ناهد إمام
همس الكلمات
الفطنة وخداع السوشيال ميديا
بطبيعتنا نحن شعب يتفاعل سريعا مع أي حدث إنساني أو نموذج قدوة نحاول أن نقتدي به، ولكن في الواقع بدأت تلك الأحداث تنتشر من خلال السوشيال ميديا وبصورة خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك".
ويتفاعل الكثير معها دون إدراك المصداقية فيما ينشر من حكايات وقصص مسرودة، وللأسف اتخذها البعض في تحقيق شهرة ونصب لصالحهم.
وهذا ما حدث مؤخرا في عدة وقائع مهمة، جاءت أولاها ادعاء سائق بمحافظة مطروح، أنه عثر على جوال ملقى في الشارع على طريق الساحل الدولي بمطروح، وعندما نزل من السيارة وفتحه وجد بداخله مبلغ 8 ملايين جنيه وقام بالبحث عن صاحب الأموال وتم إعادتها له، والأكثر من ذلك لم يوافق أن يأخذ أي مبالغ مالية من صاحبها، إيمانا بالدور الذي قام به وهو رد الأمانة لأصحابها دون الحصول على مقابل نظير ذلك.
ولأن ليس كل ما يقرأ أو يتم نشره على مواقع التواصل يتم تصديقه، من أجهزة الأمن بصورة خاصة، فقد رصدت ذلك المنشور الذي أثار تفاعل السوشيال ميديا، وبدأت تبحث وتحقق في الواقعة.
لأنه ليس من المعقول أن يقع من شخص جوال به ذلك المبلغ الضخم، وأيضا، من يسير بهذا المبلغ في الشارع ثم يفقده؟
مما أدى لأجهزة الأمن استدعاء ذلك "السائق" للتعرف على حقيقة ما زعم وأنه أيضا رفض الحصول على أي أموال عقب استرجاع الملايين لصاحبها نظير أمانته، وباستجوابه أقر بأن الواقعة لا تخرج عن قصة من نسج خياله ليصبح حديثًا على صفحات الميديا، وليس للشهرة فقط، بل أيضا وسيلة لجمع تبرعات مالية نظير أمانته وعدم الحصول على مقابل من صاحب الملايين.
وعلى ذلك كان لا بد للنيابة أن توجه للسائق المخادع الاتهامات بالنصب ونشر أخبار كاذبة وإثارة الرأي العام.
وبالنظر إلى تلك الواقعة والعقوبة التي تنتظره حتى يكون عبرة لمن تسول له نفسه القيام بتلك عمليات النصب والكذب.
وطبقا لخبراء القانون، فان العقوبة التي تنتظر هذا السائق نتيجة خداع الجمهور وتحقيق مكاسب شخصية مثل الشهرة أو مصالح مالية، ستكون الحبس من 24 ساعة إلى 3 سنوات، مع غرامة مالية قد تصل إلى 20 ألف جنيه.
ويمكن تغليظ العقوبة إذا ظهرت أسباب أخرى، والإخلال بالآداب العامة أو خداع الجمهور، وإذا رأت المحكمة أن الواقعة ألحقت ضررًا بالقيم الاجتماعية أو الآداب العامة.
والواقعة الثانية في أقل من يومين، ادعاء سيدة وتهييج الرأي العام ونشر الخوف والذعر، على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تعمل مصففة شعر بمنطقة البساتين، حيث زعمت أن هناك عصابات تخطف الفتيات والشباب من أجل بيع أعضائهن البشرية، وواصلت تحذيراتها للمواطنين من تلك العصابات، من خلال نشر المنشور الذي أثار الجدل بتفاعله من جانب عدد ضخم من المواطنين وأثار لديهم الذعر خوفا على فلذات أكبادهم من البنين أو البنات.
ونتيجة للتفاعل والجدل الكبير حول ذلك الموضوع كان أيضا، لا بد لقوات الأمن بمديرية أمن القاهرة، أن تتدخل وتدرس حقيقة ذلك المنشور، وتمكنت من تحديد الناشر وألقت القبض عليه وتبين أنها سيدة تعمل كوافيرة، التي أقرت بنشرها أخبارا كاذبة من أجل الترويج لعملها وجذب المزيد من الزبائن، ولا بد من معاقبتها على ذلك.
ليس ذلك فقط ولكن هناك جانب الإعلانات التي تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، بغرض التسويق وخاصة عندما تستهدف الشريحة العمرية من الأطفال للإقبال على السلعة التي يروج لها خاصة مع أسلوب التسويق لجذبهم.
ومن أشهر أمثلة ذلك البسكويت الذي يحتوي على هدايا وبسعر رخيص جدا، مما أدى إلى إثارة حالة من الجدل الواسع عبر منصات التواصل الاجتماعي، خاصة مع نشر أن الكيس يحتوي على هدايا مالية مغرية، من بينها دولارات ومبالغ نقدية ضخمة، مما أثار الفضول ودفع العديد من الأشخاص لشراء المنتج على أمل الفوز بجوائز مالية.
وبطبيعة الحال لا بد من التأكد أن الحملة التسويقية للمنتج قد تكون مجرد خدعة لجذب المستهلكين، أو لتصل إلى تلك القيم من الهدايا المبالغ فيها، خاصة أن البعض قالوا إنهم لم يحصلوا سوى على مبالغ بسيطة جدا، بينما أشار آخرون إلى أنهم لم يعثروا على أي هدايا داخل الأكياس.
مما يستوجب التأكد من جانب المستهلك من مصداقية هذه الادعاءات قبل اتخاذ القرار بالشراء التي يمكن أن تؤثر الحملات التسويقية على قراراتهم الشرائية.
ومن ناحية أخرى لا بد على صاحب السلعة أن تكون الحملات التسويقية لمنتجه أكثر شفافية ولا تتسبب في خداع المستهلكين. لأنه حتى لو نجحت تلك الحملات في زيادة المبيعات على المدى القصير، إلا أنه يجب أن يكون هناك وضوح فيما يتم تقديمه للمستهلكين، كي لا تؤدي الحملة إلى فقدان الثقة وتجنب المبالغة في العروض بدون مصداقية.
ألستم تتفقون معي، أن التهافت على كل ما ينشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليس بالشيء المحمود، وفي حاجة إلى "فطنة العقل"، فيما ينشر وعدم تصديقه كأمور مسلمة دون التفكير في صحتها، وأيضا عدم التسرع في تشيير "إرسال تلك المنشورات بصورة سريعة وعشوائية، ومن بينها المنشورات التي تستهدف إحداث الخلل بأمن البلاد دون وعي، مما تشكل خطرا كبيرا على الدولة واستقرارها.