
فن الدبلوماسية .. الذكاء الاصطناعي وسمات العلاقات العامة
تُعرف الدبلوماسيَّة بأنَّها هي استراتيجيَّة وأداة الحكومة لغرضِ تحقيقِ أهدافها السِّياسة الخارجيَّة والتَّأثير على جميع الهيئات والدوَل والمنظَّمات والمؤسَّسات الخارجيَّة؛ بهدفِ كسبِ تأييدها وتحقيق أهدافها مهما كانتْ مجالاتها (اقتصاديَّة، سياسيَّة، عسكريَّة). ويرَى بعض المُختصِّين في فنِّ وعِلم الدبلوماسيَّة أنَّ مفهوم الدبلوماسيَّة يستند إلى إدارة العلاقات العامَّة (الخارجيَّة)؛ لأنَّها مهنة دقيقة تحتاج إلى كاريزما وشخصيَّة بارعة في فنِّ الاتِّصال والتَّواصُل الاجتماعي والإقناع. ويذهب قِسم من بعض المدارس الدبلوماسيَّة الشَّرقيَّة إلى أنَّها أكثر اعتدالًا، حيثُ تضع رعاية المصالح الوطنيَّة بعيدًا عن النَّظريَّات التَّوَسُّعيَّة والتَّطرُّف الحزبي والقومي والدِّيني وأيديولوجيَّات الدَّولة تحت مظلَّة القانون الدّولي. العلاقات العامَّة بِفرعَيْها (الخارجي والدَّاخلي) تُبنى بشكلٍ جوهري على العنصر البَشَري وكاريزما الشَّخص أو الأفراد لدَى أعضائها. ومن أهمِّ المؤهِّلات المطلوبة هو (التَّخاطب، الاستماع، الكِتابة، لبَاقة الكلمة، حُسن المظهر، البساطة، التَّواضع، الثَّقافة، الحماسة، الكياسة، التَّنظيم في قدرة هيكلة العمل، التَّواصُل والمتابعة، القدرة على التَّعامل مع المفاهيم الإداريَّة، إمكانيَّة صنع واتِّخاذ القرار في الأوقات الحرجة، مواكبة التَّطوُّر والمناهج الحديثة، وأخيرًا الاهتمام بموضوع البروتوكول والإتيكيت الحكومي، خصوصًا احترام إدارة الوقت). وتعريف مفهوم العلاقات العامَّة بفرعَيْها؛ هي وظيفة إداريَّة في غاية الأهميَّة هدفها التَّواصُل والاتِّصال المنفعي الصَّادق والأمين لغرضِ الوصول إلى الهدف، معتمِدةً على عدَّة مؤهِّلات أيضًا وأهمُّها: مُقوِّمات القيادة والقيادة الرَّشيقة، سِمات المفاوضات، جمع المعلومات، إدارة المحادثة، نظريَّة ترتيب الأولويَّات، نظريَّة التَّأثير المباشر «قصير المدَى»، ونظريَّة التَّأثير التَّراكمي «طويل المدَى»، كما أنَّها تُسهم مساهمة فعَّالة في مدِّ الجسور لإقامة أقوَى الرَّوابط بَيْنَ المؤسَّسة وجمهورها، والمساهمة الجادَّة في رسْمِ الصُّورة اللائقة عن نشاطات وسياسات هذه المؤسَّسة، وكذلك فإنَّ كاريزما (الموظَّف، القائد، المدير) تؤدِّي دَوْرًا كبيرًا في التَّأثير إيجابيًّا أو سلبيًّا في أجندة العلاقات العامَّة وخصوصًا بَيْنَ بلدَيْنِ من حيثُ إنَّها تستند إلى المعلومات الجوهريَّة الَّتي تمرّر من قِبل الجهات المسؤولة. تُعَدُّ العلاقات العامَّة هي الحجَر الأساس للدبلوماسيَّة، سواء في الدَّاخل أو في مقرِّ البعثات الخارجيَّة، وعلى مختلف أنواعها، وهي جزءٌ رئيسٌ من الحياة السِّياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، ومن حياة البَشَر بمختلف درجاتها. وهذا ما يدفعُ الجميع إلى التَّفكير بجديَّة في كيفيَّة ترصين العلاقات العامَّة الدّوليَّة أو الخارجيَّة ضِمْن الاستراتيجيَّات ومفاهيم الدبلوماسيَّة لغرضِ الوصول إلى أفضل النَّتائج والتَّحوُّل من الحالة السَّالبة إلى الموجبة، وهذا يتطلَّب قيادة وقادة نموذجيِّين وذوي كفاءة أكاديميَّة عالية المستوى، واضعِين تُراب البلدِ وشَعْبه نصْبَ أعْيُنِهم بعيدًا عن التَّخندُق الشَّخصي والتَّحزُّب الطَّائفي والدِّيني، وكذلك عن الإسلام السِّياسي. بدأتِ المدارس الدبلوماسيَّة المُتخصِّصة بمفاهيم البروتوكول والإتيكيت وفنِّ الدبلوماسيَّة بإدخال وتعشيق الذَّكاء الاصطناعي بجميع مفردات العلاقات العامَّة الحديثة، وكيفيَّة اعتمادها على نظريَّات البروتوكول والإتيكيت؛ لكونِ الذَّكاء الاصطناعي ـ بمختلف أدواته وأشكاله ـ يعتمد بالدَّرجة الأساس على تغذيته وبرمجة المعلومات ضِمْن مساحات معلومة المحدوديَّة. دخل الذَّكاء الاصطناعي في كثير من مجالات الحياة العمليَّة والاجتماعيَّة، ومِنْها موضوع مقالنا هذا اليوم، حيثُ استند الذَّكاء الاصطناعي إلى جزئيَّات العلاقات العامَّة ومفرداتها، وحدَّد لها المعالم النَّموذجيَّة في تخطيط خطِّ السَّير المُزمع اتِّباعه وتنفيذه ضِمْن أدوات مناسِبة، وبتوقيتات مُحدَّدة ضِمْن الأهداف الواجب تحقيقها بعيدًا عن مهارة التَّخطيط والتَّنفيذ والمتابعة، والجدوى الاقتصاديَّة الكلاسيكيَّة الروتينيَّة القاتلة والمُدمِّرة لرفاهيَّة وكاريزما المواطن. الذَّكاء الاصطناعي دخلَ بكُلِّ مفهومه النَّظري في أبحاث العلاقات العامَّة لِتَبسيطِ الخطط وأتمتة المهامِّ المتكرِّرة، ومعالجة كميَّات هائلة من البيانات لاختيار الأفضل، ولغرضِ تيسير عمليَّة وتحديث النَّظريَّات لذلك، وكذلك تطويرها من البداية حتَّى النِّهاية. ومن خلال ذلك، بدأ بعض الخبراء الدبلوماسيِّين في بداية هذا القرن من بعض الدوَل المتقدِّمة بإدخالِ مفرداتٍ بطريقةِ الذَّكاء الاصطناعي في مجالات البروتوكولات والعلاقات العامَّة الدوليَّة والمحليَّة بمختلف أنواعها، مؤكِّدين على إدارة الوقت بمفهوم العلاقات العامَّة وكيفيَّة استغلال السَّاعات وليس الأيَّام أو الأشْهُر بِنَوعِ ومستوى الإنتاجيَّة، وكيفيَّة فتح قنوات جديدة ومميّزة ومزكَّاة من قِبل نواة الذَّكاء الاصطناعي؛ لغرضِ التَّنفيذ وحصدِ النَّتائج الذَّهبيَّة الطَّموحة. وفي الختام، هناك فَرق كبير بَيْنَ الاستراتيجيَّة والتَّكتيك في إدارة العلاقات العامَّة ضِمْن مظلَّة الذَّكاء الاصطناعي.. فالاستراتيجيَّة هي الأهداف الجوهريَّة العامَّة لفتراتٍ طويلة في كُلِّ الأوقات الإيجابيَّة والسَّلبيَّة ولجميع المراحل بمختلف الأدوات والوسائل المتوافرة، قسَّمها الذَّكاء الاصطناعي إلى فصولٍ سنويَّة؛ لغرضِ التَّحقُّق وتقييم العمل وتصحيح ما تمَّ تنفيذه بأقلّ الدَّرَجات. أمَّا التَّكتيك فهو فنُّ قيادةٍ لحالةٍ مُعيَّنة محدودة المسؤوليَّة والوقت والمستلزمات والأهداف، وهذا هو من أهمِّ رؤية ومسار العلاقات العامَّة ضِمْن أيضًا سِمات وأجندة الذَّكاء الاصطناعي الَّذي يجعل المراجعة الدَّوْريَّة اليوميَّة والأسبوعيَّة من أهمِّ المفردات.
دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت