عاجل
الأربعاء 19 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
قوة الدولة الشاملة

قوة الدولة الشاملة

تتغير معايير قوة الدولة من عصر لعصر ومن زمن للثانى. 



فى أزمنة سابقة كانت معايير قوة الدولة استراتيجية عسكرية. والدولة القوية بمفهومها الشامل كانت هى تلك القادرة على حماية الحدود، وصون الثغور والحفاظ على أمنها القومى والاستراتيجى. 

القوة العسكرية فى ذلك المعيار كانتف المحدد الأول. 

تغيَّرت الدول وتغيَّرت الأزمنة وتغيَّرت المعايير. ظهرت محددات أخرى، فى عصور أخرى وضعت القدرة الاقتصادية على أولويات معايير نجاح الدول وقدراتها الشاملة. 

 ( 1 ) 

فى أزمنة ما بعد الحداثة، أضيفت إلى العوامل السابقة عامل الثقافة والقوة الناعمة. معيار الثقافة كان حاكمًا وحده، فترة من الفترات. حاولت الولايات المتحدة تصدير ثقافتها للعالم، فموّلت أفلامًا من نوعية خاصة، وحاولت أن «تبدر» العالم بمحلات الأكلات السريعة، والبنطلونات الجينز على طريقة الويسترن القدماء، و«تسرسبت» مع تلك المظاهر براندات صناعية شهيرة، فى إطار غزو صناعي، بمحددات كانت فى الأصل ثقافية اجتاحت العالم.. ومستمرة للآن. 

فى عصور التكنولوجيا بالقدرة الفائقة على نقل البيانات والتحكم فيها وتحليلها بالذكاء الاصطناعى، تغيَّرت معادلة قوة الدولة الشاملة.

أضِيف لمعايير قدرات الدولة معيار التكنولوجيا ومساهمة ذلك المعيار فى اتخاذ القرار على المستويات المختلفة فى الإدارة. 

فى علوم الاستراتيجيات الجديدة كان معيار التكنولوجيا هو السادس الذي أضيف إلى المعايير القديمة الخمسة. 

تتحكم التكنولوجيا وقدرة البيانات على المرور فى قنوات إدارة الدولة فى الحروب وفى الثقافة، تتحكم فى الاقتصاد وفى الاجتماع، وتتحكم أيضًا فى الصناعة وفى السينما وفى سائر معاملات القوة الناعمة.

لذلك باتت قدرة الدولة التكنولوجية، وقدرة الدولة على التحكم والسيطرة، وقدرة مستويات الإدارة فيها على الوقوف على الأزمات ساعة حدوثها، والعمل على التعاطى مع تلك الأزمات كلها بشمولية وفى أعلى درجات السرعة والإنجاز، أصبحت معاملاً أساسيًّا من معاملات الدولة القوية. 

لم تعد القوة العسكرية وحدها ضابطًا، ولو أن أهميتها تظل مقومًا أساسيًّا على السطح. لم تعد قوة الدولة فى تصدير ثقافتها عاملاً وحدها، كما لم يعد شكل النسيج الاجتماعى للدولة هو الحاكم الوحيد فى الحكم على هيكلها، ولو أن كل تلك العوامل لا يمكن إنكارها.. أو التغاضى عنها. 

لكن تظل القدرة التكنولوجية للدول هى المعيار الأول، والمعيار الأساسى الذي يمكن أن تضاف إليه عناصر أخرى كلها مهمة وكلها عنصر مهم من عناصر معادلات قوة الدولة وشمولها. 

مرة أخرى، قدرة الدولة التكنولوجية معيار أهم فى معايير القدرة العسكرية. بلدان مثل الولايات المتحدة أو فرنسا أو روسيا بنت قدراتها التسليحية على قاعدة فائقة السرية من معادلة البيانات والمعلومات التقنية التي شكّلت فارقًا فى شكل السلاح وقدرته وكفاءته وتأثيره. 

أبسط مثال أن تفوق الدولة التكنولوجى هو الذي أتاح ثورة فى عالم أقمار التجسس الإليكترونى بكم هائل من المعلومات عن الدول الصديقة والحليفة قبل الحصول على أدق المعلومات عن دول العدو.

التقدم التكنولوجى فى الصين بقواعد هائلة للبيانات وبقدرات فائقة فى ربط مفاصل الدولة كلها إليكترونيًا كان واحدًا من العوامل المهمة التي جعلت بكين تُصنَّف على أعلى المعايير فى الدول الشاملة والقادرة. 

يكفى أن شركة «هواوى» العاملة فى نظم المعلومات أصبحت من كبرى ثلاث شركات فى هذا المجال فى العالم، وقبل فترة نجحت تلك الشركة فى الفوز بمناقصة تطوير شبكة الاتصالات البريطانية بإدخال نظام الـ G5 متفوقة على كل الشركات الأمريكية والأوروبية.

فى الانتخابات الأمريكية قبل الأخيرة، كانت قدرة روسيا فى النجاح على الدخول على شبكة الانتخابات الأمريكية  أحد المساوئ فى التأمين التكنولوجى الأمريكى، فيما كان فى الوقت نفسه إشارة كبرى إلى التفوق التكنولوجى القتالى الروسى. التكنولوجيا أيضًا تقاتل، لذلك فإن القدرة على الحصول على المعلومات أو تداولها هى حتى الآن أهم عناصر تقييم قوة الدولة.

تتفاخر الصين  بأن لها نظام إنترنت خاصًا، فلا تتعامل بنظام الإنترنت العالمى.

هى طفرة تكنولوجية بكل تأكيد. ربما لذلك فإن الصين هى أقل دولة فى التعرُّض لمخاطر استخدام تكنولوجيا الآخرين. 

 ( 2 ) 

منذ أيام، شرفت بأن أكون ضمن مجموعة من الزملاء فى زيارة لمقر مركز الشبكة الوطنية لخدمات الطوارئ والسلامة بمقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. 

الاطلاع على التفاصيل مبهر، والقدرة المصرية على صناعة وتصميم مثل هذا الصرح، إشارة إلى أن الدولة سبقت دولاً كثيرة وعملت منذ سنوات على التعاطى مع مفهوم القوة التكنولوجية، والتخطيط ثم التنفيذ وصولاً إلى ذلك المركز. 

كما لو كانت الرحلة إلى عقل الدولة. 

هناك، تقوم الشبكة على ربط جميع عناصر الطوارئ والمرافق الحيوية، كهيئات الإسعاف والرعاية الصحية وقطاعات البترول والكهرباء وأجهزة النجدة والمرور والحماية المدنية، عن طريق مركز رئيسى وغرفة عمليات تخصصية، من المركز إلى كل محافظة لتلقى بلاغات الطوارئ والتعامل السريع معها، وتفادى أو إدارة الأزمات. 

وهناك، تتكامل القرارات والبيانات والمشاركات  بين الأجهزة المعنية المختلفة، فى إدارة الأزمات، على اختلاف أنواعها، وصولاً إلى حلول فورية ناجزة. 

الصدفة أوجدت محافظ القاهرة الدكتور إبراهيم صابر، لإدارة أزمة انقطاع التيار الكهربائى عن قطاع شرق القاهرة وقتها. 

ارتبط المحافظ فورًا باتصالات على مستوى المحافظة بخدمات الإسعاف والإطفاء والصحة والكهرباء، ترتب عليه نقل عدد من مرضى العناية المركزة إلى مستشفيات أخرى، ونقل الأطفال المبتسرين إلى حضانات أخرى. 

تواصل مع أعمال مرفق الكهرباء، واطلع على بيانات سيارات الإسعاف التي تنقل المرضى، ووصلت الدقة إلى ظهور بيانات السيارات وأسماء السائقين وأرقام تليفوناتهم، على شاشة تداولتها كل المراكز المعنية بمحافظة القاهرة كلها، ومراكز اتخاذ القرار فى الوزارات المعنية المختلفة.

شبكة الطوارئ المصرية إنجاز مبهر، يظهر مدى قدرة الدولة، ويظهر أيضًا مدى قدرة الأيدى المصرية على صناعة «نموذج خاص» من باترون التكامل فى إدارة الأزمات. 

الشبكة مؤمنة بالكامل، يعنى شبكة اتصالات مصرية خالصة، تعمل على ترددات مصرية، قادرة على التعاطى مع كل أزمة فى إطار مغلق لا يمكن اختراقه أو التلاعب به أو حتى التلاعب ببياناته. 

العينة بيّنة والذي رأى غير الذي سمع، والرؤية إشارة إلى أنه إنجاز تاريخى ونقلة حضارية كبرى لمصر فى التعامل مع الأزمات والطوارئ، من خلال منظومة واحدة تشارك فيها جميع الوزارات والهيئات ودواوين المحافظات بالدولة.

الأهداف كثيرة ومختلفة، أولها ضمان جودة التعامل مع الأزمات الطارئة وسرعة احتوائها بمعايير عالمية، وثانيها قدرة الدولة على تأمين المجالات المختلفة فى جميع أنحاء الجمهورية باستخدام أحدث الوسائل التكنولوجية لصالح الأمن والخدمات.

الإنجاز، أن الشبكة تتيح جميع البيانات والمعلومات الدقيقة لمتخذى القرار على جميع المستويات، مع تحقيق سرعة رد الفعل وتقليص زمن الاستجابة للحدث.

التصميم، مرة أخرى، مصري خالص، والبناء والإدارة، مرة ثالثة، بفكر وسواعد مصرية بعد الاستفادة من جميع التجارب العالمية فى هذا المجال، مساهمة فى دعم «رؤية مصر 2030».

تأسس مركز الطوارئ والسلامة على فكرة معروفة فى دول العالم المتقدم، حيث تتوحد شبكات الاتصالات الخاصة بكل جهة حكومية بواحدة مؤمنة تدعم التحول الرقمى الآمن وتحفظ خصوصية بيانات الدولة المصرية. 

تتيح تلك المنظومة جميع البيانات والمعلومات الدقيقة لمتخذى القرار على جميع المستويات. 

وتعتمد منظومة إدارة الطوارئ تلك على بنية أساسية هى الأخرى فائقة التامين، تزودها منصة رقمية وأنظمة تكميلية ونهايات طرفية متنوعة، تتم إتاحتها بمراكز سيطرة موحدة «ثابتة ومتحركة» بالمحافظات والأقاليم وصولاً إلى مركز السيطرة الرئيسى للدولة، مربوطة بمنظومة تلقى بلاغات المواطنين على رقم موحد.

مرة ثانية، من سمع ليس كمن رأى.. والعينة كانت بيّنة.   

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز