
السد العالي واقلاع الصناعات الثقيلة ومديرية التحرير والوادي الجديد.. أبرز الانجازات
ثورة 23 يوليو.. إنجازات اقتصادية صناعية مصرية شاهدة على التحدي

عيسى جاد الكريم
لم تكن ثورة 23 يوليو 1952 مجرد حركة ثورية قام بها ضباط الجيش لأهداف سياسية حتمية لإجلاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال التام، بل كانت ثورة قادها الضباط الأحرار كصفوة من العقول استطاعت الإفلات من قيود الفقر والظلم التي كانت تكبل بقية أفراد الشعب. رفعوا بدورهم رايات الحرية لينيروا لبقية الشعب طريق الحصول على حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فصارت الحركة ثورة شعبية جارفة تساند القادة من صفوة الكادحين من أبناء الشعب في الجيش.
ويتأكد يوم بعد يوم أن ثورة 23 يوليو لم تكن لتنجح أو تستمر لولا أنها خلقتها رغبة شعبية في إنهاء وجود احتلال يساعد الطغمة الحاكمة (الملك ورجاله في استغلال ثروات الوطن). فجاء أبناء الثورة ورجالاتها، وفي مقدمتهم الرئيس جمال عبد الناصر، لتحقيق ذلك بإنجازات اقتصادية بارزة استفاد منها كل أبناء الشعب، وغيرت ملامح الاقتصاد المصري، وأسست لمرحلة جديدة من التنمية والعدالة الاجتماعية، وتوزيع الثروة وخيرات البلاد لأهل البلد الكادحين، الذين كانوا قبل ذلك يعملون ولا يجدون الفتات في حين يستولي عدد من رجال الملك وداعمي استمرار الاحتلال على الأراضي. لم يكن هناك تعليم لأبناء الفقراء، ولا مصانع يملكها سوى الأجانب، ولا جامعات يصل إليها إلا أبناء الأثرياء.
ويكفي أن نعرف أن حركة الضباط الأحرار انحازت للمواطنين وأولوياتهم الاقتصادية. فنجد في أول موازنة بعد الثورة مقارنة بين موازنة مصر قبل الثورة وبعدها:
الإيرادات: 187.2 مليون جنيه.
المصروفات: 206 مليون جنيه (بعد تخفيض من 231 مليونًا).
حيث خُفضت مخصصات الملك فاروق من 1.1 مليون إلى 521 ألف جنيه قبل أن تُلغى بعد إنهاء الحكم الملكي في مصر وتحويل مصر لجمهورية.
كما خُفضت ميزانية الجيش من 47.99 مليون إلى 37.6 مليون جنيه وتوجيه ذلك لخدمة الشعب وتوفير الخدمات كأولوية. كما بدأت الثورة في التعليم بإتاحته بالمجان لشعب يعاني 80% منه من الأمية.
وتم تخصيص 25.8 مليون جنيه في الموازنة للتعليم، وبعد ذلك تم إنشاء وزارة التعليم العالي عام 1961.
وبدأت الثورة بعد ترسيخ دعائمها منذ السنوات الأولى مواجهة سياسات النهب الاستعماري للمواد الخام مثل القطن والذهب وإعادة تصديرها كمنتجات مصنعة بأسعار مضاعفة. وتمت إقامة محالج القطن الوطنية، ومصانع الغزل والنسيج وتوسيع مصانع المحلة وكفر الدوار لتحقيق الاكتفاء من المنسوجات، وما زالت قلاعًا صناعية ضخمة توفر المنتجات المصرية لكل العالم، ونحن الآن نقوم بإعادة تطويرها لتكون الأكبر والأحدث في العالم.
توزيع الأراضي على الفلاحين
لمواجهة الإقطاع وتوزيع الأراضي على الفلاحين، قامت الثورة بقرار قانون الإصلاح الزراعي، حيث تم توزيع 1.9 مليون فدان على صغار الفلاحين عبر قانون 1952، وإنشاء تعاونيات زراعية لتوفير البذور والأسمدة، وهو ما رسخ الانتماء وجعل الناس تشعر بأنها تعمل في وطن تملكه وليس في وطن تملكه مجموعة موالية في أغلبهم للاحتلال.
ومع توزيع الأراضي، تم العمل على زيادة الرقعة الزراعية بنسبة 15% عبر مشروعات استصلاح الأراضي (مثل مديرية التحرير والوادي الجديد وغيرها).
الخطط الاقتصادية
بدأت الثورة في وضع الخطط الاقتصادية، فكانت الخطط الخمسية التي وضعت أهدافًا لتحقيقها، ومنها الخطة الخمسية الأولى (1960–1965) التي تم تخصيص 26.7% من الاستثمارات للصناعة فيها، وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي من 8% في عام 1954 وزادت إلى 18% في عام 1970.
ارتفع معدل النمو الاقتصادي ليبلغ 7% سنويًا خلال 1957–1967، أي ضعف معدل الدول النامية (2.5%)، ووصل لـ8% في 1969–1970 في طفرة كبيرة جدًا بسبب روح الثورة والنشاط الكبير في الصناعة، رغم أن مصر كانت تحارب في ذلك الوقت إسرائيل في حرب استنزاف كبيرة لاسترداد سيناء.
حتى إن مصر حققت في عام 1969 فائضًا في الميزان التجاري لأول مرة في تاريخ مصر ليصل إلى 46.9 مليون جنيه.
الصناعات الثقيلة
مشروع ثورة يوليو الاقتصادي كان من أهم ركائزه الصناعة، وكان ضمن الأولويات التي وضعت هي التوسع في الصناعة. فمن 1400 مصنع كانت توجد في مصر لصناعات استهلاكية لم تكن بينها صناعات ثقيلة، تضاعف عدد المصانع خلال عشر سنوات بعد الثورة إلى 3000 مصنع، منها مصانع للصناعات الثقيلة الاستراتيجية.
1. تأميم قناة السويس:
في عام 1956، تم تأميم قناة السويس، وهو قرار استراتيجي أعاد السيطرة المصرية على هذا الشريان الاقتصادي الحيوي الذي كان تحت سيطرة أجنبية. هذا التأميم لم يكن مجرد قرار سياسي، بل كان له أثر اقتصادي هائل، حيث أصبحت إيرادات القناة تذهب مباشرة للخزانة المصرية، مما وفر موارد ضخمة لتمويل المشروعات التنموية الكبرى.
- بناء السد العالي
يُعد السد العالي في أسوان من أعظم المشروعات الهندسية في القرن العشرين، وكان له تأثير تحويلي على الاقتصاد المصري. من أبرز فوائده الاقتصادية:
حماية مصر من الفيضانات والجفاف: وفر السد تحكمًا كاملاً في مياه النيل، مما حمى الأراضي الزراعية من الغرق وأمن إمدادات المياه خلال سنوات الجفاف.
زيادة الرقعة الزراعية
ساعد السد في استصلاح ما يقرب من 1.3 مليون فدان من الأراضي الزراعية، وتحويل نظام الري من موسمي إلى دائم، مما زاد من الإنتاج الزراعي.
توليد الكهرباء
أصبح السد العالي مصدرًا رئيسيًا للطاقة الكهرومائية، حيث وفر الكهرباء لنحو 50% من القرى المصرية، ودعم قيام العديد من الصناعات.
تحسين الملاحة النهرية: سمح السد بتحسين الملاحة في نهر النيل طوال العام.
3. الإصلاح الزراعي
بعد وقت قصير من قيام الثورة، صدر قانون الإصلاح الزراعي في سبتمبر 1952، والذي هدف إلى القضاء على الإقطاع وإعادة توزيع ملكية الأراضي الزراعية. نص القانون على تحديد أقصى للملكية الزراعية (200 فدان للفرد ثم تخفيضها لاحقًا)، وتم مصادرة الأراضي الزائدة وتوزيعها على صغار الفلاحين المعدمين. هذا القرار حسّن من أوضاع الفلاحين، وزاد من إنتاجية الأراضي الصغيرة.
4. تمصير وتأميم الصناعة والتجارة
عملت الثورة على تمصير وتأميم العديد من الشركات والمؤسسات الأجنبية التي كانت تسيطر على قطاعات واسعة من التجارة والصناعة والاقتصاد المصري. هذا التوجه ساهم في بناء قاعدة صناعية وطنية قوية، وإنشاء شركات ومصانع حكومية كبرى في مجالات حيوية مثل الحديد والصلب (حلوان)، والألومنيوم (نجع حمادي)، ومصانع السكر، والسيارات (شركة النصر)، والصناعات الكيماوية والحربية. الهدف كان تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل التبعية الاقتصادية للخارج.
5. مجانية التعليم وتأثيرها الاقتصادي
أقرت الثورة مبدأ مجانية التعليم في جميع مراحله، بما في ذلك التعليم الجامعي. هذا القرار كان له أثر اقتصادي واجتماعي كبير، حيث أتاح الفرصة للطبقات الفقيرة والمتوسطة للالتحاق بالجامعات والكليات، بما في ذلك كليات الهندسة والطب. هذا أدى إلى تخريج أعداد كبيرة من المهندسين والأطباء والكفاءات المتخصصة التي ساهمت بشكل مباشر في تنفيذ المشروعات التنموية للدولة وفي بناء القاعدة الصناعية والخدمية. كما أدى إلى زيادة عدد الجامعات من ثلاث جامعات قبل الثورة إلى عشر جامعات.
6. إقامة عدالة اجتماعية
إلى جانب الإصلاحات المذكورة، سعت الثورة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال تحسين أوضاع العمال، والقضاء على التمييز الطبقي، وتوفير فرص متساوية للجميع. هذا انعكس إيجابًا على توزيع الثروة والدخل، وساهم في بناء مجتمع أكثر استقرارًا وإنصافًا، مما أثر بدوره على النشاط الاقتصادي العام.
بشكل عام، ركزت ثورة 23 يوليو على تحقيق الاستقلال الاقتصادي والتنمية الشاملة من خلال الاعتماد على الذات وبناء مؤسسات وطنية قوية في مجالات الزراعة والصناعة والطاقة والتعليم.
أبرز المصانع التي تم إنشاؤها بعد ثورة 23 يوليو
بعد ثورة 23 يوليو 1952، شهدت مصر طفرة صناعية كبيرة، حيث تبنت الدولة سياسة التصنيع لإرساء دعائم الاقتصاد الوطني وتقليل الاعتماد على الخارج. تم إنشاء العديد من المصانع الكبرى في مختلف القطاعات، من أبرزها:
مصانع الحديد والأسمنت
مصنع الحديد والصلب بحلوان (1958) ومصنع الأسمنت: يُعدان من أهم وأكبر المصانع التي أقيمت في تلك الفترة، وكان يمثلان حجر الزاوية في الصناعة الثقيلة المصرية، حيث وفرا الأساس لصناعات أخرى كصناعة السيارات والأجهزة الكهربائية، ووفرا الخامات التي يمكن استخدامها في بناء المدن وتحقيق التنمية العمرانية وبناء مساكن بأسعار مناسبة للمواطنين.
مصنع الألومنيوم
مصنع الألومنيوم بنجع حمادي من المصانع العملاقة التي أقيمت للاستفادة من الطاقة الكهربائية المولدة من السد العالي وتكلف وقتها ما يصل إلى 3 مليارات جنيه، ولا يزال من أكبر مصانع الألومنيوم في أفريقيا.
مصانع السيارات
مصانع شركة النصر للسيارات: أُنشئت بهدف تجميع وتصنيع السيارات محليًا، وكانت تمثل نقلة نوعية في صناعة المركبات بمصر وخاصة مركبات الركوب للمواطنين وسيارات أوتوبيسات النقل الجماعي، وبعد ذلك سيارات النقل لخدمة المشروع الاقتصادي والصناعي المصري.
مصانع الأسمدة (مثل كيما في أسوان)
كان إنشاء مصانع الأسمدة ضروريًا لدعم القطاع الزراعي المتنامي بعد تطبيق الإصلاح الزراعي وبناء السد العالي، لذلك بدأت مصر ثورة يوليو في إنشاء مصانع الأسمدة بشكل كبير.
مصانع السكر
تم التوسع في إنشاء مصانع السكر في مناطق مختلفة مثل الحوامدية، ومن المنيا حتى أسوان، لدعم صناعة السكر المحلية وتلبية احتياجات السوق.
المصانع الحربية
شهدت الصناعة الحربية المصرية ازدهارًا كبيرًا، وتم إنشاء العديد من المصانع مثل مصنع 27 الحربي الذي أنتج أول طلقة مصرية، ومصانع حلوان للصناعات الحربية، وتأسست قاعدة للإنتاج العسكري المستقل منها مصنع الطائرات بحلوان 1962 التي استطاعت مصر من خلاله البدء في إنتاج المقاتلة "القاهرة 300" ومحركها النفاث E300 قبل أن يتم إيقاف المشروع الكبير وتحويل المصنع لإنتاج أشياء أخرى.
مصانع الغزل والنسيج
على الرغم من وجود بعض مصانع الغزل والنسيج قبل الثورة، إلا أن الثورة عززت هذا القطاع وأنشأت العديد من المصانع الجديدة ودعمت المصانع القائمة، لكونه قطاعًا حيويًا يوفر فرص عمل ويساهم في الصادرات.
مصانع الصناعات الكيماوية:
تم التركيز على تطوير هذه الصناعات لدعم قطاعات أخرى مثل الزراعة والصناعات التحويلية، فكانت مصانع الأسمدة مثل النصر وكيما والتي ما زالت حتى يومنا هذا تؤدي دورها على مدى أكثر من 75 سنة كقلاع صناعية هامة.
مصانع عربات السكك الحديدية (سيماف):
خاصة وأن مصر بها أقدم شبكة قطارات وسكك حديد في العالم، نجد مصانع عربات السكك الحديدية (سيماف) التي تم إقامتها لتلبية احتياجات النقل وتطوير شبكة السكك الحديدية في البلاد، ولمنع تعطيل الاحتلال لهذا المرفق الهام من خلال منع توريد قطع الغيار.
مصانع إطارات السيارات (الكاوتشوك):
لتقليل الاعتماد على الاستيراد في صناعة قطع الغيار والمكونات الصناعية.
هدفت هذه المصانع إلى بناء قاعدة صناعية متكاملة ومستقلة، تساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الاقتصاد الوطني وتقليل التبعية للخارج، مع توفير فرص عمل وتنمية المهارات الفنية المحلية.
ونحن في 2025، فإن مصر ثورة 30 يونيو تسير بوتيرة أسرع لتحقيق أهداف يوليو من خلال إنجازات اقتصادية في كل مكان، تحقق ما يتمناه المواطن وتبني مصر القوية القادرة على مواجهة كافة التحديات والصعاب مهما كانت، بجيش قوي وشعب واعٍ يعلم ما يحاك من مؤامرات تستهدف هذا الوطن ومقدراته.