

أحمد عبدالعظيم
القوة العسكرية المشتركة
قوة عسكرية عربية مشتركة.. تلك الفكرة التي تصل إلى حد الحلم في أوقات كثيرة.. ولكن مع تصاعد وتطورات الأحداث بالمنطقة والتي تمثل “كابوسا” لكل من يريد أن يعيش في سلام، بدأ هذا الحلم يلوح في خاطر وجوارح كل “عربي”، ليكون قوة ردع ضد كل متغطرس يحاول المساس بالأمن القومي لأي دولة عربية.
ولكن السؤال.. هل الحلم يمكن أن يتحقق خاصة أن الخطر أصبح قريبا من أي دولة كانت تظن قبل ذلك أنها خارج نطاق “النار”؟ وكيف كانت الطروحات السابقة للفكرة؟ ولو تمت كيف سيكون شكلها ومهامها؟
كانت آخر تلك الأطروحات وأهمها في 29 مارس 2015 حيث قرر مجلس جامعة الدول العربية، الموافقة على الفكرة التي طرحها الرئيس عبد الفتاح السيسي، بإنشاء قوة عربية مشتركة، هدفها حفظ وصيانة الأمن القومي العربي، وصدر قرار الموافقة رقم 628.
وتقرر إعداد بروتوكول مكتوب، يتضمن 12 مادة، يحدد تعريفا كاملا لمهام القوة، وأهمها ما جاء في المادة الثانية، وأبرز تلك المهام هو التدخل العسكري السريع لمواجهة التحديات والتهديدات الإرهابية التي تشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي العربي والمشاركة في عمليات حفظ السلم والأمن في الدول الأطراف، سواء لمنع نشوب النزاعات المسلحة، أو لتثبيت سريان وقف إطلاق النار واتفاقيات السلام، أو لمساعدة هذه الدول على استعادة وبناء وتجهيز قدراتها العسكرية والأمنية.
وكذلك تضمن بروتوكول مهام القوة العربية المشتركة، المشاركة في تأمين عمليات الإغاثة والمساعدات الإنسانية، وحماية المدنيين في حالات الطوارئ الناجمة عن اندلاع نزاعات مسلحة، أو في حالة وقوع كوارث طبيعية تستدعي ذلك، وحماية وتأمين خطوط المواصلات البحرية والبرية والجوية بغرض صيانة الأمن القومي العربي ومكافحة أعمال القرصنة والإرهاب، وعمليات البحث والإنقاذ، بجانب أي مهام أخرى يقررها مجلس الدفاع.
قال الرئيس السيسي وقتها: “إن تفاقم الأوضاع الراهنة يحتاج إلى الثقة في النفس في كيفية الاستعداد لتلك المستجدات وتأسيس قوة عربية موحدة، مع احترام سيادة الدول في الوقت ذاته”، مضيفا: “الأمة العربية تواجه تحديات جسامًا لا تخفى على أحد، بما يستوجب منا جميعًا دعم جامعتنا العربية وتحركاتها لتصبح القاطرة التي توحد كلمة الدول والشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، وتجعل لها من أسباب القوة ما يعضد من مكانة أمتنا العربية على الساحة الدولية”.
دعوة الرئيس السيسي وقتها تحدثت عن أهميتها وسائل الإعلام الأجنبية، حيث أشارت وكالة “الأسوشيتد برس” الأمريكية تعليقًا على الدعوة إلى أنها “تعد أول تأكيد علني من قبل زعيم عربي على احتمال تشكيل مثل هذه القوة”، وقال المحلل العسكري لشبكة “سي.إن.إن” الأمريكية، جيمس “سبايدر” ماركس: “استراتيجيًا وسياسيًا، فإن هذه الدعوة تمثل إنجازًا كبيرًا للمنطقة، وهي بلا أدنى شك أول خطوة في الاتجاه الصحيح”.
الرئيس عبد الفتاح السيسي، وخلال لقائه الأمير تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، وذلك عقب وصوله إلى الدوحة للمشاركة في أعمال القمة العربية الإسلامية الاستثنائية في العاصمة القطرية يوم (15 سبتمبر 2025)؛ عاد وأكد أهمية بلورة رؤية مشتركة للعمل العربي الجماعي، وتشكيل جبهة موحدة لحماية الأمن القومي العربي.
إذًا.. فالدولة المصرية- ممثلة في رئيسها- كانت كالعادة لها رؤيتها الواضحة (العابرة للزمان والمكان)، وما طالبت به دومًا أصبحت الحاجة ملحة لتكون واقعًا حتى تعود للعرب هيبتهم.. ودائمًا ما يؤكد الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة، قائلًا: “نحن قادرون معًا إذا توحدنا أن نحمى بلادنا العربية”. ولنا هنا توضيح.. فقد أثبتت كل التجارب على مدى التاريخ صحة وجهة النظر المصرية وسلامة مساعيها، فالدولة المصرية لا ترى “تحت رجلها”، ولكنها ترى وتخطط للمستقبل بناء على معطيات تحللها عقول واعية.. فهل يلتف العرب هذه المرة حول القرار والحالم المصري ليكون طوق النجاة لبلادهم وشعبهم؟
تخيل معي وجود قوة عسكرية عربية مشتركة برعاية واحد من أقوى جيوش العالم وهو الجيش المصري، بما يمتلكه من خبرات وقوة تسليحية هائلة وعقيدة عربية راسخة التي تجعل القوى العسكرية الكبرى تتسارع للتعاون والتدريب المشترك معها، فهل يجب نزع فتيل التوترات بين الدول العربية لتنفيذ الفكرة، خاصة أن نص المقترح لبروتوكول تشكيل القوة يضمن عملها بشكل سلس جدًا، وبمرور الوقت سيكون لدينا قوة جبارة قادرة على صد أي تهديد للأمن القومي العربي بل والإسلامي أيضًا، خاصة أن البروتوكول يتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة وأحكام وقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
ودعونا نطلق الخيال قليلًا لعل اليوم يأتي ونرى الحلم يتم تنفيذه على أرض الواقع.. فلك أن تتخيل قوة ما جاء حول مهام القوة المشتركة وفقًا لما جاء في البروتوكول المقترح عام 2015، حيث تساهم كل دولة طرف بعناصر عسكرية برية وجوية وبحرية وإدارية وطبية، طبقًا لإمكانياتها وبما لا يخل بمهام قواتها المسلحة.
وفي حالة ما إذا كانت مساهمة دولة طرف تخل بمهام قواتها المسلحة أو لظروف أخرى، يتم تحديد ونوع عناصرها المشاركة عند اتخاذ القرار لتنفيذ المهمة، ويحدد مجلس رؤساء الأركان حجم ونوع العناصر المخصصة كحد أدنى من كل دولة طرف، وذلك بناءً على دراسة للتحديات والتهديدات التي يواجهها الأمن القومي العربي، وتستعد العناصر التي سوف تساهم بها كل دولة كحد أدنى في الأحوال العادية بدولها، على أن تكون جاهزة للدفع بها عند اتخاذ القرار اللازم.
ورغم كل ما سبق من وجود فرصة ليكون للعرب قوة وهيبة أمام كل متغطرس.. فللأسف لا يزال الحلم المصري رهن الإرادة العربية، فليس بعد الوقاحة الإسرائيلية شيء سوى الاعتراف بأن مصر.. ومصر وحدها القادرة على لم الشمل لردع أي قوة أخرى تخطط لتهديد العرب.