الإثنين 31 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

عاجل.. بائع كحك السمسم وعصير الليمون الذي يخبىء السلطة تحت جلده

أردوغان يقود مظاهرة
أردوغان يقود مظاهرة

من بدايات متواضعة، تحول رجب طيب أردوغان إلى عملاق سياسي، يقود تركيا منذ 22 عاما ويعيد تشكيل بلاده أكثر من أي زعيم منذ مصطفى كمال أتاتورك، الأب الموقر للجمهورية الحديثة.



 

 

 

ورغم سلسلة الأزمات التي واجهها، فإنه لا يزال يتصدر السباق الرئاسي لعام 2023، محافظا على قبضته على السلطة.

 

ولكنه تعرض لانتقادات بسبب حكمه القمعي بشكل متزايد على مدى السنوات الماضية - حيث قام بإزالة الضوابط على سلطته وقام بتهميش المعارضين من خلال النظام القضائي الذي يتحكم فيه.

 

وفي الأسبوع الماضي، اعتقلت حكومته وسجنت منافسه القوي، أكرم إمام أوغلو، بعد انتخابه كمرشح رئاسي عن المعارضة السياسية.

 

وقد دفع ذلك ملايبن الاتراك من المؤيدين إلى النزول إلى الشوارع خلال الأيام الخمسة الماضية، احتجاجًا على اعتقال إمام أوغلو والقمع السياسي لأردوغان.

وأدان حلفاء تركيا الغربيون هذه الخطوة، في حين حذر الاتحاد الأوروبي حكومته من ضرورة إظهار التزامها بالمعايير الديمقراطية.

لكن المحللين يقولون إن أردوغان يسير على الطريق نحو الاستبداد منذ ما يقرب من عقد من الزمان.

بعد أن نجا من محاولة انقلاب في عام 2016، حول رئاسته إلى دور تنفيذي أقوى من أي وقت مضى، وقمع معارضيه والمعارضين.

منذ توليه منصب رئيس الوزراء في عام 2003 ثم كرئيس منتخب بشكل مباشر منذ عام 2014، عمل رجب طيب أردوغان على استعراض عضلات تركيا كقوة إقليمية، ويحاول استغلال الجماعات المتطرفة لإثارة القلاقل والفتن في الدول الإسلامية.

 

رغم كونه رئيسًا لدولة عضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، فقد نصب نفسه وسيطًا في حرب روسيا في أوكرانيا، وأبقى السويد مترددة في مساعيها للانضمام إلى التحالف الدفاعي الغربي. وقد أثارت دبلوماسيته البراجماتيكية وعدم الوفاء بالعهود غضب الحلفاء والخصوم في ذات الوقت.

 

لقد أحدث انقسامًا في بلاده، لكن الرئيس أردوغان فائزٌ مؤكدٌ في الانتخابات.

ويُطلق عليه أنصاره لقب "ريس" أي "الزعيم".

واتهم أردوغان معارضيه بمعاملة الناخبين الأتراك بازدراء والفشل في كسب تأييدهم، وقال: "باعتبارنا 85 مليون نسمة، فإننا سنحمي بطاقات اقتراعنا وإرادتنا ومستقبلنا".

الصعود إلى السلطة

وُلِد رجب طيب أردوغان في فبراير عام ١٩٥٤، ونشأ ابنًا لخفر السواحل على ساحل البحر الأسود التركي.

 وفي الثالثة عشرة من عمره، قرر والده الانتقال إلى إسطنبول، أملًا في أن يُؤمّن لأبنائه الخمسة تربيةً أفضل.

كان أردوغان الشاب يبيع عصير الليمون وكعك السمسم لكسب دخل إضافي. التحق بمدرسة إسلامية قبل أن يحصل على شهادة في الإدارة من جامعة مرمرة بإسطنبول، ويلعب كرة القدم بشكل احترافي.

في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كان ناشطًا في الأوساط الإسلامية، وانضم إلى حزب الرفاة بزعامة نجم الدين أربكان الذي أبرم اتفاقًا مع إسرائيل يعطيها حق تدريب قواتها الجوية في الأجواء التركية.

 ومع تنامي شعبية الحزب في التسعينيات، انتُخب أردوغان مرشحًا عنه لمنصب عمدة إسطنبول عام ١٩٩٤، وأدار المدينة لأربع سنوات تالية.

ولكن فترة ولايته انتهت عندما أدين بالتحريض على الكراهية العنصرية بسبب قراءته علنًا لقصيدة وطنية تضمنت الأبيات التالية: "المساجد ثكناتنا، والقباب خوذاتنا، والمآذن حرابنا، والمؤمنون جنودنا".

بعد أن قضى أربعة أشهر في السجن، عاد إلى الساحة السياسية. لكن حزبه كان محظورًا لانتهاكه المبادئ العلمانية الصارمة للدولة التركية الحديثة.

في أغسطس ٢٠٠١، أسس حزبًا جديدًا ذا جذور إسلامية مع حليفه عبد الله غول. وفي عام ٢٠٠٢، فاز حزب العدالة والتنمية بأغلبية في الانتخابات البرلمانية، وفي العام التالي عُيّن أردوغان رئيسًا للوزراء، ولا يزال رئيسًا لحزب العدالة والتنمية حتى يومنا هذا.

العقد الأول في السلطة

منذ عام ٢٠٠٣، أمضى ثلاث فترات رئيسًا للوزراء، محققًا فترة من النمو الاقتصادي المطرد، ونال إشادة دولية واسعة النطاق بصفته مُصلحًا، حيث أعطى أردوغان الأولوية لمشاريع البنية التحتية الضخمة من طرق وكباري وصرف صحي لتحديث تركيا.

لكن المنتقدين حذروا من أنه أصبح أكثر استبدادًا على نحو متزايد.

بحلول عام ٢٠١٣، خرج المتظاهرون إلى الشوارع بسبب خطط حكومته لتحويل حديقة جيزي في قلب إسطنبول، لإقامة مولات ولكن أيضًا في تحدٍّ لحكم أكثر استبدادية، أدان رئيس الوزراء المتظاهرين ووصفهم بـ"الرعاع"، وظلت الأحياء تقرع الأواني والمقالي في التاسعة مساءً كل ليلة بروح من التحدي.

 وتورط أبناء ثلاثة من مسؤولي حكومته في مزاعم فساد.

وشكّلت احتجاجات حديقة جيزي نقطة تحوّل في حكمه، ففي نظر منتقديه، كان يتصرف كسلطان عثماني أكثر منه ديمقراطيًا.

اختلف أردوغان أيضًا مع فتح الله جولن، وهو عالم إسلامي مقيم في الولايات المتحدة، والذي ساهمت حركته الاجتماعية والثقافية في فوزه بثلاثة انتخابات متتالية، وكان له دور فعال في إبعاد الجيش عن السياسة، وكان لهذا الخلاف تداعيات وخيمة على المجتمع التركي.

 

بعد عقد من حكمه، تحرك حزب أردوغان أيضًا لرفع الحظر على ارتداء النساء للحجاب في الخدمات العامة والذي تم فرضه بعد انقلاب عسكري في عام 1980. 

وفي نهاية المطاف تم رفع الحظر على النساء في الشرطة والجيش والقضاء.

واشتكى منتقدوه من أنه ينتقص من أركان جمهورية مصطفى كمال أتاتورك العلمانية، ورغم تدينه، أنكر أردوغان دائمًا رغبته في فرض القيم الإسلامية، مؤكدًا دعمه لحقوق الأتراك في التعبير عن دينهم بحرية أكبر.

 

ومع ذلك، فقد أيد مرارًا تجريم الزنا، وبصفته أبًا لأربعة أطفال، قال إنه "لا ينبغي لأي عائلة مسلمة" أن تفكر في تحديد النسل أو تنظيم الأسرة. 

وقال في مايو 2016: "سنضاعف ذريتنا"، مشيدًا بالأمومة، وأدان النسويات، وقال إن الرجال والنساء لا يمكن أن يعاملوا على قدم المساواة.

ويسعى أردوغان منذ فترة طويلة لإثارة القلاقل في الدولة الإسلامية بواسطة الجماعات الدينية المتطرفة وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية.

في يوليو 2020، أشرف على تحويل آيا صوفيا التاريخية في إسطنبول إلى مسجد، مما أثار غضب العديد من المسيحيين. بُنيت آيا صوفيا قبل 1500 عام ككاتدرائية، ثم حوَّلها الأتراك العثمانيون إلى مسجد، لكن أتاتورك حوّلها إلى متحف - رمز للدولة العلمانية الجديدة.

تعزيز قبضته

مُنع من الترشح مجددًا لمنصب رئيس الوزراء، وفي عام ٢٠١٤، ترشح لمنصب الرئيس، الشرفي إلى حد كبير، في انتخابات مباشرة غير مسبوقة. قام بإجراء تعديلات دستورية لأكثر من مرة بهدف الاحتفاظ بالسلطة وحول النظام من برلماني إلى رئاسي حتى يتمكن من البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، ورغم أن الدستور الحالي يمنع ترشحة للرئاسة للمرة الثالثة في عام 2028.

تشير كل الشواهد إلى إقدامه على تعديل الدستور للبقاء في السلطة 

لكن في بداية رئاسته، واجه صدمتين لسلطته. فقد حزبه أغلبيته في البرلمان لعدة أشهر في تصويت عام ٢٠١٥، وبعد أشهر، في عام ٢٠١٦، شهدت تركيا أول محاولة انقلاب عنيفة منذ عقود.

كاد الجنود المتمردون أن يأسروا الرئيس أثناء عطلته في منتجع ساحلي، لكن نُقل جوًا إلى بر الأمان. 

وفي الساعات الأولى من صباح 16 يوليو، خرج منتصرًا في مطار أتاتورك بإسطنبول، وسط هتافات أنصاره، وقُتل ما يقرب من 300 مدني أثناء تصديهم لتقدم مدبري الانقلاب، الذي تحيط بها الشكوك بأنها من تدبير أردوغان للتخلص من أنصار جماعة جولن حليفة السابق.

ظهر أردوغان على التلفزيون الوطني وحشد أنصاره في إسطنبول، معلنًا أنه "القائد الأعلى". 

لكن التوتر بدا جليًا عندما بكى علنًا أثناء إلقائه خطابًا في جنازة صديق مقرب، قُتل هو وابنه برصاص جنود متمردين.

كيف أعاد أردوغان تشكيل تركيا؟

ألقى أردوغان باللوم في هذه المؤامرة على حركة جولن، مما أدى إلى فصل نحو 150 ألف موظف حكومي واعتقال أكثر من 50 ألف شخص، بما في ذلك جنود وصحفيون ومحامون وضباط شرطة وأكاديميون وسياسيون أكراد.

أثارت هذه الحملة على المنتقدين قلقًا في الخارج، مما ساهم في فتور العلاقات مع الاتحاد الأوروبي: إذ لم يحرز مساعي تركيا للانضمام إلى الاتحاد أي تقدم منذ سنوات.

 وفاقمت الخلافات حول تدفق المهاجرين إلى اليونان من حدة هذه المشاعر السلبية.

ولكن من قصره الفخم "أك سراي" المكون من ألف غرفة والمطل على أنقرة، بدا موقف الرئيس أردوغان أكثر أمنا من أي وقت مضى.

وفاز بفارق ضئيل في استفتاء عام 2017 الذي منحه سلطات رئاسية واسعة النطاق، بما في ذلك الحق في فرض حالة الطوارئ وتعيين كبار المسؤولين العموميين وكذلك التدخل في النظام القانوني.

وبعد مرور عام واحد، حقق فوزًا صريحًا في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية.

يتركز تصويته الأساسي في بلدات الأناضول الصغيرة والمناطق الريفية المحافظة. 

وفي عام ٢٠١٩، خسر حزبه في أكبر ثلاث مدن: إسطنبول، والعاصمة أنقرة، وإزمير.

كانت خسارة رئاسة بلدية إسطنبول بفارق ضئيل أمام أكرم إمام أوغلو، مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي، ضربة موجعة لأردوغان، الذي شغل منصب عمدة المدينة في تسعينيات القرن الماضي، ولم يقبل أردوغان النتيجة قط.

كان إمام أوغلو متقدمًا على الرئيس في استطلاعات الرأي قبل منعه من الترشح في الانتخابات الرئاسية في مايو 2023.

 واتُّهم الرئيس وحلفاؤه باستخدام المحاكم لاستبعاد رئيس البلدية الذي يحظى بشعبية جارفة.

 

حُكم على إمام أوغلو بالسجن عام ٢٠٢٢ بتهمة إهانة مسؤول عام، لكنه استأنف الحكم، مما سمح له بالبقاء في الساحة السياسية.

 ويتعلق اعتقال إمام أوغلو والتهم الموجهة إليه هذه المرة بتهم أكثر خطورة تتعلق بالإرهاب والفساد.

 

وذكرت وسائل إعلام تركية يوم الاثنين أن اعتقاله كان بمثابة استنتاج مفاده أنه كان المنافس الأكثر مصداقية لأردوغان.

وفي العام الماضي، قام الرئيس بإزالة عدد من رؤساء البلديات المنتخبين الذين ينتمون إلى أحزاب المعارضة، واستبدلهم بآخرين معينين من قبل الحكومة.

وأصبح الناشطون والسياسيون والصحفيون، فضلاً عن أكبر مجموعة أعمال في البلاد، هدفًا لقضايا قضائية مثيرة للجدل.

لكن اعتقال رئيس بلدية إسطنبول في الأيام الأخيرة ينظر إليه على أنه تصعيد في ميل أردوغان إلى استخدام سلطاته لإقصاء المنافسين.

ويرى المحللون أن ترامب يتخذ هذه الخطوة في لحظة مناسبة على الساحة العالمية: فالضغوط الأوروبية على تركيا مقيدة بمخاوف حلف شمال الأطلسي الدفاعية فيما يتصل بالحرب بين أوكرانيا وروسيا، كما أن البيت الأبيض لا يرغب في انتقاد الاستبداد في بلدان أخرى.

وعلى الرغم من كونه زعيمًا لدولة عضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، حافظ أردوغان منذ فترة طويلة على علاقات وثيقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسعى إلى لعب دور محوري كوسيط في الصراع في أوكرانيا. وخلافًا لمعظم القوى الأوروبية، انخرطت تركيا بشكل مباشر في الدعم العسكري لأوكرانيا والتواصل الدبلوماسي مع روسيا.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز