عاجل
الخميس 23 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
ذكرى انتصارات أكتوبر مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
الشعر والنصر بالعامية والفصحى

الشعر والنصر بالعامية والفصحى

«وسمينا وعدينا وشقينا طريق النصر/ وإيد المولى ساعدتنا ورجعنا ابتسامة مصر».



.. بهذه الكلمات العامرة بالفرحة، والثقة بنصر الله، كتبت الشاعرة علية الجعار «1935 - 2003» مصوِّرة إحساسها بالفخر بجنودنا البواسل، وما حققوه من انتصارات فى حرب أكتوبر 1973 المجيدة.

بهذه الكلمات تغنت شهرزاد، ولحنها الموسيقار عبدالعظيم محمد، وأذاعتها الإذاعة المصرية فور تسجيلها، مدة الأغنية أربع دقائق، واثنان وثلاثون ثانية لكنها عاشت فى قلوبنا حتى الآن ساعات وأياما وسنين فقد ارتبطت هذه الأغنية بوجدان المصريين الذين يبدأون يومهم باسم الله، ويتذوقون طُعمتهم باسم الله.

الشعور الدينى العميق هو ما يميز حياة المصريين الوجدانية، ولذا فقد عبروا الحاجز المنيع، وحطموا خط بارليف، ورفعوا العلم ليرفرف خفاقا على أرض سيناء.

«خيوط الفجر بتنوَّر وكل الشعب بيكبر/ وفى رمضان وبالإيمان أراضينا بتحرر».

وهنا صورت شاعرتنا الشعور الجمعى، وقوة المعتقد بروح الإيمان التي تصنع النصر.

ونحن نحتفل بأكتوبر شهر الانتصارات نحتفل أيضا بمرور تسعين عاما على ميلاد شاعرتنا التي كتبت أيضا قصيدة بالفصحى عن ملحمة العبور وفى هذه الإطلالة، وفى ضوء الكلمة نكشف عن هذه القصيدة التي يرجع تاريخها إلى عام 1974، لتأخذ مكانها فى إبداعات نصر أكتوبر، والتي تحتاج الى مزيد من الدراسة والبحث لرصد ملامح هذه التجربة الكبرى، وتأثيرها فى حياة ووجدان المصريين، وقد اكتشفت هذه القصيدة فى كتاب جمع قصائده عبدالفتاح شلبى شيخ الزجالين، وكان أحمد حمروش قد تحمس لإصدار هذا الكتاب عن دار الشعب ليعبِّر فيه الشعراء عن ملحمة العبور، وكان حمروش يشغل حينذاك رئيس مجلس إدارة دار الشعب.

ووصف د.حامد حفنى داوود الذي كتب مقدمة هذا الكتاب هذا المجهود الفنى الجماعى الذي سطره الشعراء، وانفعالهم بالمعركة هو التجربة الكبرى التي يمكن للشاعر أو الزجال أو الكاتب أو الفنان أن يعالجها فى حياته، «وهى تجربة الصمود من أجل الحياة وانتزاعها من بين فكىّ الموت الداهم بكل ما فى الإنسان من إصرار على الحياة ورغبة فى الانتصار، فدور الشاعر فى المعركة لا يقل عن دور المقاتل والقائد فى كسب المعارك، وانتزاع النصر فى ميادين القتال».

ولأن حرب أكتوبر هى بالفعل التجربة الكبرى، والتي يمكننا أن نسميها تجربة الحياة، والتي وضعت بين أيدينا ألوانا وفنونا من الإبداع مكتوبة بنبض القلوب، وهى التجربة التي صاغتها علية الجعار نموذجا، بكل ما امتلكت من ميراث اللغة بجناحيها: العامية والفصحى فأمتعتنا بأغنية العبور، كما أمتعتنا بقصيدة النصر وهى بعنوان: «إنّا حملنا الحق» والتي تستهلها بقولها: «إنا حملنا الحق فى أيدينا/ نرمى به بطلان من يرمينا/ من هضبة الجولان أو من سينا/ والله خير حافظا ومُعينا».

وهنا أيضا تتجلى الروح الإيمانية، وخصائص أسلوب الشاعرة، والتي تقول فى المقطوعة الثانية من قصيدتها: «إنا زحفنا شعلة من نار/ تجتاح صرح الظلم كالإعصار/ لا بالإله الواحد القهار/ لن يرجع الباغى إلى وادينا/ والله خير حافظا ومُعينا».

وهذه القصيدة من شعر الفصحى تنتمى إلى فصل مهم من فصول الشعر العربى هو شعر الحماسة.. قصائد عديدة كتبتها شاعرتنا بهذا الصفاء الروحى والوجدانى مما جعلها بحق صوتا مميزا فى شعر الإنشاد الدينى، وقد تغنى بكلماتها الشيخ ياسين التهامى، فأنشد لها سبع قصائد هى: «أنين القلب»، و«أيا ملهمتى»، «وطينتى»، «وسلسال الحب»، و«الحب منك إليك»، و«كتاب الله»، و«غريب أنت يا قلبى»، وهذه القصيدة عنوان أحد دواوينها الشعرية.

وفى قصائدها تلك تأملاتها للوجود من حولها، فتتعمق النظر إلى مظاهر الطبيعة بحيث يصبح السفر فى شعرها انطلاقا نحو عناق الطبيعة والإنسان، والإيمان بقدرة الخالق سبحانه وتعالى، فتقول شاعرتنا فى قصيدتها «الحب منك إليك»: «الحب منك إليك أنت خلقته/ ووهبتنى قلبا يحس ويخفق/ أهوى الوجود جميعه أرنو له/ فيهزنى حسن بديع مشرق/ هذا الجمال بصمته وجلاله/ ببديع حسنك يا إلهى ينطق/ هذا الجمال السرمدى وهبتنا/ إياه يا نعم الكريم المُغدق/ فالقادر الوهاب يُكثر بَذْله/ ويُقدِّر ما ملكت يداه ينفق/ سبحانك اللهم صُنعك آية/ شهدت بأنك خالق لا تُخلق/ فإذا ولعتُ بما صنعت فكيف لا؟/ أهواك يا رب الوجود وأعشق».

.. وقد قدمت علية الجعار العديد من الأغنيات الدينية المهمة مثل «خد بإيدى» وقد غنتها شادية، وأغنية «حب الرسول يابا دَوَّبنى دوب» وشدا بها محمد الكحلاوى، فهى من أشهر وأكثر أغنياته عذوبة.

ولم تقتصر شاعرتنا على كتابة الأغنيات الوطنية والدينية بل إن لها عدة دواوين شعرية هى: «إنى أحب» وهو ديوانها الأول الذي كتب له المقدمة الشاعر الكبير أحمد رامى، ثم توالت دواوينها الشعرية: «أتحدى بهواك الدنيا»، و«غريب أنت يا قلبى»، و«ابنة الاسلام» و«على أعتاب الرضا»، و«مهاجرون بلا أنصار».

وقد التقيت علية الجعار عدة مرات فى ثمانينيات القرن الماضى، وكنت أكتب صورة قلمية عن مقام السيدة زينب لمجلة صباح الخير، فقابلتها مصادفة أمام المقام، فرحت بى كما سعدت بلقائها، وسألتنى: أنت من أحباب «السيدة» يا عزّة؟

فقلت: كلنا من أحباب السيدة زينب، أم هاشم، رئيسة الديوان، فتهللت، وقدمت لى قطعة صغيرة خضراء من حرير كسوة مقام السيدة فحملتها معى فى إضمامة، بقيت فى حافظتى دوما.

وحكت لى يومها عن قصيدتها فى مديح السيدة زينب رضى الله عنها، وكيف أنها بدأت القصيدة تقول: «إنى أحبك أنت»، ثم تمنع عليها الشعر، ولم تكملها، لكنها فى اليوم نفسه، عندما عادت من رحلتها إلى مقام السيدة حضرها الإلهام، وانساب الشعر كالنهر على أوراقها فكتبت تقول: «إنى أحبك أنت/ يا بنت أكرم بنت/ يا زهرة قد تسامت فى نور أطهر بيت».

لقد ارتبطت علية الجعار بالوجد المصري بآل البيت، وجمعنا مقام السيدة، وفرقتنا الأيام، لكننى مازلت أذكرها، وفى كل أكتوبر أنشد مع المنشدين «وسمينا وعدينا/ وإيد المولى ساعدتنا/ ورجعنا ابتسامة مصر».

 

نقلاً عن صحيفة روزاليوسف

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز