الأزهر يسلط الضوء على إمكانيات ذوي الهمم
سلوى عثمان
في إطار حرصه على تقديم التوعية المجتمعية، استضاف الجامع الأزهر الشريف في ملتقاه الأسبوعي المخصص للمرأة، د. رضا إسماعيل، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، ود. شيماء فتحي، مدرس الفقه بجامعة الأزهر، وأدارت الندوة د. حياة العيسوي، الباحثة بالجامع الأزهر الشريف، لتسليط الضوء على قضية الإعاقة لدى ذوي الهمم.
وأوضحت د. رضا إسماعيل، أن الإعاقة الذهنية هي حالة تسبب ضعفًا في القدرات العقلية والتكيفية لدى الطفل، وقد تظهر أعراضها بشكل واضح في مرحلة ما قبل المدرسة، حيث يلاحظ الأهل تأخرًا في النمو اللغوي والحركي، بالإضافة إلى بعض الملامح الجسدية المميزة، وأشارت الدكتورة إلى أن أسباب الإعاقة الذهنية متعددة ومتنوعة، وقد تكون وراثية أو ناتجة عن عوامل بيئية،
مشيرة إلى أن أسباب الإعاقة الذهنية متعددة ومتنوعة، مثل العدوى أثناء الحمل، وسوء التغذية، والتعرض للمواد الكيميائية الضارة، ومشاكل أثناء الولادة، أو عوامل وراثية تشمل الاضطرابات الصبغية مثل متلازمة داون، والاضطرابات الوراثية الأخرى.
وأضافت د. رضا إسماعيل: من أبرز الأعراض التي قد تظهر على الطفل المصاب بالإعاقة الذهنية، التأخر في النمو سواء كان ذلك في النمو الحركي أو النمو اللغوي، وصعوبات في التعلم، والاختلافات الجسدية مثل ملامح وجه غير عادية، أو حجم رأس غير طبيعي، أو تشوهات في الأطراف، وأكدت على أهمية التشخيص المبكر للإعاقة الذهنية، حيث يمكن من خلاله تقديم التدخلات العلاجية المناسبة، وتشمل طرق التشخيص:الفحوصات الطبية: مثل تحاليل الدم والبول، والأشعة السينية، والتصوير بالرنين المغناطيسي، وتقييم النمو. وشددت د. رضا على أهمية الوقاية من الإعاقة الذهنية قدر الإمكان، وذلك من خلال الرعاية الصحية الجيدة أثناء الحمل ، والتشخيص المبكر والعلاج للأمراض الوراثية، والوقاية من الإصابات، وفي ختام اللقاء،
أكدت على أهمية دور الأسرة والمجتمع في دعم الأطفال المصابين بالإعاقة الذهنية، وتوفير بيئة محفزة لهم لتحقيق أقصى قدر من الاستقلالية والاندماج في المجتمع.
من جهتها أوضحت د. شيماء فتحي، أن مصر تعد من أوائل الدول التي يُشاد بها في مجال رعاية وتأهيل الأشخاص ذوى الهمم ،وذلك للاقتناع والإيمان التام بما لديهم من قدرات وإمكانيات، وإذا ما توافرت لها الخدمات التدريبية والتأهيلية الملائمة والفرص المتكافئة فإنهم سيتمكنون من المشاركة بفاعلية جنباً إلى جنب مع باقي أفراد المجتمع، وذوي الهمم شركاء التنمية في الوطن لما لديهم من طاقات إيجابية وقدرات كامنة يجب استغلالها.
وأشارت إلى أن قضية ذوي الهمم تعد من القضايا المهمة التي تتطلب تضافر الجهود على المستويات التشريعية والمجتمعية، تهدف هذه الجهود إلى تعزيز حقوقهم وتوفير بيئة ملائمة تساعدهم على تحقيق أمنياتهم. وفي ذات السياق أوضحت د. حياة العيسوي، أن الإعاقة لا تعني سقوط المهام أو التراجع عن الأهداف، بل تتطلب التكيف معها والتغلب عليها.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة من خلال قصص بعض الصحابة، مثل الصحابي الجليل ابن أم مكتوم، الذي رغم فقدانه للبصر، لم تمنعه إعاقته من السعي نحو العلم. فقد ذهب ابن أم مكتوم إلى النبي محمد ﷺ طالبًا للعلم، حتى في الوقت الذي كان النبي مشغولًا بدعوة سادات قريش، وقد نزلت آيات سورة "عبس" كعتاب لطيف للنبي لتذكيره بأهمية إكرام ابن أم مكتوم، حيث وصفته الآيات بأنه "فاقد لحاسة البصر".
هذا العتاب لم يكن مجرد توجيه، بل كان دعوة لتعزيز قيمة كل فرد، بغض النظر عن إعاقته. كما أن قصة سيدنا موسى عليه السلام تحمل دلالات قوية، حيث كان لديه عثرة في الحديث، ومع ذلك، لم تمنعه هذه الصعوبة من أداء رسالته النبيلة، بل طلب العون من الله أن يكون أخيه هارون عليه السلام شريكًا له في الدعوة، قال تعالى"قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي".
تُظهر هذه القصص أن التحديات والإعاقات يمكن أن تكون دافعًا للتفوق والنجاح، إذا ما توافرت الإرادة والعزيمة. إن قيم العمل والمثابرة التي تنقلها هذه الآيات توضح أن الإعاقة ليست نهاية الطريق، بل يمكن أن تكون بداية جديدة لتحقيق الأهداف والطموحات فأعانه الله عز وجل حيث قال: "قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى"، وقال: "قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُون".