الإعلام الغربى.. يكذب ولا يتجمل
ابتهال مخلوف
أثبتت الأحداث الأخيرة فى منطقة الشرق الأوسط والعالم، أن وسائل الإعلام الغربية تتبع نسقًا معروفة به دومًا، قائمًا على التحيز والتغطية المضللة وبث الأكاذيب وغياب الموضوعية وقلب الحقائق لصالح العدو الاسرائيلى، فى سقطات منتظمة ومستمرة.
أحدث المواقف التي عكست سقطات الإعلام الغربى، ما نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» عن دور مزعوم لمصر والأردن فى دعوة الرئيس السورى السابق بشار الأسد إلى مغادرة البلاد، وتشكيل حكومة فى المنفى، وهو ما نفته الدولتان.
حيث أكد بيان لوزارة الخارجية المصرية، عدم صحة «المزاعم» بشأن نُصح الرئيس السورى بشار الأسد، بمغادرة سوريا وتشكيل حكومة فى المنفى، نافية بشكل قاطع، المعلومات التي أوردتها صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية فى هذا الشأن.
وأشارت السفارة الأردنية فى واشنطن إلى أن الصحيفة، لم تتواصل معها للتحقق من هذا الادعاء، وهو «ما يشكل خرقًا خطيرًا للمعايير الصحفية»، مطالبة إدارة «وول ستريت جورنال» بـ«إصدار تصحيح على الفور».
تجميل العدو
فى سوريا، أثبتت هذه المنابر الإعلامية الغربية، أن الغاية تُبرر الوسيلة لمصلحة أمريكا فى تعاطيها مع الفصائل المسلحة، وتحديدًا زعيم هيئة تحرير الشام، فبعد أن كانت صورته تتصدر عناوين الصحف والقنوات الأجنبية باعتباره إرهابيًا ترصد الولايات المتحدة 10 ملايين دولار للعثور عليه، إذ عمدت شبكة «سى إن إن»، إلى تجميل صورته وإعادة تقديمه للعالم فى صورة بعيدة عن الإرهابى وباسمه الحقيقى «غير الحركى»، واستخدمت فى توصيف الجماعات السورية المسلحة كلمات جديدة مثل جماعات متمردة، ثوار ومعارضة.
كذلك عمدت «الميديا» الغربية إلى خلق مساحة واسعة فى نقل بيانات وتصريحات زعماء هذه الحركات السورية، مع تجاهل الرواية الرسمية السورية وربطها بتحالف شيطانى «إيرانى - روسى» بحسب هذه الوسائل، علاوة على تبنى خطاب التخويف من مصير سوريا والشرق الأوسط عبر إشاعة مفهوم تعرض سوريا لمصير الحرب الأهلية والتقسيم.
وفى تغطية أحداث سوريا، سعى الإعلام الغربى لصرف الأنظار عن مشاهد جرائم الإسرائيليين فى غزة وخرق اتفاق وقف إطلاق النار فى جنوب لبنان، فاختفت من على شاشاتها جرائم قصف غزة وتهجير سكانها.
شيطنة المقاومة
منذ بدء الحرب فى غزة، تتبنى وسائل الإعلام الغربية، الخطاب الإسرائيلى وتبرر وحشية وجرائم الاحتلال، بأنها ردًا على هجوم السابع من أكتوبر، فضلا عن سعيها لشيطنة المقاومة الفلسطينية المشروعة ضد الاحتلال وإخراج الحرب من سياقها التاريخى وحقائق الجغرافيا، بأن إسرائيل هى القوة المحتلة للفلسطينيين أصحاب الأرض.
وخلص تقرير لمعهد الشرق الأوسط للشؤون العالمية، إلى أن الإعلام الغربى فشل بجدارة فى تغطية العدوان ضد غزة ولبنان بشكل موضوعى ومتوازن وحيادى مع التحيز السافر لصالح إسرائيل، حيث تبنت وسائل الإعلام الغربية السائدة إلى حد كبير خطابًا متحيزًا للأحداث منذ الهجوم الذي شنته حماس فى 7 أكتوبر، واعتبرته «هجومًا إرهابيًا»، فيما صورت الهجوم الإسرائيلى على غزة، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 50 ألف شخص ألف مدنى أغلبهم من النساء والأطفال، باعتباره عملًا من أعمال «الدفاع عن النفس».
ويرسخ الغرب فى أذهان الرأى العام العالمى، أن ما يحدث فى غزة ولبنان حرب وليست جرائم حرب وعدوانًا، وأنه حق مشروع للاحتلال، رغم أن جرائمه أسفرت عن إبادة جماعية لنحو 2.3 مليون إنسان فى غزة وتدمير كامل البنية التحتية والمنازل وتجويع مواطنيها.
مزاعم كاذبة
عقب هجوم السابع من أكتوبر، تبنت وسائل الإعلام الغربية مزاعم مزيفة وأكاذيب تبدو للإنسان الموضوعى أنها «تمثيليات إسرائيلية» رخيصة، مثل أن مقاتلى حماس قطعوا رؤوس الأطفال الإسرائيليين وأحرقوا أجسادهم، واغتصبوا فتيات إسرائيليات قاصرات، وأنهم يمتلكون أنفاقًا سرية ومرافق عسكرية مخفية تحت البنية التحتية المدنية مثل المستشفيات ومخيمات اللاجئين، وانتشرت هذه الروايات «الكاذبة» على وسائل التواصل الاجتماعى وظهرت بشكل بارز فى صحف وقنوات مشهورة مثل «ديلى ميل» و«واشنطن بوست».
وكان لهذه المزاعم المزيفة عواقب مأساوية، سهلت للاحتلال ارتكاب جرائم ضد الإنسانية مثل مذابح مستشفيات القطاع، بزعم وجود مركز قيادة وسيطرة لحماس تحت مستشفى الشفاء فى غزة، وكررت وسائل الإعلام الأمريكية هذه الادعاءات. وبمجرد أن اتضح أن هذا غير صحيح، انتقل الجميع إلى شىء آخر.
وعلى الأرض مات فلسطينيون بناءً على هذه الأكاذيب، بما فى ذلك مرضى العناية المركزة، وشبهت هذه الادعاءات باتهامات أمريكية كاذبة بأن نظام صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل، إذ كان ذلك المبرر الرئيسى لغزو العراق عام 2003.
وتداولت وسائل الإعلام الأمريكية كذبة حول قيام جنود عراقيين بانتزاع الأطفال الرضع من الحاضنات فى الكويت لتبرير الغزو الأمريكى الأول للعراق، رغم أن وفاة الأطفال الرضع فى الحاضنات فى غزة بسبب الإجراءات الإسرائيلية لم تؤد إلى وقف إطلاق النار، وبدلًا من ذلك، غضت وسائل الإعلام الغربية الطرف عن تلك المجازر.
تغطية غير متوازنة
لتحقيق ذلك، أورد تقرير لموقع «Security Context»، أن شبكة «سى إن إن» على سبيل المثال تركز فى تغطيتها لحرب غزة على محنة المدنيين والجنود الإسرائيليين، وتنقل قصصا شخصية عن الأسرى اليهود والقتلى من جيش العدوان الإسرائيلى، بينما تعتبر الشهداء الفلسطينيين مجرد أرقام بدون رواية قصص تتعاطف معهم أو نشر صورهم.
كما ترسخ وسائل الإعلام مثل «الديلى ميل» صورة مقاتلى حركة حماس وحزب الله اللبنانى باعتبارهم إرهابيين، فى حين تصورهم وسائل الإعلام العربية كمقاتلين من أجل الحرية وضد القمع الإسرائيلى.
وتناول الإعلام الأمريكى والأوروبى بتحيز، اختراق جيش العدوان لوقف إطلاق النار فى غزة يوم 1 ديسمبر 2023 حيث قصف جنوب غزة، مما أدى لمزيد من الشهداء الفلسطينيين.
ورغم ذلك، سلطت صحيفة «التليجراف البريطانية» الضوء على بيان صادر عن وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن، ألقى باللوم على هجمات حماس أثناء وقف إطلاق النار، وركزت القنوات الغربية على رد فعل إدارة جو بايدن على الأحداث الجارية، مما حول الولايات المتحدة إلى بطل خارجى.
التناقض والعنصرية
تبنت وسائل إعلام غربية للحلول الإسرائيلية لإنهاء الحرب ضد قطاع غزة وفلسطين مثل إمكانية «نقل» الفلسطينيين إلى الدول العربية المجاورة، وهذا يتوافق مع الصورة الذهنية المشوهة التي تقدم فى الأفلام الغربية للعرب وأنهم يعيشون فى صحراء وليس لهم انتماء بالأرض، بهدف تحقيق الحلم اليهودى بوطن من الفرات للنيل.
واعتبر «أوين جونز»، الصحفى فى صحيفة الجارديان البريطانية، أن هذه المزاعم تمثل درجة من العنصرية فى تغطية الإعلام الغربى للأحداث المختلفة فى الشرق الأوسط وأفريقيا، بما يتناقض مع مزاعم دول أوروبا وأمريكا فى الدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان.