عاجل
الأحد 21 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
لماذا لا يشعر المواطن بجهود الحكومة؟

مدبولى قال خلال لقائه رؤساء تحرير الصحف إن مصر مستهدفة

لماذا لا يشعر المواطن بجهود الحكومة؟

حينما تحدَّث رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، خلال لقائه بعَدد من رؤساء تحرير الصحف والمَواقع الإلكترونية، عن أرقام ومؤشرات التحسن الاقتصادى؛ طرح تساؤلاً جوهريًا، قال أنه متداوَل ويتم رصده على منصات التواصل الاجتماعى، وهو «متى سيشعر المواطن بهذا التحسن؟».



وإذا كان هذا التساؤل معنيًا  بمدى شعور المواطن فى الشارع بنتائج الإصلاح الاقتصادى؛ إلا أن حديث الدكتور «مدبولى» عن جهود حكومته فى قطاعات مختلفة؛ يدفعنا لطرح تساؤل أعمق، وهو لماذا لا يشعر المواطن بالحكومة وجهودها؟، لا سيما أن كثيرًا من تساؤلات اللقاء تناولت مسألة التفاعل الحكومى مع الشارع والرأى العام، عبر منصات وسائل الإعلام المختلفة، وتغيير آليات تعاطى المسؤولين مع الإعلام.  

 

 

 

 

 

وما يُعَزز من طرح هذا التساؤل أيضًا، مجموعة من الأبعاد المهمة التي تناولها رئيس الوزراء، فى حديثه الذي امتد لثلاث ساعات، والتي تتعلق بقدرات الحكومة المصرية والدولة ومؤسَّساتها، على الصمود؛ اقتصاديًا وأمنيًا وسياسيًا، فى محيط إقليمى شديد الاضطراب؛ بل زاد فى حديثه حين أكد أن «مصر مستهدَفة» ضِمْن التحولات التي تحدث فى المنطقة.. وهنا دعا لأن يكون للإعلام دورٌ فى تعزيز الوعى، وشرح حقيقة التحدى الذي تواجهه البلاد.

بلا  شك؛ نتحدث عن معادلة صعبة للعمل التنفيذى، فاتجاهات الاستهداف والتحدى، محيطة بالدولة المصرية من كل اتجاه؛ بل إن جميع دول الجوار المباشر، تواجِه اضطرابات وعدم استقرار سياسى وأمنى منذ سنوات، إلى جانب حالة «ضبابية» وعدم وضوح على الصعيد الدولى، وفى المقابل؛ تقف الدولة المصرية صامدة، وتحقق مؤشرات إيجابية فى عدة قطاعات، ولكن ربما هذا الجهد لا يصل لقطاعات عديدة فى الشارع، وهى مفارَقة تستدعى التوقفَ مع عدد من النقاط المهمة التي ذَكرها رئيس الحكومة.

بالتأكيد؛ حينما لبَّيْتُ دعوة لقاء الدكتور مصطفى مدبولى، مع رؤساء تحرير الصحف والمواقع، وبحضور رؤساء الهيئات الإعلامية؛ كانت لدَىَّ عديد من التساؤلات التي تحتاج إلى إيضاحات لطرحها، غير أن فضولى الأكبر كان فى الاستماع لتقدير موقف رئيس الوزراء، تجاه عديد من القضايا السياسية والاقتصادية، ولا سيما ما يحدث فى قطاع غزة، وتأثيراته الداخلية، إلى جانب تداعيات ما يحدث على الساحة الدولية.

 

مصر مستهدَفة

سياسيًا؛ تحدّث الدكتور مصطفى مدبولى، عن تداعيات ما يحدث فى قطاع غزة وتأثيراته، وهنا أشار إلى تقدير الموقف المصري، الذي طالما حذّر من اتساع رقعة الصراع فى المنطقة، وأن الأمر لا يتوقف على قطاع غزة؛ بل يمكن أن يجر المنطقة إلى صراعات إقليمية كبيرة، وهو ما حدَث بالفعل خلال العامين الماضيين؛ حيث وصلت الأوضاع لأبعاد لم يكن أحد يتخيلها، وتزامَن معها تغيرات على المستوى العالمى.

وعَدَّ «مدبولى»، أن الاضطرابات التي تشهدها المنطقة، لها تداعيات على الداخل المحلى، وأشار إلى أن مصر مستهدَفة ضِمْن محاولات إعادة رسْم خريطة المنطقة، وهنا أكد الدكتور «مدبولى» على أن أهمية استمرار التماسُك الداخلى والاصطفاف فى الداخل، وأن يكون الجميع على وعى بأن قوة مصر وعدم القدرة على المساس بها من الداخل، عادة الاستقرار والتماسُك الداخلى يظل المحور الوحيد الذي يجعل الدولة بعيدة عن أى محاولات للنيْل منها.

 

 

 

حروب اقتصادية وتجارية

على الصعيد الدولى؛ أشار رئيس الوزراء، إلى أن اضطرابات المنطقة، تتزامَن مع تغيرات على المستوى العالمى، ذلك أن الصراعات اتخذت أبعادًا أخرى غير الصراعات العسكرية والسياسية، فهناك حروب (اقتصادية وتجارية) يشهدها العالم- على حد قوله.

تقدير الصراع الاقتصادى الدولى، استند فيه رئيس الوزراء إلى نتائج ما استمع إليه خلال محادثات مع رؤساء وقادة عدد كبير من الدول الكبيرة والمتوسطة والمشابهة لظروفنا، خلال مشاركته فى قمتين عالميتين فى اليابان والصين مؤخرًا، كان من بينها الصين وروسيا والهند وتركيا والعديد من دول أوروبا، وهنا أشار إلى أن «جميع الدول تجمع بأن العالم يمر بمرحلة مخاض جديد، وأن هناك تغيرًا كاملاً فى شكل الخريطة والتركيبة السياسية».

النتيجة الأخرى التي توقَّفَ أمامَها رئيس الوزراء؛ هى أنه «لا توجد دولة تستطيع وحدها أن تتواكب مع حجم التحديات، فلا بُدّ أن يكون هناك تعاون وتحالفات فيما بينها»، واستدل على ذلك، بتقديرات أكبر الدول وأكبر الاقتصادات، التي تؤكد على أن «العالم يمر بمرحلة شديدة الضبابية، وليس هناك تصوُّرٌ واضحٌ لما يمكن أن يحدث خلال الفترة المقبلة»، عادة ذلك يفرض باستمرار التماسك والتعاون المشترك مع كل الدول لمواجهة تلك التحديات، ويعكس رشادة رؤية التحرك المصري خارجيًا، بالتنسيق مع الدائرة العربية والإسلامية.

 

اقتصاديًا؛ استهل رئيس الوزراء حديثه، بالإشارة إلى مفارقة هى محل تساؤل بالفعل، وهى متى يشعر المواطن بالتحسن الاقتصادى، رغم المؤشرات الإيجابية للاقتصاد؟، وهنا أشار إلى أن الاقتصاد الحالى للدولة، أفضل مما كان عليه خلال سنوات مضت؛ وفقًا لمؤشرات النمو الاقتصادى التي تتراوح بين 4.2، و%4.3، وتراجع معدلات البطالة وتحسن ميزان المدفوعات، وزيادة الصادرات، إلى جانب زيادة الاحتياطى النقدى، وتحسن سعر الصرف، وتراجع معدلات التضخم.

أراد الدكتور «مدبولى»، الإجابة عن تساؤل مدى شعور المواطن بهذا التحسن، بنظرة قائمة على استبعاد (ملف ارتفاع الأسعار من المعادلة)، وسرد أوجُه التحسن فى قطاعات ومجالات مختلفة؛ خدمية واجتماعية واقتصادية وتنموية، معتبرًا أن شواهد التنمية حاضرة فى كل مكان.. وهنا نتوقف مع أبرز الأرقام والمؤشرات التي تناولها، ومنها ما يلى:

- القضاء على المناطق العشوائية وغير الآمنة، إلى مدن جديدة، استفاد منها نحو 30 ألف أسرة، بما يعادل مليون ونصف المليون مواطن، وهى تجربة تتم تدريسها عالميًا.

- التوسع فى شبكات الحماية الاجتماعية؛ حيث إن هناك نحو 7 ملايين مستفيد من برنامج «تكافل وكرامة».

- مشروع «حياة كريمة» الذي أحدث تغييرًا جذريًا فى شكل الريف المصري، لكنه أشار إلى أنه إذا كانت أرقام الدعم هى الأكبر فى السنوات الأخيرة، إلا أن عملية بناء الدول تأخذ كثيرًا من الوقت، والمهم استمرار الجهد، كما فعلت دولة مثل الصين.

- وعلى مستوى الصحة؛ نجحت الدولة فى القضاء على فيروس (سى)، وإنهاء قوائم الانتظار بإجراء عمليات جراحية لنحو 2.8 مليون مصري، والتوسع فى منظومة التأمين الصحي الشامل.

- التطور فى شبكة الطرق ووسائل النقل الجماعى فى جميع المحافظات.

- تأمين مصر احتياجاتها من الغاز لمدة 5 سنوات مقبلة، وذلك من خلال النجاح فى استقدام سُفن التغييز، وعودة الإنتاج وزيادة إنتاج الحقول الطبيعى فى مصر، ولدينا تصور واضح للرجوع تدريجيًا للأرقام والمعدلات الكبيرة خلال الفترة المقبلة.

 

سيناريوهات الحرب الاقتصادية

 نقطة التوقف الأخرى فى حديث الدكتور «مدبولى»، مع رؤساء تحرير الصحف، كانت تتعلق بالسردية الوطنية للتنمية الاقتصادية، كرؤية اقتصادية للسنوات الخمس المقبلة، وهى رؤية تعمل الحكومة على صياغتها، كمشروع وطني للتنمية الاقتصادية، بعيدًا عن برامج صندوق النقد الدولى.

من النقاط الإيجابية فى هذا الأمر، إشارة رئيس الوزراء، إلى أن مصر لا تحتاج إلى برنامج جديد من صندوق النقد الدولى، ولكنها تعمل على صياغة رؤية تستهدف تحقيق عدد من المؤشرات المهمة، أهمها: مواجهة العجز التجاري، وزيادة الصادرات، مقابل واردات لا تزيد على %4، وزيادة الاعتماد على الطاقة الجديدة والمتجددة لتوفير الاستفادة من الغاز الطبيعى فى صناعات أكبر.

البعد المهم أيضًا، سيناريوهات الوضع الاقتصادى، الذي تستهدفه السردية؛ حيث أشار الدكتور «مدبولى» إلى ثلاثة سيناريوهات، الأول يتعلق بالوضع الحالى، والثانى سيناريو طموح، والثالث، سيناريو متحفظ، مرتبط بالظروف الجيوسياسية فى المنطقة، وأشار إلى أن مصر تستهدف ضمن رؤيتها الاقتصادية ملف الدَّيْن الذي يشغل بال المواطن المصري سواء الدَّيْن العام أو الدَّيْن الخارجى، والعمل على الاتجاه به إلى المسار النزولى خلال السنوات الخمس المقبلة، والوصول قبل حلول هذه السنوات إلى أقل أرقام ومعدلات شهدتها الدولة المصرية فى ملف الدَّيْن.

هذا إلى جانب استهداف الوصول بمعدلات النمو إلى %7، ومساهمة الصناعة فى الناتج المحلى الإجمالى إلى %20، وارتفاع معدلات السياحة إلى 30 مليون سائح، وزيادة الصادرات السلعية الخدمية إلى 145 مليار دولار فى عام 2030، وخفض العجز الكلى، إلى نحو %3.5.

المواطن وجهود الحكومة

حديث رئيس الوزراء، عن الجهود المبذولة، والخطط المستقبلية للتحسن، يستدعى العودة للتساؤل الذي طرحناه، والمتعلق بمدى شعور المواطن بهذه الجهود، وربما تفسير مثل هذه التساؤلات، يرتبط باختلاف معيار التحسن لدى كل طرف، فمقياس التحسن لدى الحكومة، تترجمه الأرقام، (وهى حاضرة فى كل قطاع ويتم ترديدها يوميًا)؛ وإنما فى المقابل يأتى الحكم من جانب المواطن من خلال واقعه اليومى، على اختلاف شرائح المواطنين.. وهنا الحكم إمّا من منظور خدمات أو الأسعار أو تحسُّن فى مرافق وخدمات.

 

 

 

ويبدو أن لدى رئيس الوزراء هذا التقدير، ذلك أنه حينما أراد توضيح عدم شعور المواطن بالتحسن الاقتصادى، استبعد مسألة (ارتفاع الأسعار) من المعادلة، ما يعنى أن الحكومة تدرك أن هناك شكاوى فى ارتفاع الأسعار، وأنها تؤثر بشكل مباشر على مستوى رضاء الناس، أو بمعنى أدق، شعورهم بنتائج الأرقام الإيجابية التي يتم تداولها.

البعد الثانى، يتعلق بتفعيل الأجهزة الرقابية، فى الأسواق، بصورة يستشعر بها المواطن، وجود ظهير يلجأ إليه وقت الحاجة، وتلك نقطة جرى التأكيد عليها، إلى جانب قنوات منظومة الشكاوى الحكومية.

البعد الآخر، ما يتعلق بكيفية تقديم الجهد الحكومى للرأى العام، أو تسويق ما يبذل للناس، وتلك مسألة جرى التوقف أمامها كثيرًا خلال لقاء رئيس الوزراء مع رؤساء التحرير، وتحديدًا عند الحديث عن دور الإعلام وتطوير رسالته، وذلك بالابتعاد عن البيانات والأرقام الصماء، وتحوُّل المسؤولين للتفاعل المباشر مع الرأى العام، وتمكين الإعلام من أداء دوره فى نقل صورة ما يتم إنجازه بشكل مباشر، والأهم أن تقدم الجهود الحكومية، للمواطن على أنها خدمة جديدة له، أو بمعالجة توضح له كيف سيستفيد من هذه الجهود.

بلا شك؛ حرص رئيس الوزراء، على التواصل مع الإعلام أسبوعيًا، على مدى أكثر من عام، كان له مردود إيجابى، وهو ما أشار إليه الدكتور «مدبولى»، بأنها ساهمت فى حل مشكلات كثير من المستثمرين، إلى جانب إزالة كثير من اللغط والشائعات التي تروج فى الشارع، وهى آلية من المهم أن يتم تعميمها لدى باقى المسؤولين؛ خصوصًا فى المحافظات.

 

البكالوريا والدعم النقدى

وبقدر أهمية إيضاحات رئيس الوزراء؛ كان من المهم التوقف أمام عدد من الملفات المطروحة لدى الرأى العام، ومنها ما طرحته من أسئلة على الدكتور «مدبولى»، تتعلق بفلسفة وأسباب تطبيق نظام البكالوريا بشكل اختيارى فى الثانوية العامة، وشكاوى إجبار الطلاب للالتحاق بها، والأمر الآخر، ما يتعلق بمشروع التحول للدعم النقدى بدلاً من العينى، والملف الثالث، حول مدى استعداد الحكومة للتعامل مع تطبيقات الذكاء الاصطناعى تشريعيًا وتنظيميًا؟

فى ملف الدعم، أوضح الدكتور «مدبولى»، أن التحول للدعم النقدى، يحتاج إلى قاعدة بيانات متكاملة لمستحقى الدعم؛ لضمان عدم ضرر مستحقين.. وأشار إلى أن الحكومة لديها خطط لبدء التطبيق التجريبى للمنظومة فى إحدى المحافظات، للتأكد من مدى فعاليتها.

وفيما يتعلق بالبكالوريا، أشار الدكتور «مدبولى»، إلى أن عددًا محدودًا من الدول التي لا تزال تطبق النظام القديم من الثانوية العامة، القائم على منح الطالب فرصة واحدة فى الامتحان، لكن نظام البكالوريا يعطى للطالب أكثر من فرصة فى الامتحانات، مشيرًا إلى أن الحكومة رأت «تطبيقه اختياريًا لفترة انتقالية لعدة سنوات لاختبار نتائجه لدى الأسَر المصرية»، ووعد فى الوقت نفسه بمراجعة شكاوَى أولياء الأمور من إجبار بعض المدارس الطلابَ على الالتحاق بها.

وفيما يتعلق بتطبيقات الذكاء الاصطناعى، والتوسع فى استخداماتها، أشار رئيس الوزراء، إلى أن الحكومة تدرس هذا الأمر، وإجراءات التعاطى معها تشريعيًا وتنظيميًا.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز