عاجل
الأربعاء 15 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
نعمة الدولة.. والمسألة السورية

نعمة الدولة.. والمسألة السورية

الدولة نعمة من نعم الأنظمة الحديثة. 



تتشكل الدول من حكومات.. وشعب.. ومنطقة جغرافية. الحكومة وفق هذا المفهوم هى الإدارة..

بمؤسساتها.. بشكل العمل المتناغم بين تلك المؤسسات. 

الغرض الأساسى والطبيعى للدولة هو إضفاء الأمن والاستقرار وضمان الأمن الاستراتيجى. داخليًا تسعى الدولة لحفظ المواطن.. وحقه فى الحياة الكريمة.. وحقه فى الحياة الطبيعية.

وتظهر الجيوش الوطنية فى معادلة الدولة هى الحامى العام.. أو هى الضامن للسلامة الوطنية.. وحفظ الحدود.. وحفظ النظام العام. 

تسقط الدول عندما تسقط الجيوش الوطنية.. أو تتفتت أو يظهر لها مثائل بحجج مختلفة، أو تحت أية دعاوى مهما كانت.

 

على مواقع التواصل كان هناك من يسخر، وغرضه مفهوم، كلما تعالت نغمات الحمد لله على نعمة الدولة. طالت السخرية كثيرًا جملة تقول: «مصر لم تدخل نفق سوريا والعراق». 

صحيح كانت السخرية معلومة الأسباب، وموجهة، ومختلطة بالسموم وعوادم أشد من عوادم السيارات.. لكن الزمن والشواهد والظروف تثبت من آن لآخر، أن مواقع التواصل لا هى الواقع ولا هى الحقائق ولا هى الدليل أو المعيار.

فى العراق يحاولون العثور على دولة بالمعنى المفهوم منذ التسعينات. منذ سقط جيش الدولة فى العراق، والدولة لم تخرج من عثراتها. 

فقدت الدولة أهم معنى مرادف للمفهوم وهو الاستقرار. فى سوريا، سقطت الدولة، أو قل دخلت الدولة هناك نفقًا من أنفاق الطريق إلى الهاوية، بعد أن تصاعدت الميليشيات المسلحة، وفقد الجيش قدرته على حفظ الحدود الاستراتيجية، فتقطعت الأوصال، وتنوعت الجماعات الحاكمة، وتناوبت على المدن وعلى القطاعات وعلى المحافظات.

أدخلت الميليشيات الدولة السورية فى حروب بالوكالة، وقسمت الجغرافيا إلى قطع من الكعك والحلوى، يعزم كل فريق فريقًا آخر على بعضها.

عندما تسقط الدول، تسقط محددات المفهوم العام الضابط للاستقرار. لذلك فالدولة هى النظام الآمن فى العصر الحديث فى الطريق للتنمية والبناء.

تواجه الدول فى العصور الحديثة معادلتين.. بتفاصيل مختلفة. إما معادلة البناء، وإما معادلة فى الطريق إلى الهدم.

الهدم بطبيعة الحال أسهل من البناء. وهدم الدول، تدفع ثمنه الشعوب من دمائها وأراضيها، وتسقط فيها البيوت وتثقب جدرانها من غارات العدو، أو من رصاص الفرقاء.

نجت مصر من محاولات إسقاط الدولة. هى بالفعل الوحيدة التي استطاعت النجاة.. وبجدارة من غول كان اسمه الفوضى الخلاقة والربيع العربى ومسميات أخرى. كان الفضل لجيش وطني قوى، ورجال آمنوا بأن المخطط لا يجب أن ينجح.. وأن مصر لا يمكن لها أن تسقط.

(1) 

خطورة الأحداث فى سوريا وطريقتها فى التصاعد تكشف من جديد عن الأوضاع على الأرض فى ظل الميليشيات المسلحة. تظهر الميليشيات المسلحة فى واحدة من أهم مؤشرات سقوط الدولة.

تبقى الميليشيات المسلحة بعد ظهورها لعبة فى يد دول فى اليمين ودول فى اليسار. فى المسألة السورية، فإن العالم يتصارع، بدءًا من روسيا وإيران وإسرائيل والولايات المتحدة. 

أبرز ما يسعى الإرهاب إليه قبل السيطرة ووضع اليد، هو نشر الفوضى، وتدمير المؤسسات، وتشكيل رأى عام مضاد للأنظمة والإدارات.

فى النظم الحديثة، تسقط الإدارات من داخل الدول أسرع مما تسقط بحروب خارجية. لذلك فإن فى الحروب الحديثة، تستقطب وسائل الإعلام المضادة الرأى العام، بمحاولات الفت فى عضده، وتأليبه على الدولة، وتشكيكه فى قوتها، ومحاولة نصب المواطن فى مواجهة الإدارة، وسط محاولات تدمير الجيوش الوطنية. العراق نموذج أول، وسوريا نموذج ثان. 

 فى سوريا عادت التنظيمات المسلحة للعمل فى ظروف إقليمية أتاحت الفرصة لمزيد من الإرهاب.. ومزيد من مراحل العداء للدولة. 

عادت الميليشيات للعمل فى حلب وإدلب بطائرات مسيرة عسكرية، ودبابات ومدرعات وتسليح متطور وملابس عسكرية تشبه ملابس الجيش الأمريكى، فى سلسلة جديدة بدأت لاستهداف الجيش السورى.

فى الخلفية تقف تركيا وإيران وروسيا والولايات المتحدة، وكلها قوى شكلت من الأراضى السورية ملعبًا واسعًا.. أشبه بملاعب كرة القدم، وفرشتها بالنجيلة الخضراء، فى الطريق لإثارة البراكين وقتل المواطنين، وتشريد الآلاف.. وأولاً وأخيرًا.. تهديد الإدارة. 

مؤكد أن تلك الأحداث ليست اعتباطية، أو وليدة الصدف. عالم السياسة كثيرًا ما يبدو أشبه بعالم الشطرنج. وفى الشطرنج، لا مكان للصدف.. إنما الأمور تتوقف على الفرص. 

لماذا اشتعلت الأرض الآن فى سوريا؟ 

الإجابة تبدأ من الحرب الإسرائيلية ضد (حزب الله) فى لبنان ودخول الحزب مرحلة ما بعد الضعف، تخللتها الهجمات الإسرائيلية المستمرة فى سوريا ضد إيران، استغلالًا للضعف الإيرانى.

الانشغال الروسى فى أوكرانيا وسط تغيرات جوهرية فى الحرب الفترة الأخيرة لابد أن يضاف إلى الإجابة عن السؤال: لماذا اشتعلت سوريا الآن؟ 

على مدار سنوات طويلة، تعرضت الدولة السورية لإرهاق كبير، قررت الإدارة بعده حصر سيطرتها على مناطق من العاصمة دمشق. ومناطق جغرافية أخرى إلى حين.

استغل النشطاء والجماعات المسلحة وقوى إقليمية التي تتبع كل منها مجموعات مسلحة هذا الضعف. 

والنتيجة أن تمكنت الميليشيات من السيطرة على مناطق مختلفة، جعلت للدول شريكًا بالسلاح فى مناطق السيطرة، وكان الوضع كالتالى: 

جيش نظامى على رقعة محددة من أراضى الدولة، بينما مساحات أخرى، ومحافظات يسيطر عليها سلاح الميليشيات.

توسع المتمردين حمل دلالات خطيرة على انهيار الدولة. وكان أن صارت «حلب» التي استغرقت من الرئيس الأسد أربع سنوات لاستعادتها من الميليشيات، كانت نفسها هى حلب التي استطاعت الميليشيات إحكام السيطرة عليها فى 8 ساعات. 

(2) 

فى الصباح، بدأت عمليات هيئة تحرير الشام الإرهابية فى اتجاه مدينة حلب. ومع غروب الشمس، كانت تلك المجموعات قد وصلت إلى ساحة الباسل بدلالات وإيحاءات. فى ساحة الباسل، وقبل دخول الميليشيات كان يتوسط الميدان تمثال للراحل باسل الأسد.. شقيق الرئيس بشار. 

فى العرف السورى أن التمثال كان يرمز إلى قوة النظام وسيطرته. لكن المرتزقة من جنود الميليشيات أنزلوا العلم السورى من جانب التمثال بعدما كانوا قد استولوا على المدينة، وأبقوا على التمثال الذي علقوا عليه علم الميليشيا! 

فى المساء كانوا قد وصلوا إلى قلعة حلب. سرعة العملية، وتمام السيطرة كانت محل أنظار مراقبين اعتبروه تحولًا مذهلًا بالنسبة للجماعات المسلحة، التي بدا أن الأسد يعتقد أنها هُزمت بشكل شامل.

بعض الصحف الأوروبية تصف الميليشيات بالمعارضة. التوصيف هنا ليس صحيحًا، واللفظ ليس دقيقًا. المعارضة فى المفهوم السياسى لا تضم المرتزقة ولا جنسيات أخرى، تعمل من أجل المال، وتحصل على السلاح من الخارج، وتعمل وفق أچندات لا علاقة لها بالدولة الوطنية.. أو الناس.

المعارضة الحقيقية فى المفهوم الطبيعى، لا تعكس تقدماتها فوائد على قوى إقليمية مضادة، أو متحفزة أو منتظرة.

هناك من يقول أن المستفيد الأكبر من أحداث سوريا هو الاحتلال الإسرائيلى، فمن خلال إشعال الداخل السورى، تزيد الضغوط لمزيد من الإضعاف. 

هناك من يرى أن المقصود إيران، لمزيد من إضعافها هى الأخرى، بعد الضربات الإسرائيلية التي رنحت حزب الله فى لبنان. 

بعضهم يرى تركيا هى المستفيد الأكبر، إذ أنه ربما يكون التوقيت المناسب لإجبار الرئيس الأسد على التطبيع مع أنقرة، بينما يترك يد طهران فى أول مفترق طرق. 

على كل، فإن الصراع فى سوريا ليس حربًا أهلية، إنما هو مسرح لصراعات إقليمية ودولية، وكل طرف له مصلحة مباشرة أو غير مباشرة فى استمرار الجبهة السورية مشتعلة، والغرض مكاسب جيوسياسية، إما بإضعاف الخصوم وإما بتعزيز النفوذ فى غياب قدرة الدولة وسطوتها.. وسيطرتها المشروعة. 

(3) 

سير هيئة تحرير الشام الإرهابية فى سياق مخطط خارجى وبأجندة لها تاريخ. رأت الجبهة أن التوقيت مثالى لجولة جديدة فى الداخل السورى. إيران منشغلة هى وروسيا بصراعات إقليمية، وسوريا ربما تأتى الآن على الهامش. حزب الله بعد الضربات الأخيرة، لن يكون قادرًا على تقديم دعمه المعتاد للجيش السورى، خصوصًا مع إعلان اتفاق وقف إطلاق نار فى لبنان. 

فى المقابل، فإن المتطرف أبو محمد الجولانى قائد هيئة تحرير الشام الإرهابية، رأى أن الظرف الآن هو الأكثر مناسبة لاستعادة ثقة المقاتلين المرتزقة تبعه.

هيئة تحرير الشام لها قصة طويلة هى الأخرى.

قبل سنوات كانت مرتبطة بتنظيم القاعدة باسمها القديم «جبهة النصرة». أعادت الجبهة تسمية نفسها أكثر من مرة.. إلى أن أصبحت «هيئة تحرير الشام». 

منذ 2020، حاولت الجبهة التقدم بمجموعة من الخطوات للتقرب من الغرب، وإقامة علاقات لا أحد يعرف شكلها مع الولايات المتحدة. 

حاولت الجبهة إظهار نفسها بديلًا معتدلًا، لكن الشواهد تقول أن تلك الفصائل الإسلامية المتطرفة، لا يمكن أن تكون إلا بعيدة كل البعد عن الاعتدال. 

وظلت الهيئة، أو الجبهة، هى الفصيل الأكثر تطرفًا المتواجد بالسلاح على الأراضى السورية.

 

نقلاً عن مجلة صباح الخير

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز