"فورين بوليسي": ماذا يعني فوز ترامب بالنسبة للصين والشرق الأوسط وأوكرانيا؟
أ.ش.أ
رأت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن فوز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية التي جرت قبل أيام يمثل بداية رحلة أخرى "التقلبات في السياسة الخارجية الأمريكية"، حيث إن الرئيس المنتخب على استعداد لإعادة السمات المميزة لولايته الأولى، والمتمثلة في "حرب تجارية مع الصين، وولع بالمسؤولين الأقوياء، ودبلوماسية إبرام الصفقات التي تتسم بالتمرد على التقاليد".
ولكن الولاية الثانية لترمب، وفقا للمجلة الأمريكية، "سوف تجلب تحديات جديدة، تضاف إلى الحربين الدائرتين في الشرق الأوسط وأوكرانيا.. وفي حين وعد ترامب بإنهاء الحرب في أوكرانيا قبل أن يتولى منصبه، فإنه لم يقدم بعد أي خطة مفصلة، كما أن خططه لإحلال السلام في الشرق الأوسط غامضة هي الأخرى".
وحول مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية، ترى "فورين بوليسي" أن فترة ولاية ترامب الأولى، أظهرت أن "رغباته الخاصة تتناقض غالبا مع أجندة مستشاريه"، ولكن الفترة الثانية "قد يكون لديه قبضة أكثر إحكاما على عجلة القيادة كرئيس، وسط ترجيحات بأن يحيط نفسه بدائرة أكثر ولاء من المستشارين".
وبالنسبة للصين، فمن المرجح أن تستمر فترة ولاية ترامب الثانية في تحديد الصين باعتبارها "التحدي الأمني القومي الأبرز للولايات المتحدة"، مع وضع التجارة كأولوية أولى، بما يعني إعادة إطلاق الحرب التجارية التي بدأها في عام 2018.
ودللت المجلة الأمريكية على ما ساقته بالإشارة إلى دعوة موقع حملة ترامب الرئاسية إلى خفض اعتماد الولايات المتحدة على الصين في جميع السلع الأساسية، وسط توقعات بأن تصل التعريفات الجمركية إلى 60%، على الأقل، على جميع الواردات من الصين، مع الاقتراب من حالة الانفصال الكامل بين أكبر اقتصادين في العالم.
وبعيدا عن التجارة، قد تكون أكبر نقطة شائكة لترامب في تعاملاته مع الصين في "كيفية إدارته لملف تايوان".. فخلال حملته، قال إنه "يجب على تايوان أن تدفع لنا مقابل الدفاع"، وهو ما يؤشر، وفقا لبعض خبراء الصين، إلى الاعتقاد بأن ترامب سيسعى إلى إبرام نوع من الاتفاق مع تايوان في مقابل المزيد من الدعم الدفاعي الأمريكي.
وعن سياسة ترامب فيما يتعلق بالدفاع عن تايوان، فقد تمسك ترامب في المقابلات بسياسة الغموض الاستراتيجي القديمة، حيث عندما سُئل في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" عما إذا كان الجيش الأمريكي سيدافع عن تايوان في حالة وقوع هجوم أو حصار صيني، أجاب ترامب على ذلك قائلا: "لن أضطر إلى ذلك"، بمعنى أن ترامب يعتمد على فكرة أن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفاته الشخصية يوفر طبقة خاصة من الغموض، سواء كانت استراتيجية أم لا.
وبالنسبة للشرق الأوسط، فإن إحدى أكثر قضايا السياسة الخارجية إلحاحا على مكتب ترامب ستكون التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط، وحل حروب إسرائيل مع حماس في غزة و"حزب الله" في لبنان بالكامل.
ولكن حتى الآن، من غير الواضح ما هو الدور، إن وجد، الذي ستلعبه الإدارة القادمة في محاولة إنهاء هذه الحرب.. فخلال فترة ولايته الأولى، دعم ترامب شفهيا حل الدولتين لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بينما منح إسرائيل سلسلة من الجوائز الدبلوماسية التي طالما سعت إليها مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وخفض التمويل لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، واعترف، بالمخالفة لعقود من السياسة الأمريكية، بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، والإعلان أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لا تنتهك القانون الدولي.
وفي حين كانت علاقة نتنياهو وترامب دافئة خلال فترة ولايته الأولى، ساءت الأمور بعد أن هنأ رئيس الحكومة الإسرائيلي، جو بايدن على فوزه في انتخابات 2020 بعد يوم من انتهاء الانتخابات، ما أثار غضب ترامب.
وحول إيران، فقد اتخذت إدارة ترامب الأولى موقفا صارما تجاه إيران، حيث انسحبت من الاتفاق النووي، وواصلت سياسة "الضغط الأقصى" على النظام الإيراني، واغتالت قائد قوة فيلق القدس التابعة للحرس الثوري، قاسم سليماني، في غارة جوية في يناير 2020. بينما خلال حديثه إلى الصحفيين في سبتمبر الماضي، قال ترامب إنه سيكون منفتحا على إبرام صفقة جديدة مع إيران لمنعها من تطوير سلاح نووي، ولكن دون أن يقدم مزيدا من التفاصيل حول ما قد تنطوي عليه مثل هذه المفاوضات.
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أنه في حين سعى ترامب إلى تقليص التدخل العسكري الأمريكي في العراق وأفغانستان، إلا أنه ليس رافضا تماما لاستخدام القوة العسكرية الأمريكية في السعي لتحقيق أهداف واضحة، وقد يشمل ذلك منع إيران من الانضمام إلى القائمة القصيرة للدول التي تمتلك أسلحة نووية. وبالنسبة لأوكرانيا، فقد انتقد ترامب التمويل الأمريكي للجهود الحربية الأوكرانية، ودعا أوروبا إلى تحمل المزيد من عبء دعم كييف.. ووصف ترامب، الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه "أعظم بائع على وجه الأرض" بسبب مقدار الأموال التي تمكن من الحصول عليها لأوكرانيا من إدارة بايدن، رغم أنه (ترامب) أضاف أن "هذا لا يعني أنني لا أريد مساعدته (زيلينسكي)"، وإن كان ترامب نفسه قد أعرب عن شكوكه في قدرة أوكرانيا على هزيمة روسيا.
ولفتت المجلة الأمريكية إلى أن ترامب زعم أن الأمر سيستغرق 24 ساعة فقط للتفاوض على إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وأنه سينجز ذلك قبل تنصيبه في يناير المقبل، لكن التفاصيل حول كيفية اعتزامه إنهاء الحرب مازالت نادرة.
وفي مقابلة أجريت في يوليو 2023 مع قناة "فوكس نيوز" الأمريكية، قال ترامب إنه سيجبر زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الجلوس على طاولة المفاوضات من خلال إخبار الزعيم الأوكراني بأن كييف لن تحصل على المزيد من المساعدات الأمريكية، وإخبار الزعيم الروسي بأن واشنطن ستزيد بشكل كبير من مساعداتها لكييف إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق.
وقدم نائب الرئيس المنتخب "جيه دي فانس" المزيد من التفاصيل حول الشكل الذي قد تبدو عليه مثل هذه الصفقة.. فعلى الرغم من تصريحه بأن ترامب سيترك الأمر للدولتين المتحاربتين وكذلك أوروبا لوضع تفاصيل اتفاق السلام، إلا أنه (فانس) اقترح أن الأمر من المرجح أن يستلزم إنشاء منطقة منزوعة السلاح على طول خطوط المعركة الحالية، ما يسمح لأوكرانيا بالاحتفاظ بسيادتها مع إجبارها على التخلي عن بعض أراضيها التي تقع حاليا في أيدي موسكو، فضلا عن ضمان بقاء أوكرانيا محايدة، ما يعني أنها لن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) أو "المؤسسات الحليفة" الأخرى.
ويرى مراقبون أن هذا التصور يشبه إلى حد كبير الشروط التي وضعها بوتين لوقف إطلاق النار، والتي رفضتها أوكرانيا والعديد من مؤيديها بما في ذلك الولايات المتحدة وإيطاليا وألمانيا.
وحول الناتو، فإن الرئيس الأمريكي المنتخب بعيد كل البعد عن كونه أكبر مؤيد لحلف شمال الأطلسي، كما أن الحلف ليس من المعجبين به أيضا.
ونوهت المجلة الأمريكية بأنه من منظور روسيا، قد تمهد فترة ترامب الثانية الطريق لعلاقات أكثر ودية بين واشنطن وموسكو، حيث فضل الكرملين منذ فترة طويلة الزعيم الجمهوري على خصومه الديمقراطيين. ومع ذلك، فإن الروس مترددون بشأن وعود ترامب بإنهاء الصراع على الفور، وهو ما تجلى في تصريح المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف في سبتمبر بأن هذا النوع من التفكير يقع ضمن "عالم الخيال".
وأخيرا، فإن الفترة القليلة المقبلة ستحدد طبيعة ومستقبل السياسة الخارجية الأمريكية، وعما إذا كان ترامب سيتبع نفس نهج فترته الأولى أم سيكون هناك تغيير في النهج في بعض الملفات والقضايا الشائكة والساخنة في العديد من البؤر حول العالم.