى تم بسرعة وكفاءة وحقق تلك النتيجة الباهرة".
وأكد الجمسى أن إغراق المدمرة إيلات بواسطة الصواريخ البحرية التي استخدمت لاول مرة كان بداية مرحلة جديدة من مراحل تطوير الأسلحة البحرية والقتال البحرى فى العالم وأصبح هذا اليوم- بجدارة- هو يوم البحرية المصرية.
 
ووفقا للجمسى فقد طلبت إسرائيل من قوات الرقابة الدولية أن تقوم الطائرات الإسرائيلية بعملية الإنقاذ للأفراد الذين هبطوا إلى الماء عند غرق المدمرة واستجابت مصر لطلب قوات الرقابة الدولية بعدم التدخل فى عملية الإنقاذ التى تمت على ضوء المشاعل التى تلقيها الطائرات ولم تنتهز مصر هذه الفرصة للقضاء على الأفراد الذين كان يتم إنقاذهم، مشيرا إلى أن هذه الضربة كانت هي حديث العالم كله.
 
وقد كشفت حرب أكتوبر 1973 التى خاضتها قواتنا البحرية عن وجود أربع معارك رئيسية بالصواريخ البحرية أغرقت 5 سفن وقصفت 12 هدفاً ساحلياً، وتصدت لـ9 هجمات بحرية للعدو، ونفذت 4عمليات خاصة، حتى بلغ إجمالى عدد القطع البحرية التى غرقت للعدو فى هذه المعارك نحو 29 قطعة بحرية، وناقلة مجهزة لحمل الطائرات الهليكوبتر، وثلاث ناقلات بترول كبيرة ومتوسطة وصغيرة، وثلاث سفن، وأسقطت 12 طائرة هليكوبتر للعدو و 7 قطع من السفن.
 
والجدير بالذكر أنه من أجل إخفاء نية القوات البحرية في إغلاق مضيق باب المندب، نشر خبر صغير في شهر سبتمبر عام 1973، عن توجه ثلاث قطع بحرية مصرية إلي أحد الموانئ الباكستانية لإجراء العمرات وأعمال الصيانة الدورية لها، وبالفعل تحركت القطع الثلاث وهي.. الفاتح والظافر والفرقاطة رشيد من سفاجا، وكانت أول محطة لها في ميناء عدن وهناك أمضت أسبوعاً ثم صدر لهم الأمر بالتوجه إلي أحد الموانئ الصومالية في زيارة رسمية استغرقت أسبوعاً آخر لزيارة بعض الموانئ الصومالية، ثم عادت القطع الثلاث من جديد إلي عدن وهناك وصلتها مظاريف مغلقة وأوامر بعدم فتحها إلا بعد أن تصلهم إشارة معينة، وفي مساء الخامس من أكتوبر 1973 م جاءتهم الإشارة الكودية وعندما فتحوا المظاريف الثلاث علموا أنها الحرب المنتظرة، وصدرت الأوامر بالتوجه فوراً ليس إلي باكستان كما هو معلن، ولكن إلي مواقع محددة لها عند مضيق باب المندب في سرية تامة عند نقط تسمح لها بمتابعة حركة جميع السفن العابرة في البحر الأحمر رإدارياً وتفتيشها، ولم تجرؤ سفينة إسرائيلية واحدة علي عبور مضيق باب المندب طوال الحصار، وكانت الأوامر لهذه الوحدات الثلاث بتفتيش السفن المشتبه في اتجاهها إلي إسرائيل ومنعها، وإذا لم تمتثل يتم إطلاق مدفعية عليها حتي يتم تطبيق الإعلان الملاحي لوزارة الخارجية المصرية والخاص بتحديد المناطق المحظور فيها الملاحة في البحرين الأبيض والأحمر، كما انتشرت الغواصات المصرية بين المنطقة ما بين جدة وبور سودان وكانت مكلفة بتدمير أي وحدة بحرية متجهة شمالاً إلي ميناء إيلات، ونفذت هذه الوحدات مهامها علي أكمل وجه فقد اعترضت المدمرات 200 سفينة تجارية.
 
وكانت عمليات قواتنا البحرية تقوم بقطع مواصلات العدو البحرية وتؤثر عليه للغاية فانخفض عدد السفن التى كانت تدخل موانئ إسرائيل من البحر المتوسط إلى 23 سفينة بدلاً من 200 سفينة، وكان الحصار فى البحر الأحمر كاملاً، ولم تترك سفينة إسرائيلية واحدة تخرج أو تدخل ميناء إيلات طوال الحرب.
 
ففي يوم 6 أكتوبر تم تدمير 9 قطع بحرية معادية ،أربع قطع فى شرم الشيخ ، وخمس قطع عند الساحل الشمالى لسيناء.
 
وفي يوم 7أكتوبر دارت معارك بحرية ضارية بين القوات المصرية وقوات العدو واستسلم عدد كبير منهم.
 
كما قامت الصاعقة البحرية بغارة على مرسى بلاعيم ليلة 7 – 8 أكتوبر حيث نسفت حفار البترول المتمركز فيها وعلى منطقة أبودرية على خليج السويس ونسفت مستودعات البترول الموجودة بالمنطقة.
 
وفي يوم 9 أكتوبر دارت معركة بحرية عنيفة أسفرت عن إغراق 5 زوارق إسرائيلية و3 زوارق مصرية.
 
وفي 16 أكتوبر دارت معارك بحرية شرسة فى البحرين الأحمر والمتوسط، فقد قصفت القوات البحرية مواقع العدو علي الشاطئ الشرقي لخليج السويس، وكبدته خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، كما نجحت وحدات أخري بقصف مراكز العدو الإدارية في رمانة علي الساحل الشمالي لسيناء وأشعلت فيها النيران وكبدتها خسائر جسيمة. وعندما حاولت قوي معادية الاقتراب من شواطئ الدلتا تصدت لها وحدات بحرية بمعاونة قوة جوية، ودمرت 4 زوارق، وارتد باقي التشكيل.
 كما تمت عملية إغارة ناجحة بواسطة الصاعقة البحرية على منطقة الشيخ بيتان جنوب الطور، ودمرت وحدة من الكوماندوز البحرية الإسرائيلية بالغردقة كانت تنوى الهجوم على القوات المصرية.
 
وفي 17 أكتوبر حاول العدو الإغارة بواسطة الضفادع البشرية على قاعدة بور سعيد، وقامت البحرية المصرية بالتصدى لها وأغرقوا لهم أحد القوارب ودمروا مجموعة الضفادع البشرية وتم انتشالها من المياه.
 
وفي يوم 21 أكتوبر وصل إجمالي خسائر العدو إلى 303 طائرات مقاتلة وقاذفة، و 25 طائرة هيلكوبتر، و 600 دبابة، و 400 عربة مدرعة، و 23 قطعة بحرية، غير أن امريكا كانت تعوض هذه الخسائر باستمرار.
 
وفي 22 أكتوبر دارت معركة بحرية على الساحل الشمالى أمام بورسعيد و أسفرت المعركة عن تدمير 3 قطع بحرية للعدو و اصابة طائرتين هليكوبتر و انسحبت باقى القوات شرقا، وفى منطقة البحر الأحمر حاولت مجموعة من وحدات البحرية الخاصة الاسرائيلية الاقتراب من الشاطئ فتصدت لها قواتنا البحرية ومدفعيتنا ودمرت زورقين، واستولت على أحد الزوارق بما فيه من افراد، كما حاول العدو دفع بعض أفراده من الضفادع البشرية نحو إحدى قطعنا البحرية، وتم اكتشافهم وتدميرهم جميعا، وانتشلت جثث كثيرة.
 
كانت كل هذه البطولات ما دفع المؤرخ العسكري الأمريكي تريفور ديبوي رئيس مؤسسة هيرو للتقييم العلمي للمعارك التاريخية في واشنطن، خلال الندوة  الدولية عن حرب أكتوبر في القاهرة 27-31 أكتوبر  1975، إلى القول: "لقد خاض المصريون الحرب البحرية في جوهرها بأسلوب استراتيجي وخاضها الإسرائيليون بأسلوب تكتيكي .. فرض المصريون حصاراً ناجحاً علي حركة الملاحة إلي ميناء إيلات وذلك بإغلاق مضيق باب المندب .. ويبدوأن حصارهم في البحر المتوسط منع معظم السفن المحايدة والإسرائيلية من الاقتراب من الشاطئ الإسرائيلي".
 
يبقى أن نتعرف على اللواء بحري فؤاد ذكري قائد القوات البحرية خلال الحرب، والذي ولد في 17 نوفمبر 1923، وهو من أبناء العريش بشمال سيناء، حيث تخرج في الكلية البحرية عام 1946 برتبة ملازم بحري، وعمل في وحدات البحرية العائمة بالفرقاطات والكاسحات ثم تولي قيادة قاعدة الإسكندرية البحرية، وقيادة المدمرة القاهرة ثم المدمرة الظافرة منذ عام 1959 وحتي 1963 تولي قيادة لواء المدمرات، ثم تولي رئاسة شعبة العمليات الحربية، وبعد أسبوع من هزيمة يونيو عام 1967 عين قائداً للقوات البحرية فأعاد بناء القوات البحرية المصرية وخطط لأروع إنجازاتها التي تحققت في معارك الاستنزاف، وأكتوبر 1973.
 
ويعد البطل الفريق أول فؤاد ذكري القائد الوحيد في تاريخ الجيوش في العالم الذي ترك قيادة قواته وابتعد عنها بعد أدائه لواجبه الوطني، وهو أحد خمسة من كبار القادة المصريين في حرب أكتوبر 1973 م الذين صدر في شأنهم قانون من مجلس الشعب بأن يظلوا في خدمة القوات المسلحة مدي الحياة. وبعد انتهاء معارك أكتوبر 1973 م حرص البطل الفريق أول فؤاد ذكري علي ترك موقعه لغيره وطلب هذا رسمياً عدة مرات إلي أن استجيب لطلبه، ولكن تم تعيينه مستشاراً للبحرية بدرجة وزير. وحصل البطل الفريق أول فؤاد ذكري علي العديد من الأوسمة والنياشين تقديراً لكفاءته وإنجازاته العسكرية.

قبل أن توافيه المنية في مطلع عام 1983، ليرحل في صمت أسد البحار البطل الفريق أول فؤاد ذكري.



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز