عاجل
الجمعة 29 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
الفكر العربي والإسلامي المعاصر بين عقلين "فردي وجمعي"

الفكر العربي والإسلامي المعاصر بين عقلين "فردي وجمعي"

مما لا شك فيه أن واقعنا المعاصر الذي نحياه يحتاج إلى أن تتضافر كل الجهود علي كل الأصعدة والمستويات، سواء الاجتماعية، والسياسية، والثقافية، والاقتصادية.



كل في مجاله، لماذا حتي نخرج بمنتج فكري معتبر يتماشى مع متغيرات العصر، ويواكب التطورات المتلاحقة التي يمر بها عالمنا المعيش، فلا يمكن بحال من الأحوال أن نرى العالم من حولنا يتقدم بسرعات مذهلة نحو الأمام، ونحن نقف نتفرج، نحن لسنا مكتوفي الأيدي، لسنا فاقدين للعقلين الفردي، والجمعي، قد تكون الإمكانيات محدودة، لكن بكثير من العمل والجهد سنصل إلى بغيتنا، لكن كيف السبيل إلى تحقيق ذلك؟! المسألة قد تكون في ظاهرها عصية الحل والسبب الرئيس في ذلك، هو تراكمات فكرية أعتاد أصحابها على التقليد والتبعية وعدم التحرر العقلي وتقوقعه وتمركزه حول فكرة بعينها قد تكون هذه الفكرة جد لا تسمن ولا تغني من جوع، كالذي يؤله صنما أو يعبد شجرا، أو قمرا، وهو يعلم أن هذه العبادة لا تجدي له نفعا، لكن تحجر عقله وعميت بصيرته فانقاد انقيادا أعمى، وهذه التبعية البغيضة نرفضها قلبا وقالبا، شكلا وموضوعا، ودليلنا في ذلك قوله تعالي، "وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا، أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون".

فالله تعالى أمرنا ألا نكون ناقلين ولا مقلدين،  وأنما لا بد أن تكون لنا هويتنا الفكرية وذاتنا المستقلة، وهذا لا يعني- حتى لا يفسر كلامي خطأ- التنصل من ثوابتنا التي هي مقومات وجودية لنا ولا يمكن بحال من الأحوال التحرر منها، لأنها هي التي تدعونا إلى الحرية، ولأن ثوابتنا تتسم بالحركية والاستمرارية والديناميكية والمعاصرة، فحركيتها في ثبوتها وثبوتها في حركيتها. لكن ما ندعوا إليه هو أن ننظر بعين الاعتبار والتدبر إلى ما وصل إليه الآخر الغربي من تمدن وتطور وتقدم وحداثة ومعاصرة، ونحن كما نحن لا نتقدم قيد أنملة. انظروا بعين البصيرة إلى الصين ما وصلت إليه من تقدم وتطور، لماذا لأنهم أخذوا من ثوابتهم ووظفوها لخدمة حداثتهم وثورتهم العلمية. ما وجه الاختلاف بين فكرين، فكر قديم تقليدي كلاسيكي، وفكر واقعي؟! الفكر التقليدي أنصاره يعيشون أوهام الكهف التي حدثنا عنها أفلاطون وفرنسيس بيكون، لا يرون من الحقيقة إلا ظلالها، لا يرون أننا نعيش في كوكب أصبح بمثابة قرية صغيرة، الكل يتسابق ويتصارع بغية السيطرة والسيادة.

أما التقليديون الذين أبوا ألا يتحرروا من جلباب موروثاتهم وينطلقوا للأمام، أبوا حتى أن يجملوا هذا الجلباب بمعطيات جديدة وبفكر حداثي يتماشى مع واقع أصبحت الآلة تسيطر عليه، وإذا لم يفيقوا ويقودوا هذه الآلة، ستقودهم وستوجههم إلى حيث لا يدرون، أو ستهوي بهم في بئر عميق ماؤها آسن وقعرها مظلم، لن يستطيعوا الخروج منها.

أما الفكر الواقعي المعاصر، فهو الذي ينطلق إلى الأمام، أصحابه استشعروا الخطر الذي يداهمهم، أدركوا أن ثمة ثورة علمية تعتمد على المنهجية التجريبية التي قوامها خطوات البحث العلمي المنظم، الذي يحدد الظاهرة محل للدراسة ثم تصنيف هذه الظواهر، وجمع المعلومات عنها، وفرض الفروض والتحقق من صحة الفروض إلى أن نصل إلى القانون العام الذي تبنى عليه دعائم النظرية العلمية التي تثري واقعنا المعيش.

المفكر المعاصر هو الذي يسعى سعيا حثيثا إلى إثبات شخصيته البحثية على كل المستويات.

المفكر الواقعي نصير الواقعية الحقة هو الذي يكون مهموما بقضايا مجتمعه يمد يده إلى تراث أجداده، ويغوص في بطون هذا التراث ليوظفه لخدمة واقعه الذي يحياه.

المفكر الواقعي هو الذي لا يتقوقع حول النص ويقول قال فلان، وقال فلان، لا ، يقول هأنذا، هذا هو رأي أقوله في هذه القضية، قد أخطأ مرات عديدة، وأصحح خطأي مسترشدا مستنيرا بما تعلمته من أساتذتي دونما تقمص وتقليد أعمى لهذا الأستاذ.

المفكر الواقعي هو الذي ينبغي عليه أن يكون متسلحا بأدواته المعرفية التي تقيه من الوقوع في الزلل والخطأ. المفكر الواقعي هو الذي يبحث وينقب عن كل ما يفيد حياته ومجتمعه. إن نهضة الأمة أي أمة لا تكون عن طريق التقليد الأعمى والتبعية، إن نهضة الأمم تبنى وتقوم على عقول مفكريها. إن النهضة الشاملة والتنمية المستدامة التي هي حديث العصر، لا تتحقق إلا من خلال النظرة المستقبلية واستشراف المستقبل.

وهذا ما يتم الآن في بلدنا الحبيب مصر ووطننا العربي، الانفتاح على ثقافات الغرب، ليس الغرب وحسب بل كل الثقافات من أجل ماذا؟!، من أجل إتاحة الفرص لبناء دولة مدنية عصرية تواكب التقدم التقني والعلمي والذكاء الاصطناعي، دونما إفراط بمعنى انغماس كلي في مادية مسرفة وأنانية مفرطة، ولا تفريط في قيمنا وأخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا. وإنما عن طريق وسط عدل محمود لا يحيد ولا يميد عن بغيته وهدفه وهو فك رموز هذه الشفيرة، كيف نحقق المعاصرة دون إهدار لأصالتنا؟! فهل سنستطيع، أم سيظل المشكل قائما؟!

 

أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز