الخميس 25 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

المهندس إيهاب محمود: القروض ليست حلاً دائمًا .. والتصدير المنقذ للاقتصاد

المهندس / إيهاب محمود
المهندس / إيهاب محمود - الخبير الاقتصادي

في ظل الإعلان الأخير لصندوق النقد الدولي عن التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع الحكومة المصرية بشأن المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج تسهيل الصندوق الممدد بقيمة 8 مليارات دولار، والمراجعة الأولى لتسهيل الصلابة والاستدامة بقيمة 1.3 مليار دولار، تتجدد النقاشات الاقتصادية حول جدوى الاعتماد على القروض الخارجية كأداة رئيسية لإدارة الأزمات الاقتصادية.

 

وفي هذا السياق، يؤكد المهندس إيهاب محمود، الخبير الاقتصادي ورئيس مجلس إدارة شركة أرتك لوجستيك، أن الرهان المستمر على القروض، مهما كانت بشروط ميسرة أو لهجة دولية إيجابية، لا يمكن اعتباره حلاً جذريًا للمشكلة الاقتصادية، بل قد يتحول في بعض الأحيان إلى سبب مباشر في تعميق الأزمات، وعلى رأسها أزمات سعر الصرف والتضخم والتعويم.

 

 

القروض… مسكنات لا تعالج جذور الأزمة

 

يرى المهندس إيهاب محمود أن برامج التمويل الدولية، رغم أهميتها في توفير سيولة عاجلة ودعم الاستقرار الكلي على المدى القصير، إلا أنها لا تُنتج اقتصادًا قويًا بذاته، ولا تصنع قيمة مضافة حقيقية ما لم تُوظَّف ضمن رؤية إنتاجية واضحة.

ويقول:

«القروض بطبيعتها التزام، وليست ثروة. هي أداة مؤقتة لتجاوز اختناقات، لكنها لا تُغني عن بناء اقتصاد حقيقي قائم على الإنتاج والتصدير. الاعتماد المفرط عليها يُراكم أعباء مستقبلية، ويجعلنا في دائرة مغلقة من الاستدانة ثم التعويم ثم التضخم».

ويضيف أن تجارب السنوات الماضية أثبتت أن أي تدفقات دولارية ناتجة عن قروض أو استثمارات ساخنة سرعان ما تتآكل إذا لم يقابلها تدفق مستدام من النقد الأجنبي عبر التصدير.

 

 

التعويم نتيجة… لا سبب

 

 

وحول أزمات سعر الصرف المتكررة، يوضح المهندس إيهاب محمود أن التعويم ليس قرارًا منفصلًا عن السياق الاقتصادي، بل هو نتيجة طبيعية لاختلال هيكل الميزان التجاري.

«عندما تستورد أكثر مما تُصدّر، وتستهلك عملة صعبة أكثر مما تُنتج، يصبح الضغط على الجنيه أمرًا حتميًا. القروض قد تؤجل الأزمة، لكنها لا تمنعها».

ويؤكد أن الحل الحقيقي لأزمات العملة لا يكمن في ضخ الدولار، بل في خلقه، وذلك من خلال تعظيم الصادرات الصناعية والزراعية والخدمية، وتقليل الاعتماد على الاستيراد في السلع التي يمكن إنتاجها محليًا.

 

التصدير… معركة الوجود الاقتصادي

 

 

يشدد رئيس مجلس إدارة أرتك لوجستيك على أن التصدير لم يعد خيارًا، بل ضرورة وجودية للاقتصاد المصري، خاصة في عالم يشهد تنافسًا شرسًا على الأسواق وسلاسل الإمداد.

ويقول:

«أي دولة تريد الاستقرار الاقتصادي الحقيقي، يجب أن يكون لديها مشروع قومي للتصدير، لا يقل أهمية عن مشروعات البنية التحتية».

 

ويؤكد أن مصر تمتلك مقومات هائلة غير مستغلة بالشكل الكافي، سواء في:

الصناعات الغذائية

الصناعات الهندسية

الأدوية

المنسوجات

الخدمات اللوجستية

تصدير الخدمات الرقمية

السياحة المتخصصة

دروس من الصين وتركيا

ويضرب المهندس إيهاب محمود أمثلة واضحة بتجارب دول استطاعت التحول من أزمات اقتصادية إلى قوى تصديرية كبرى.

الصين – كما يوضح – لم تصبح مصنع العالم بالقروض، بل:

استثمرت في التصنيع

دعمت المصدرين

سيطرت على سلاسل الإمداد

ربطت التعليم بالصناعة

وقدّمت حوافز تصديرية حقيقية

 

أما تركيا، فعلى الرغم من أزماتها النقدية، فإنها استطاعت الحفاظ على قدر كبير من التوازن الاقتصادي بفضل:

 

قاعدة صناعية تصديرية قوية

تنوع الأسواق

مرونة القطاع الخاص

التركيز على الصناعات المتوسطة والصغيرة الموجهة للتصدير

ويعلق قائلاً:

«تركيا تُعاني من تضخم، نعم، لكنها تُصدّر. الصين مرت بأزمات، لكنها تُصدّر. الفارق أن التصدير يمنح الدولة قدرة على الصمود، حتى في أصعب الظروف».

 

ما المطلوب الآن؟

 

يرى المهندس إيهاب محمود أن المرحلة المقبلة يجب أن تشهد تحولًا استراتيجيًا حقيقيًا في السياسات الاقتصادية، يقوم على:

وضع التصدير في قلب السياسات الحكومية وليس كملف ثانوي.

تقديم حوافز ضريبية وجمركية مباشرة للمصدرين الحقيقيين.

توطين الصناعة بدلًا من استيراد البدائل الجاهزة.

إصلاح منظومة اللوجستيات والموانئ لتقليل تكلفة التصدير.

تمكين القطاع الخاص كشريك أساسي لا كمجرد منفذ.

ربط القروض – إن وُجدت – بمشروعات إنتاجية تصديرية فقط.

 

القروض أداة… وليست مشروع دولة

 

ويختتم المهندس إيهاب محمود حديثه بالتأكيد على أن الاقتراض ليس خطيئة في حد ذاته، لكنه يصبح خطرًا حين يتحول إلى بديل عن الإصلاح الحقيقي.

«القروض قد تكون أداة ضمن أدوات كثيرة، لكنها لا يمكن أن تكون مشروع دولة. المشروع الحقيقي هو التصدير، الإنتاج، وتعظيم القيمة المضافة. بدون ذلك، سنظل ندور في نفس الحلقة مهما تغيرت الأرقام أو تحسنت اللهجة الدولية».

ويؤكد أن الاقتصاد القوي لا يُقاس بحجم القروض، بل بقدرة الدولة على توليد دخل مستدام من عملها وإنتاجها وأسواقها، مشددًا على أن مستقبل الاستقرار الاقتصادي في مصر لن يتحقق إلا عبر اقتصاد مُصدِّر لا مستهلك.

 

تسجيلي

 

تم نسخ الرابط