عاجل
الخميس 25 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
نيتشه لا يحب التوك توك

نيتشه لا يحب التوك توك

ليت صديقي الطبيب يدرك أن ركوب التوك توك يتناقض مع أهم نصائحه لمرضاه، فهو دائمًا يردد: " العبوا رياضة.. امشوا ربع ساعة على الأقل كل يوم.. اشربوا ميه كتير"، لكنه لا يمشي مائة متر هى المسافة من المقهى حتى بيته، ويقفز إلى التوك توك وكأنه عربة إسعاف تنقذه من أزمة قلبية أصابته فجأة.



فى كل مره نخرج من المقهى ما إن يسمع صوت موتور التوك توك قادم يقول بحماس:" يالا بينا".. وحين أرفض الركوب يقول مستنكراً: "ما تركب معايا يا أخي بدل ما تتعب نفسك؟".

 

فأجيبه بهدوء: "يا دكتور، أنا مبحبش التوك توك".

 

يضحك: "إنت غاوي تعب بقى"

 

فأرد: "ابتداءً من لحظة ظهوره رأيته تشوّهًا أصاب جسد المجتمع، أو داءً خبيثًا يصعب التخلص منه."

 

يضرب كفا بكف ويهز رأسه ويقول: "يا راجل بطل فلسفة، مين يقدر دلوقتي يستغنى عن التوك توك؟"

 

ارفع يدى وأشير الى صدرى وأقول: أنا أقدر .."طيب قولى قبل التوك توك كنت بتروح إزاي؟"

 

ابتسم وقال: "يا سيدي على الاسكوتر.

 

أنا: فاكر لما كنا نمشي سوا لغاية البيت نعدي على الفكهاني نشتري، ومن بعده الفرن نجيب المخبوزات، ثم الفطاطري ونطلب منه فطيرتين بس يكونوا مستويين".

 

انفجر صديقى ضاحكًا، وقال: "عرفت ليه أنا بقيت أركب توك توك؟ علشان معديش على كل دول.. بالتوك توك أنا الكسبان.. هيريّح رجليّ وجيبي".

 

ابتسمت وقلت له: "بس كده نيتشه ممكن يزعل منك".

 

فيرد متعجبا : مين ده يا أخويا إللى هيزعل!؟.." نيتشه" يا دكتور يا دكتور.. لأنه انتقد فكرة الإنسان العادي اللي بيدور على الراحة والرضا السهل، وقال إن ده بيمنع ظهور "السوبرمان" اللي بيكافح ويتحدى، فالإنسان المعاصر يهرب من بذل الجهد الحقيقي ويبحث عن الحلول الجاهزة، حتى لو أضعف ذلك شخصيته.. وأنت يا دكتور، شخصيتك بقت ضعيفة قدام التوك توك"..يا صديقى "التعايش مع المصيبة" مش شطارة.. الشطارة الحقيقية إنك تقول: "كفاية كده.. يالا برّه".

 

منذ أن تسلل هذا "المسخ" إلى شوارعنا وهو يفرض نفسه كضيف ثقيل، كنقطة سوداء فى جدار ابيض، في البداية قلنا: "لا بأس، مجرد نزوة عابرة، موضة غريبة وستزول"، لكن بمرور الوقت اكتشفنا أن هذه النقطة تمددت أكثر حتى صارت جدارًا كاملًا، ورغم كل ذلك، يظل هناك صوت داخلي يصرخ: "هذا ليس طبيعيًا، هذا الجسد يستحق أن يعود سليمًا، بلا حدبة، بلا قبح، بلا مرض"، فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة ليس من بينها التوك توك.

 

وهكذا أدركت أن الاستسهال لم يعد مجرد عادة يومية، بل أصبح فلسفة جديدة لحياتنا. التوك توك لم يعد وسيلة مواصلات فقط، بل صار رمزاً للعشوائية والزحام، رمزاً لزمن يبيع فيه الناس جهدهم وإرادتهم مقابل 10 جنيه "أجرة مشوار".. بل إن الاستسهال دفع أصحاب الحرف والصنايعية لترك مهنتهم والجلوس خلف مقود هذا "الهجين" بحثًا عن المكسب الأسرع، وترك الآباء أبناءهم يقودونه نيابة عنهم بينما يجلسون في البيت ينتظرون الإيراد آخر اليوم.. إنها فلسفة تُريح الجسد وتُنهك الروح وتجعل المجتمع كله يسير على ثلاث عجلات.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز