الستر ليس بالمال.. الستر براحة البال

"الستر" كلمة تعني في المطلق تغطية الشيء، وعندما نشير إلى أن هذا الشيء مستور، أي مغطى أو محجوب. ولكن  يعتقد البعض أن معنى ومفهوم كلمة "الستر" يتعلق بالمال فقط، رغم أن مفهوم الستر أعمق وأشمل من ذلك، حيث إن الستر الحقيقي يكمن في راحة البال والرضا النفسي في شتى مناحي الحياة. هذا ما دفع  منظمات المجتمع المدني نحو القيام بتدشين حملات ومبادرات إنسانية تحت عنوان "ستر ودفا"، التي استهدفت الأسر الأولى بالرعاية وغير القادرين من أهالينا الأشد فقراً وأكثر احتياجاً، وذلك تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعي. 

 

يحمل مفهوم الستر أهمية خاصة بكونه يعُد أحد المفاهيم الأخلاقية والدينية العميقة التي تتأصل في مختلف الثقافات والحضارات، لذا حثتنا الشرائع السماوية على أن نتزين بنعمة الستر، التي تحفظ الإنسان ظاهراً وباطناً. 

قال تعالى في كتابة الكريم: "حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا" (سورة الكهف). وفي الحديث الشريف قال رسول الله ﷺ: "من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة". 

والستر نوعان مادي ومعنوي، "المادي" يقصد به ستر "العورة"، وهذا يتمثل في الكساء والغطاء، وذلك بهدف ستر وحجب أعضاء الجسم عن الأعين، وهذا واجب ديني واجتماعي، بينما النوع الثاني "المعنوي" فله الكثير من الأمثلة الدالة عليه منها على سبيل المثال لا الحصر: ستر "الأسرار"، وهو حفظ المعلومات الخاصة التي يعهد بها شخص لآخر، وهو من صفات الأمانة والشرف، وستر "العيوب" وهو إخفاء عيوب الأخرين وتجنب نشرها، وهو من صفات الكرم والرحمة، ستر "الجروح" وهو تجنب فتح الجروح القديمة وإعادة إحياء الأوجاع، وهو من صفات الحكمة والتعاطف، وستر "الأخطاء" وهو مساعدة الشخص على تجاوز أخطائه وعدم تذكيره بها باستمرار، وهو من صفات التسامح والعفو، الستر "القانوني" وهو سرية وحماية خصوصية المتهمين والشخصيات المعنية في التحقيقات الجنائية، والحفاظ على سرية المعلومات الشخصية الخاصة بهم، وهناك العديد من نماذج الستر المعنوي.

عندما يرزق أحد منا بنعمة الستر في أي موقف في من مناحي الحياة، فعليه أن يكون على يقين تام بأن الله عز وجل هو "الستير" الذي لا يترك عبداً طرق بابه سائلاً أو طالباً الستر دون رد، لذلك ينبغي علينا جميعًا أن نتحلى بصفة الستر، فنستر عيوبنا وعيوب غيرنا، وكما قيل في هذا الصدد " المؤمن يستر وينصح.. والفاجر يهتك ويعيِّر". 

ختامًا، بعد أن القينا الضوء على مفهوم الستر وأنواعه، علينا أن نحرص دائما على التقرب إلى الله تعالى بالصلاة والصبر والدعاء، وأن نشكره على نعمه الكثيرة التي لا تحصى ولا تُعد، ومنها نعمة الستر، التي نشعر بها ونلمسها في أمور كثيرة ومتنوعة، منها الستر في الصحة، والستر في المال، الستر في العيوب، الستر في الأهل، والستر في الأولاد، وغيرها من نعم الله علينا. 

واخيرًا،  لا يسعني سوى أن أرفع أكف الضراعة لله عز وجل وأدعوه:  "اللهم استرنا بسترك الجميل الذي سترت به نفسك فلا عين تراك، ولا يد تمسك، ولا تفضحنا بين خلقك ولا تخزنا يوم القيامة، اللهم ألبسنا ثوب الستر في الدنيا، والآخرة، اللهم إني أسألك الستر والصلاح والعفو والعافية والتوفيق والرضا والصبر عند المصائب والسعادة الأبدية.. اللهم احفظ مصر وشعبها وأمنها من كل مكروه وسوء".