
د. داليا المتبولي تكتب: «كلام مبروك».. عفوًا.. لقد نفد رصيدكم

في واقع أصبحت فيه الحكمة مجرد شعارات مُعلَّبة، والنصائح تُباع كما تُباع بطاقات الشحن، يظهر لنا برنامج كلام مبروك كواحد من تلك العروض التي تُقدَّم للمشاهد كوجبة سريعة: مُشبعة لحظيًا، لكنها تفتقر لأي قيمة غذائية حقيقية. هنا، التفكير ليس مطلوبًا، بل على العكس، من الأفضل أن تترك عقلك عند باب البرنامج قبل أن تستمع إلى الموعظة، لأن الفكرة الأساسية بسيطة جدًا: كل مشكلة لها إجابة مختصرة، وكل تعقيد في الحياة يمكن أن يُختزل في جملة واحدة، تُقال بنبرة واثقة، وكأنها وحي منزل لا يقبل الجدل.
الدكتور مبروك عطية، أو كما يراه البعض "الحكيم الشعبي"، لا يناقش، بل يُملي. لا يحاور، بل يُصدر الأحكام. لا يترك لك فرصة لإعادة التفكير، بل يضع حلاً نهائيًا لكل شيء. وفي هذا العالم الذي بات يعشق الاختصارات، أصبح لهذا الأسلوب جمهوره الذي يصفق بحرارة مع كل فتوى جاهزة وحل فوري لأي مشكلة. لكن السؤال الحقيقي هو: هل يمكن اختصار الحياة في جملة؟
فالأزمة الحقيقية ليست في البرنامج وحده، بل في ثقافة بأكملها. نحن في عصر السرعة، حيث الناس لا يملكون الصبر للتفكير أو البحث، بل يريدون الحل فورًا، وبأقل مجهود ممكن. يريدون حكيمًا يخبرهم كيف يعيشون حياتهم، ولا مانع إن كان أسلوبه يحمل بعض الصدمة، أو ربما الكثير من السخرية والحدة، فالمهم أن تكون الإجابة مختصرة وقاطعة.
لم يكتفِ العالم الأزهري د. مبروك عطية بإثارة الجدل بطريقته المعتادة، بل صدم مشاهديه بتحويل برنامجه من منبر ديني إلى ساحة "هارد توك"، مستضيفًا الفنانين بدلًا من العلماء، ومتخليًا عن خطابه التقليدي لصالح حوارات صاخبة. هذه الخطوة المفاجئة فجّرت موجة من التساؤلات.
فكيف يمكن لعالم أزهري أن يقدم برنامجًا بهذه الطريقة؟ كيف لمن قضى عمره في دراسة العلم وتدريسه أن يتحول فجأة إلى مقدم برامج ترفيهيه تتناول التفاهات بدلًا من تقديم محتوى له قيمة؟ منذ ظهوره الأول في "كلام مبروك"، بدا واضحًا أن الدكتور مبروك عطية قد قرر أن يخلع عباءة الوقار والعلم، ليقدم لنا نسخة جديدة من برامج الهارد توك، لكن بطريقة سطحية لا تحمل أي فكر أو هدف سوى إثارة الجدل وجذب المشاهدين عبر استعراضات هزلية.
في هذا البرنامج، لا يوجد أي التزام بمعايير الحوار الهادف، بل مجرد جلسات ارتجالية تتحول إلى مقاطع قصيرة تنتشر على السوشيال ميديا، حيث يحرص الدكتور على إطلاق التعليقات الساخرة والإفيهات التي لا تليق بعالم أزهري يفترض أن يحمل مسؤولية الكلمة التي يقولها.
الطامة الكبرى أن الدكتور مبروك عطية يبدو وكأنه يستمتع بهذا الدور الجديد، وكأن كل هذا مجرد استعراض مفتعل لجذب مزيد من المشاهدات. في لقاء مع حسن شاكوش، سأله بكل جدية مصطنعة: "كل بنت هتشوفها هتقولها عود البنات شاكك؟" فيرد شاكوش بمرح: "لا، هقولها سكر محلي محطوط عليه كريمة!" وهنا، وبدلًا من إنهاء هذه المهزلة، يكمل الدكتور المسرحية قائلًا: "الله! وإنت شوفت كعبها منين يا حسن؟"
وفي حلقة أخرى، مع الفنانة انتصار، يسألها وكأنه يحاول أن يبدو عميقًا: "هل جاء يوم وقلتِ: يقطع اليوم اللي دخلت فيه الفن؟" لترد عليه: "لا، قلت مش هسيب حد يتغلب عليا، هكمل يعني هكمل!" وهنا، بدلاً من استغلال الرد لمناقشة أي موضوع حقيقي، قرر الدكتور أن يكمل بطريقته المعهودة: "وماله ياختي.. كملي ياختي!"
إذن، ما الهدف من كل هذا؟ هل هذا برنامج حواري أم جلسة سمر على المقهى؟
لكن الأدهى من ذلك أن البرنامج لا يكتفي بالمحتوى السطحي، بل يسير في اتجاه الإثارة الفارغة، حيث يتم انتقاء مقاطع معينة لضمان انتشارها على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى لو كانت هذه المقاطع بلا أي فائدة تُذكر. المشاهد يشعر وكأنه يتابع تجربة إعلامية غير مدروسة، حيث يتم خلط الفن بالكوميديا بالتهكم، بلا أي ضابط أو رابط.
وفي النهاية، النتيجة واحدة: صفر محتوى، صفر قيمة، صفر فائدة.
برنامج "كلام مبروك" لم يأتِ بأي جديد سوى مزيد من العبث الإعلامي الذي لا يضيف شيئًا للمشاهد. أصبح مجرد مساحة للاستعراض الفارغ، حيث يتحول الحوار إلى مجموعة من النكات المتبادلة، والمتصلون إلى مادة للسخرية، والضيف إلى أداة لإثارة الجدل، والمذيع—عفوًا، الشيخ السابق—إلى شخصية جديدة تبحث عن الأضواء بأي طريقة.
وبعد كل هذا، لا يسعنا إلا أن نقول: "كلام مبروك".. عفوًا.. لقد نفد رصيدكم من التفكير.