يوسف القعيد
جيشُ مِصرَ المُنتصر
أهدانى صديقى أيمن عبدالمجيد رئيس تحرير سلسلة الكتاب الذهبى التي تصدُر عن مؤسسة روزاليوسف منذ عام 1953 حتى الآن، المجلد الضخم الذي يقع فى أكثر من 250 صفحة من القطع الكبير، وعنوانه: «الجيش المنتصر خمسة آلاف عام من الجهاد فى سبيل الله والوطن»، وكان هذا عددا خاصا أصدره احتفالا بمناسبة اليوبيل الذهبى لانتصارات أكتوبر 1973.
ومؤسسة روزاليوسف صاحبة الكتاب الذهبى عرِفتْ من الأسماء الأدبية الكبيرة عددا من كُتَّاب مصر الكِبار الذين حملوا الثقافة المصرية والعربية والعالمية للدنيا كلها. يقف فى المقدمة منهم: إحسان عبدالقدوس الروائى المهم صاحب أكبر عدد من الروايات التي تحولت لأفلامٍ سينمائية، لا يسبقه سوى نجيب محفوظ صاحب أول نوبل فى الأدب العربى الحديث التي حصل عليها 1988. يكتُب أيمن عبدالمجيد: لو أن للتاريخ عينين ولسانا وشفتين: لتعجَّب من دفعنا أثمانا باهظة من الدماء. لو ينطق التاريخ لصرخ فينا: ألا تذكرون؟. إن انتصارات جيش مصر ليست مجرد أحداث وذكريات، بل قلب نابض يضخ الدروس والعِظات فى شرايين العقول الواعية عِلما تستقى من الماضى خبراته لتواجه الحاضر بتحدياته، أملا فى بلوغ مستقبل مُشرق بتوقعاته. على أرض مصر نبتت الحضارة قبل سبعة آلاف سنة، شجرتها الوارفة أمدت ثمارها للعالم، أسست أول دولة فى الكون بالمفهوم الحديث، أرض ذات حدود باقية، شعب متجانس يملك إرادة العيش المشترك، تُدير شؤون حكومة مركزية، ينطلق بنا من عام 3200 قبل الميلاد. هناك كان الملك مينا فى طيبة، يضع خطة التحرك لتوحيد مصر، ينجح فى تحقيق هدفه، يُعظِّم قُدرات جيشه. وهكذا كانت سيناء بوابة مصر الشرقية مسرحا لملاحم البطولات والفداء. فى سيناء سار الأحفاد على خُطى بطولات الأجداد فى مصر المعاصرة ملحمة التصدى لعدوان 1956، وحرب الاستنزاف وانتصار أكتوبر العظيم، وحتى بطولات العملية الشاملة للقضاء على الإرهاب وتأمين حدود مصر الشرقية. بدأت قوات هذا الجيش عشرات الآلاف، وهى قوة كبيرة قياسا على الزمان وعدد السُكَّان حينها. ودرس التاريخ هنا أن تنامى القوى يتحقق وجودا وعدما بمدى توافر معيار الكفاءة فى إسناد مسؤوليات القيادة والتدفق والاستمرار حتى تحقيق الهدف ألا وهو تحرير التراب الوطني من المحتل المغتصب. يبدأ هذا السجل بكلمة للرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تتوقف أمام جزء من خطابه فى ذكرى انتصار حرب أكتوبر المجيد 2022. يقول الرئيس: ومن هذا المقام كمواطن مصري، وكرئيس لمصر أوجه تحية يملؤها الإجلال والاحترام إلى كل من ساهم فى صُنع أعظم أيام مصر فى تاريخ مصر الحديث، والتحية يملؤها الفخار والاعتزاز للقوات المسلحة المصرية، تلك المؤسسة العسكرية الوطنية التي أتشرف أن أكون من أبنائها، وهى رمز البسالة والإقدام والصمود والتحدى، وحصن هذا البلد الأمين وحامى مُقدَّرات شعبها العظيم.
ويؤكد الرئيس أنه ستظل العلاقة الفريدة بين الشعب والجيش «بإذن الله سبحانه وتعالى» أمرا مُقدَّسا، وضامنا أبديا لأمن هذا الوطن واستقراره، وتحية من أعماق القلب إلى أرواح الشهداء أبطالنا الذين منحونا حياتهم ذاتها كى يحيا الوطن حُرَّا كريما مستقلا. ويوجه الرئيس حديثه لشعب مصر العظيم: إن جوهر حرب أكتوبر المجيدة هو الكفاح من أجل تغيير الواقع من الهزيمة إلى النصر، ومن الظلام إلى النور، ومن الانكسار والمرارة والألم إلى الكبرياء والعزة والفخر. ويقينى الراسخ أن تغيير الواقع لم يكن ولن يكون بالكلام والشعارات والأماني. وإنما بالرؤية المتكاملة بعيدة المدى والتخطيط العلمي. وتوفير آليات وعوامل النجاح، ثم العمل الدءوب بعزيمة وإرادة صلبة من أجل تحويل الرؤية والأمل إلى واقع جديد. يسود ويطغى على عثرات الماضي. ولعلكم تتفقون معى أن تلك هى ذات المعانى والقيم التي نعيشها اليوم فى معركة البناء والتنمية التي نخوضها منذ سنوات بهدف تغيير واقعنا بشكل حقيقى ومستدام، والعبور إلى الجمهورية الجديدة التي نتطلع إليها والتي تُلبى طموحات طال انتظارها جيلا بعد جيل فى مستقبلٍ أفضل لهذا الوطن، يكون بقدر عراقة حضارته وعظمة تاريخه. إن الجمهورية الجديدة التي أراها عن يقين سوف نُحقِّق بإذن الله معجزة العبور الآمن والثابت إليها. إنها الجمهورية التي تهدف إلى تحقيق وتطلعات هذا الجيل والأجيال القادمة.
رئيس تحرير هذا المجلد الذي أصبح بمجرد صدوره جزءا من تاريخ الوطنية المصرية يكتُب تحت عنوان: «هل أتاك حديث مصر وجيشها»: إن مبادئ وأخلاق مصر ضاربة بجذورها فى عُمق التاريخ، أفراده كالبنيان المرصوص، «لا أحد يهاجم زميله» ويؤمِّن ويحمى ولا يعتدى، يدافع عن شعبه ووطنه وأمته. إن بناء الثقافة المصرية والهوية الوطنية تفوق صلابة الأهرامات والآثار التي قهرت على مر العصور عوامل الزمن. توالى الغُزاة على مصر لعقود طويلة فلم تُمكِّنهم سيطرته على الأرض من العبث بالهوية، ابتلعتهم المِعدة المصرية، خرجوا وهم متأثرون بثقافتها.
إن هذا المجلد المهم يُركِّز على المخزون الحضارى فى الشخصية المصرية التي يتم استدعاؤه لا إراديا عند شعور العقل الجمعى بتهديدات مصيرية، فيقلب موازين خطط القوى المعادية بردود فعلٍ خارج حساباته وتوقعاته. إن من يتصور أن الحروب التي تستهدف الوطن انتهت، عليه أن يُدرِك أنها تجرى رحاها وتقرع كل يوم طبولها فى جبهات معادية مغايرة، وبأسلحة أكثر تأثيرا وأقل كُلفة عبر وسائل إعلام مُعادية تُستخدم فيها قنابل بث اليأس، وقذائف تزييف الوعى، وقاذفات الشائعات، وقوى تدمير الدول من الداخل. إن هذا المجلد تحية إجلال لأرواح شهداء مصر، أبطال حروب الاستقلال والتحرير والتطهير والتعمير.
نقلا عن الأهرام اليومي