عاجل
السبت 3 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
من "إش إش" لـ"معاوية".. يا قلبي لا تحزن

من "إش إش" لـ"معاوية".. يا قلبي لا تحزن

حاولت أن أتابع مسلسلات رمضان، من قبيل العلم بالشيء، تحسبا لأن يسألني بعض الزملاء الصحفيين أو الإعلاميين، ذلك السؤال المعتاد: ما رأيك في الدراما الرمضانية هذا العام؟ وبالطبع لم أوفق تماما فى المتابعة، ولكن السؤال الكبير الذي قفز فوق أوراقي وأنا أحاول أن أكتب هذا المقال: لمن توجه هذه المسلسلات؟ ومن هو الجمهور المستهدف؟، وما الهدف من هذه المسلسلات؟. سوى الإساءة إلى المجتمع المصري، وتشويه صورة الإنسان المصري، واستفزاز البسطاء بهذا البذخ فى مسلسلات رجال أعمال معظمهم فاسدين، يمتلكون كما هائلا من الأموال والفيلات والقصور الوحشية و روح الانتقام، أما مسلسلات البلطجة، وعصابات المجتمع العشوائى فحدث ولا حرج، فأنت فى غابة من العنف واستعراض معارك فتوات بلا قلب وبلا رحمة، ودروس يومية فى أساليب الضرب والتعذيب والانتقام والحقد والضغينة، بلا هدف سوى صناعة "الأكشن" الذي ليس له مبرر درامي سوى استعراض العضلات، والتجويد فى المعارك الغبية والعنف المميت والتوحش بمنطق وبلا منطق.    



 

 لست أدري من أين يأتي كتاب الدراما التليفزيونية بهذه النماذج البشرية التي ليس لها وجود إلا فى خيالهم المريض، وهل المواطنين المصريين البسطاء الطيبين على هذه الشاكلة من العنف والبذاءة والعبارات الخادشة للحياء، ولماذا تدخل بيوتنا هذه الشتائم وتبادل السباب والمهانة اللفظية والجسدية التي تمارس يوميا عبر هذا الكم من المسلسلات الهابطة. والتي لا تمت للمجتمع المصري المسالم بأى صلة.    والأرقام المتدوالة بين الفنانين فى عالم الدراما تقول: إن مصر انتجت هذا العام 39 مسلسلا، بتكلفة إجمالية حوالي مليار و200 مليون جنيه، وتصنيف هذه المسلسلات: حوالي عشرة مسلسلات كوميدية، وعشرة مسلسلات دراما صعيدية كلها مؤامرات وقتل وانتقام وضغائن وعصابات، وباقي المسلسلات متنوعة ما بين التاريخي و(الأكش)، ومنها المأخوذ عن مسلسلات أجنبية، مثل مسلسل "وتقابل حبيب" المقتبس من مسلسل كوري، ولا توجد أي إشارة إلى ذلك الاقتباس، وإذا كان الناتج بعد هذه التكلفة ما نراه على شاشة التليفزيون، فبالتأكد هذا سفه يقع تحت عنوان رئيسى: "إهدار للمال العام”.

 

   

والحسنة الوحيدة هذا العام أن المسلسلات كلها تقريبا تقع في 15 حلقة فقط، وهذا من لطف ربنا بينا. وإلا كنا طلبنا لجنة رأفة وإنصاف من هذا الهجوم الدرامى الكاسح، الذي يحتل رؤسنا عبر 24 ساعة، ناهيك عن طوفان الإعلانات المتكررة والمملة، والتي يتوسطها أحيانا مشاهد درامية.

 

   

أما المسلسلات التي انتجتها "منصة شاهد" فهي بلا أدنى شك تسيء للمصريين، ولسمعة مصر، وتقدم صورة سلبية للمجتمع المصري، وبها شبهة تعمد وقصدية لهدم وتشويه صورة المجتمع المصري، ولماذا نقبل أن نهين أنفسنا مقابل حفنة دولارات، وتحت أي بند نصنف ما نراه على شاشة التليفزيون في الشهر الفضيل، سواء كان مسلسل "إش إش" و مسلسل "العتاولة" الذي يقدم كما من مشاهد البلطجة والعنف البشعة، وتعالوا نستمع إلى أغنية تتر مسلسل "إش إِش" التي تقول بعد أن استمعت إليها أكثر من عشرين مرة لكي أسجل بدقة كلماتها التي تقول:    "أنا بلا فخر../ خريجة جامعة العالم الشقيانة../ متخصصة في الناس الناقصة../ والعالم العريانة../ آه يا غلب السنين../آه ياولاد (الكلب)../ أنتم جايبينكم منين../...".       

 

فعلا أنتم جايبينكم منين!. وطبعا يعاد هذا المذهب أكثر من مرة ولكن يا ولاد (الكلب) تقال مرة واحدة، وفى باقى المرات المطربة (بوسى) لا تنطقها إلا في المرة الأولى، هل هذا يجوز!!!. وهل المجتمع المصري كما يصوره المسلسل مجموعة من الأشرار والمتآمرين، والرقصات، وتجار المخدرات، والبلطجية!.

 

 

أليس بينكم رجل رشيد يقول: لا... هذه الأحداث وهذه الكائنات البشعة لا تمثل المجتمع المصري ولا تمت له بصلة!.    أما الكارثة التاريخية فيجسدها مسلسل "معاوية"، الذي تجافي أحداثه الحقائق التاريخية، في كل تفاصيلها، ناهيك عن الأخطاء الفادحة في الديكور والعمارة والملابس و(الإكسسوارت)، و قد فضح الكاتب المؤرخ السورى والصديق الفنان د.أحمد المفتى كواليس ما حدث في هذا المسلسل، عندما كتب على صفحته، وأرسل لي على الخاص هذه التفاصيل التي تؤكد ما أقوله، وربما تكون هذه الحقائق هي التي دعت المخرج طارق العريان لأن يترك المسلسل ويرفع اسمه من عليه ويتولى الإخراج أحمد مدحت.

فقد كتب د. أحمد المفتى مستهجنا ما حدث للمسلسل: "أطلَّ علينا مسلسل (معاوية) من إنتاج (mbc) بعد مخاض عسير دام أربع سنوات، أُسقط فيه المولود أكثر من مرة، ثم جاء مشوّهاً وقد عبثت به أيدي الجهالة. 

 

 

  ولقد زعم القائمون على هذا العمل أنّي ضمن المستشارين تاريخيا، وأنا بريء منه براءة الذئب من دم ابن يعقوب، التاريخ لا يكون تحويرا لخدمة الدراما، ولايكون بالظن، والظنّ لا يغني من الحقّ شيّئا، وفي كلّ صناعة ماهو انتحال ودعوى وتلفيق، تبدأ الحكاية من سنة 2021 حين اتصل بي مدير الإنتاج وسألني أن أكون مستشارا على العمل تاريخيا وفنيا ولغويا، فأجبت، فأرسل لي النص والسيناريو وهو من عمل (غسان زكريا) وإخراج (رامي حنّا). وقرأت النص وكان فيه بعض الأخطاء التاريخية، كما أن لغة الحوار لا ترقى لذاك الزمن الذي كانت فيه العربية في أسمى ألفاظها ومعانيها، فصوبت الحوار واللغة والتاريخ، وحذفت مشاهد قيل إنها تخدم الدراما كقصة خطوبة نائلة، كما وصفت شخصيات العمل خَلقا وخُلقا لانتقاء الممثلين وأرشدت إلى ذلك بملفات مع وصف وصور لأزياء العصر والأسلحة وطرز العمارة...و...و.. وتحدثت والمخرج لحذف بعض المشاهد الخيالية التي قيل إنها تخدم الدراما، إلى غير ذلك مما تقتضيه الحقيقة لا الخيال، ومرّت أيام، وشهور، وإذا بي أفاجأ بإقصائي وإقصاء النص وكاتبه والمخرج، وإلقاء خمس عشرة حلقة في سلة المهملات، وأسند العمل للمخرج طارق العريان، وإعادة كتابة السيناريو والنص لخالد صلاح، ومحمد اليساري، وبشار عباس من مصر. وانتقل التصوير لتونس وتغيير الجغرافيا بعد دراسة المكان الذي يوائم الحدث مابين الأردن وجورجيا.    واستبدل فيما بعد المخرج العريان بأحمد مدحت وكان ما كان وجاء المولود، ركاكة حوار، وضعف إخراج، وأغلاط تاريخ، وتحوير أزياء وعمارة وأسلحة، ولا أدري عن طبيعة السفن التي جهدتً في مصادرها وكيف كانت شيّا. تلك هي الجهالة في أتفه صورها، وليس بجديد ما نرى".  

 

هذه شهادة من قلب العمل، تؤكد أن الدراما العربية والتاريخية والمصرية فى حالة من التردي والتراجع لم نرها من قبل، وحتى التاريخى منها يعاد كتابته على هوى المنتجين الجدد، الذين يسعون لتزيف الحقائق، وربما إعادة صياغة التاريخ من منظور مغاير يخدم مصالح ونزوات ليست خافية على أحد.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز