عاجل
السبت 21 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

زوجات يستغثن من تجاهل الأزواج.. ويروين قصصهن بالدموع

«الصمت العقابى»

التحايل على الشرع، والتلاعب به أصبح حيلة بعض الأزواج، لابتزاز وتدمير نفسية الزوجة، تحت مسمى العقاب الحلال، إذ استغل بعضهم إباحة وتفسير مقولة «واهجروهن فى المضاجع» للتنكيل بالزوجة، إما تقبل بتهميشها، وهجر الزوج لها وقطيعتها، أو تصبح ناشزا.



وتحول العقاب، من هجر مقنن ومحدد، لتعديل سلوك الزوجة، وتهذيبه، وعودة الحياة الأسرية إلى استقرارها، لسلوك منتشر، وقف خلف هدم العديد من البيوت، وهذا ما يسمى بـ«الصمت العقابى»، وهو مصطلح جديد طرأ على الأسر المصرية، بفضل وسائل التواصل الاجتماعى.

يعد هذا النوع من العقاب، وسيلة بين الزوجين يتبعها أحدهما بعد حدوث خلاف ما بينهما للضغط على الطرف الآخر وإخضاعه، إذ يحاول أحد الزوجين السيطرة على الآخر، ولما تبوء محاولاته بالفشل، يمارس عليه التجاهل التام، والهجر بشتى صوره، وكأنه قطعة من أثاث المنزل، فيقف الطرف الآخر حائرًا، هل يخضع؟، أم يفنى حياته منتظرا؟، «روزاليوسف» حرصت على رصد عدد من ضحايا «الصمت العقابى»، واستطلعت آراء بعض الخبراء حول هذه القضية الحيوية.

«الزوجات يستغثن»

لم تكن شكواهن الخلافات الأسرية المعتادة، ولا النفقات، ولكن كان صمت الزوج وإهماله للزوجة، بدأت إحدى السيدات ممن يقفن على أعتاب محكمة الأسرة تدعى «إيمان» الحديث قائلة والدموع تنهمر من عينيها: «جوازى مجرد حبر على ورق»، موضحة أن زوجها يتركها وحيدة، فلم تشعر بوجود شريك حياة رفقتها، بل عندما يقع خلاف بينهما، يقطع حبل الود بينهما، فلا حديث ولا لقاء، حتى الطعام يرفض تناوله معها، مضيفة: «عشت معه طيلة سبع سنوات وكأنى خادمة، نتصافى يوم ويهملنى ويقتلنى بالصمت لمعاقبتى على أتفه الأسباب شهورًا طويلة، وبعدما فقدت الأمل، وقبل فوات الأوان، قررت رفع دعوى تطليق منه».

أما «منار» إحدى السيدات اللاتى تعرضن لـ«الصمت العقابى»، قالت: «شعرت بالغربة رفقة زوجى، فكان دائمًا الحاضر الغائب، صحيح يعيش معنا بذات البلد، إلا أننى لا أشعر بوجوده، وكأنه مُغترب لبلد آخر، لا أراه فى البيت سوى وقت تناول الطعام»، مستطردة: «هربت من الواقع إلى الخيال أرسم فى مخيلتى صورة لحياة جميلة ومستقرة يسودها الحب، بسبب رفضى الحياة التي فرضها زوجى على، والتي كانت خالية من كل شىء سوى الصمت، وأصيبت بمرض نفسى بسبب إهماله وعزوفه عنى، وبعد محاولات سلكتها فى طريق العلاج النفسى، بدأت رحلة التعافى، التي لم يكن من الممكن إتمامها، وأنا مازلت زوجته فهو زوج «شحيح المشاعر»، وكانت بداية العلاج برفع دعوى خلع ضده». 

 

 

 

وتحدثت «ليلى»، على حالها، مؤكدة أنها نفس حال هاتين الزوجتين، زوج بالاسم فقط، لا يرى سعادته إلا فى تعاستها، والتقليل منها، قائلة: «كان زوجى يحاول إقناعى بأننى دائمًا خاطئة وهو على صواب، وتفنن فى قلب الحق لباطل، لأتحول من ضحية لجانية، وكنت أحاول إرضاءه بشتى الطرق، فكان يتمادى أكثر فى العناد والعقاب، ويتلذذ بإهانتى، ولما علم كرهى للوحدة، ولهثى خلف استمرار المودة بيننا زاد فى الصمت والعقاب، وأصبح إما فى العمل، أو منشغل بالهاتف المحمول، أو نائم»، متابعة: «استمريت على هذا الوضع لسنوات، وكاد الجنون يصيب عقلى، وبعد شعورى الشديد بالوحدة، خشيت أن أسقط فريسة لمشاعر الحب الموجودة داخلى، فعزمت على الطلاق، على أمل توفير فرصة بناء حياة جديدة، ولكنه رفض وتركنى «معلقة»، فلجأت للمحكمة لتطليقى منه».

«استشاريون وخبراء»

من جانبه، أوضح الدكتور أحمد فخرى، أستاذ علم النفس الإكلينيكى، رئيس قسم العلوم الإنسانية جامعة عين شمس، أن «الصمت العقابى» طريقة معتادة لدى بعض الأزواج بسبب نمط الحياة اعتقادًا منهم بأنه نوع من الخصوصية، لافتًا إلى أن هناك فجوة بين الخيال الذي يحاصر الشخص من خلال رؤية ومتابعة الحياة الزوجية الوردية الخيالية على السوشيال ميديا، وما يحدث على أرض الواقع، فيلجأ بعض الأزواج للعزوف والعزلة عن شريك الحياة، والسبب الآخر هو سطو مواقع التواصل الاجتماعى والانشغال فى البحث داخلها مما يجعل الشخص سجينا ومنعزلا.

وأشار أستاذ علم النفس الإكلينيكى، إلى أن الصمت العقابى ليس مرضا نفسيا فقط، بل أصبح مرضا اجتماعيا يصيب الأسر والأزواج الطبيعيين، ولكن هناك بعض الشخصيات التي لديها مشاكل نفسية، كالشخص النرجسى الذي يردد أنه على صواب دائمًا، والسادى الذي يتلذذ بإيذاء شريكه نفسيًا، وآخر يرى نفسه فوق الجميع، وفى هذه الحالة تتفاقم الأزمة، وقد تؤدى لهدم الأسرة.

وترى سارة بيصر، مدير مركز زيتونة لدعم المرأة، أن التربية غير السوية هى الأساس فى صناعة شخصية الزوج الذي يقهر زوجته بتجاهلها وإهماله لها، مضيفة: «أن تفضيل الأم لابنها لمجرد أنه ذكر، تصنع منه شخصية مغرورة ومتمردة، فيبدأ بممارسة التسلط على أخواته البنات، يأمرهن بخدمته، ويتحكم فى شتى أمورهن وكأنه «شهريار»، وعندما يتزوج يذهب لبيت الزوجية ومعه أفكاره المعقدة، معتقدًا أن له جميع الصلاحيات، يتعامل مع الزوجة كيفما شاء وكأنها شىء اشتراه».

واستكملت «بيصر»: «على الفتاة تحرى الدقة فى اختيار شريك الحياة، ولا تتجاهل هذه النقاط فى فترة الخطبة، وإن بدر منه الإهمال، والتشديد على السيادية، أو الصمت العقابى، تنهى الخطبة وتنجو بنفسها، قبل السقوط فى شباكه».

وأكد عبدالله عبدالرحيم، استشارى العلاقات الأسرية، أن الصمت نوعان إيجابى وعقابى، «الإيجابى» هو ممارسة طقوس الحياة بصورة طبيعية، وعلى رأس ذلك الاحترام المتبادل بين الزوجين، مع تأجيل فتح حوار حول المشكلة، حتى يصبح الطرفان أهدى، ويتمكنان من إقامة مناقشة صحية، والوصول للحل الذي يحافظ على البيت وكيان الأسرة.

وتابع استشارى العلاقات الأسرية: «الصمت العقابى هو نوع من تهميش وإهانة الزوج، بهدف كسر أنفها، وإرغامها على الخضوع لأوامر الزوج، وهذا النوع قد يؤدى لهدم البيت، إذا تكرر وزاد علي حده»، موضحًا أن ضعف الزوجة، خاصة إن كانت لا تعمل، وليس لديها مصدر دخل قد يجعلها تتحمل الضرر النفسى الواقع عليها وتقبل به تحت مسمى «ضل راجل ولا ضل حيطة»، ولكن مع تكرار الصمت، وشعور الزوجة أنها مهانة، لن يستمر الوضع، وفي نهاية المطاف تطلب الطلاق.

وشدد الدكتور حامد محمد جاب الله، مدرس الفقة المقارن بجامعة الأزهر، على أن النبى عليه الصلاة والسلام، وضح أنه لا يحق لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام، بعد هذه المدة يؤدى إلى القطيعة والشحناء فى قلب المهجور»، موضحًا أن الصمت العقابى بين الأزواج فوق المدة الشرعية جائز  بقصد الإصلاح والتأديب بحيث لا يضر بالزوجة، ولا يزيد من تفاقم المشكلات.

ونوه «جاب الله»، إلى أن ممارسة الصمت العقابى مع الزوجة دون الإصلاح، يعد إثمًا وهجرا محرما، ومخالفة لشرع الله، لقول الله تبارك وتعالى «وعاشروهن بالمعروف»، إضافة إلى أن الزوج بهذا يكون قد وقع فى الظلم الذي هو ظلمات يوم القيامة، مواصلًا أن هذا يؤدى إلى قطع المودة والرحمة التي هي أساس إقامة الأسرة.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز