محمد الطماوي
أبو القاسم رشوان.. قامة أدبية خالدة في ذاكرة مصر
تعد جامعة الفيوم إحدى المنارات العلمية في مصر، ومن بين أبرز الشخصيات الأكاديمية التي تألقت في رحابها الدكتور أبو القاسم رشوان، أستاذ الأدب العربي بكلية دار العلوم، إن مسيرة الدكتور رشوان العلمية لم تكن مجرد رحلة تعليمية عادية، بل كانت مسارًا مفعمًا بالإبداع، والالتزام، والريادة الفكرية التي أثرت الأدب العربي والبحث الأكاديمي على مدى سنوات طويلة.
منذ التحاقه بالعمل الأكاديمي، أثبت الدكتور الراحل أبو القاسم رشوان تفوقه وتميزه في مجال الأدب العربي، عُرف بشغفه العميق بالتراث العربي، وحرصه الدؤوب على استكشاف جوانبه المتعددة، تمثلت رؤيته في الجمع بين الأصالة والمعاصرة، حيث سعى دائمًا إلى دراسة النصوص الأدبية القديمة برؤية حداثية، مما أتاح لطلابه فرصة فهم أعمق للأدب العربي بمختلف عصوره، لقد أثرى الدكتور رشوان المكتبة العربية بالعديد من الدراسات والأبحاث التي تناولت قضايا نقدية هامة في الأدب العربي، ولعل أبرز ما يميزه هو قدرته الفائقة على تبسيط المفاهيم النقدية المعقدة لطلابه، حيث كان يتمتع بأسلوب تدريسي مرن يدمج بين المعرفة العميقة والقدرة على التواصل بسلاسة، ما جعل محاضراته محط أنظار الجميع.
كان الدكتور رشوان دائم السعي إلى الربط بين الأدب والتراث العربي من جهة، وبين قضايا العصر الحديث من جهة أخرى، إيمانه بأن الأدب هو مرآة المجتمعات جعل منه ناقدًا حريصًا على استكشاف الرسائل الاجتماعية والسياسية الكامنة في النصوص الأدبية، لم يكن ينظر إلى الأدب على أنه مجرد كلمات مكتوبة، بل كان يراه أداة لفهم المجتمع والتعبير عن قضاياه.
في دراساته، تناول الدكتور رشوان أعمال العديد من الشعراء والأدباء العرب الكبار، من الكلاسيكيين مثل المتنبي وأبو العلاء المعري إلى المعاصرين مثل نزار قباني ومحمود درويش. كان يعتبر أن الأدب هو جسر يربط بين الأجيال، وأنه يجب علينا أن نقرأ النصوص القديمة بفهم جديد يتماشى مع واقعنا الحالي.
كان الدكتور أبو القاسم رشوان أكثر من مجرد أستاذ جامعي، فقد كان مربيًا ومعلمًا ملهمًا لطلابه، يبث فيهم حب الأدب والشغف بالبحث العلمي، كان دائم التشجيع لهم على البحث والتفكير النقدي، ويمنحهم الثقة في قدرتهم على تقديم إضافات جديدة للأدب العربي. لم يكن يعتبر نفسه فقط مرشدًا أكاديميًا، بل كان يتعامل مع طلابه كأب روحي، يستمع إلى أفكارهم ويدعمهم في مسيرتهم الأكاديمية.
لم يكن التميز الأكاديمي هو الصفة الوحيدة التي تميز بها الدكتور رشوان، بل كان يُعرف أيضًا بتواضعه الشديد وحرصه على دعم زملائه وأبنائه الطلاب، كان يرى أن دور الأكاديمي لا يقتصر على التعليم فقط، بل يجب أن يكون له دور في تنمية المجتمع وبناء جيل قادر على مواجهة التحديات.
إلى جانب إنجازاته الأكاديمية، لم يكن الدكتور أبو القاسم رشوان بمعزل عن قضايا مجتمعه، كان مشاركًا فاعلًا في الندوات الثقافية والأدبية، يسعى دائمًا لنشر المعرفة والوعي بأهمية الأدب العربي في حياة الناس.
كما شارك في العديد من المؤتمرات العلمية على مستوى الوطن العربي، حيث كان له حضور بارز كمحاضر وباحث.
لقد أدرك الدكتور رشوان أن الأدب ليس حكرًا على النخبة المثقفة فقط، بل هو مجال يجب أن يتاح للجميع، لذلك كان حريصًا على أن تكون أبحاثه ودراساته قابلة للفهم والاستيعاب من قبل شرائح واسعة من المجتمع، وكان يدعو دائمًا إلى أهمية تفعيل دور الأدب في التغيير المجتمعي.
برحيل الدكتور أبو القاسم رشوان، فقدت كلية دار العلوم وجامعة الفيوم قامة علمية وأدبية كبيرة، ولكن رغم غيابه الجسدي، يبقى إرثه العلمي والأدبي حيًا في قلوب طلابه وزملائه وفي صفحات الكتب والدراسات التي قدمها، سيظل اسمه محفورًا في ذاكرة الأدب العربي، وسيتذكره الأجيال القادمة كواحد من أبرز أساتذة الأدب العربي في العصر الحديث.
سيظل الدكتور رشوان نموذجًا للعالم المتفاني الذي لم يدخر جهدًا في سبيل العلم وخدمة المجتمع، كان يسعى دائمًا لنشر الأدب والثقافة العربية، وترك وراءه إرثًا علميًا وإنسانيًا لا يمكن نسيانه، وستظل ذكراه رمزًا للتفوق والعطاء العلمي، وسيبقى تأثيره ممتدًا في ميادين الأدب والنقد العربي لأعوام مقبلة.