د. حسام عطا
المواسم الفنية والآثار المصرية.. الثقافة والسياحة ومجموعة البريكس
يتجدد اهتمامي بما أنجزته مؤسسة الحوار للدراسات السياسية والإعلامية مع البيت الثقافي الروسي في مصر، في إطار تحفيز دور المجتمع المصري المدني في مجموعة البريكس.
وإن أثمن عمل د. أحمد طاهر المختص بالعلاقات الدولية كما ثمنه اللواء أ.ح. حمدي لبيب رئيسي مؤسسة الحوار تفكيراً وتنفيذاً في اتجاه النظر الفاعل نحو الشرق والجنوب.
ذلك أنني كنت في الخامس والعشرين من نوفمبر 2024 أتابع بشغف فعاليات ندوة بريكس والدبلوماسية الثقافية والسياحية، مبتهجاً بالحوار الفعال من أطروحات المتحدثين والحضور رفيع المستوى.
وإذ يتجدد الاهتمام عبر الثقافة والسياحة والسفر بمجموعة البريكس لدى المجتمع المدني. وإذ يجب علينا تذكير أنفسنا حقاً بأن العالم متنوع، وأن رؤيتنا لذاتنا وللعالم عبر السفر والتعلم والدراسة والفن والإبداع تحتاج إلى النظر بعمق للشرق والجنوب كما ننظر بذات العمق للغرب، بدت لي تلك المحاولة الثنائية بين مركز مصري للدراسات من المجتمع المدني والبيت الروسي بالقاهرة هي إشارة معرفية بعيداً عن قراءة دلالات المصلحة المباشرة في عالم السفر والسياحة ومردودها الاقتصادي.
وإذ تعنيني الدبلوماسية الثقافية بسبب اهتمامي المهني الاختصاصي في المسرح والفنون، أجدد مع البيت الروسي والمؤسسة أهميتها في إطار سعي مصر عقب انضمامها في يناير 2024 إلى مجموعة البريكس وحضورها الفاعل المتمثل في السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي ورؤيته لتعدد أقطاب التعاون في السياسة الخارجية المصرية وفتح مسارات حقيقية فاعلة في الجنوب والشرق تحقيقاً لتعددية مؤثرة وفاعلة وواقعية التأثير المباشر في حيوية مصر حول العالم وذلك في القمة السادسة عشر لدول بريكس، والتي احتضنتها مدينة كازان في الفترة من 22 إلى 24 أكتوبر الماضي 2024.
وإذ تملك مصر من المقومات الثقافية والسياحية ما يجعلها قبلة للتعاون الدولي في المجالين، ربما أخصص اهتمامي بالدعوة للتركيز على قوة مصر الثقافية، وعلى نوع فريد من السياحة تتميز به مصر، وهو النوع المختص بالسياحة الثقافية.
وهي مسألة تملك فيها مصر ثلث آثار العالم التي يجب إحياء صوتها ومظهرها الثقافي، كي يعاد النظر إليها نظرة جديدة، بعيداً عن كونها أثراً مادياً تاريخياً كي تصبح أثراً حضارياً ثقافياً حياً.
وهي المسألة التي يجب التفكير فيها لإطلاق الحياة والعمق الحضاري والثقافي للمناطق الأثرية في مصر كمنظومة حية عبر إحياء ما هو مرتبط بها من فنون الأداء المصري، وذلك في فنون مصر القديمة وأيضاً في فنون مصر القبطية والإسلامية.
وهو ما يفتح المجال أمام القطاع الخاص ومؤسسات الدولة لتعاون فني إبداعي كبير يحفز الجمهور المصري في الداخل نحو السياحة الداخلية الثقافية، ونحو جذب السائح الباحث عن السياحة الثقافية لمصر من كل أنحاء العالم.
وهو الأمر المميز لمصر مع قدرتها على دعم السياحة الترفيهية للشواطئ وما إلى ذلك من مراكز جذب.
دعني أحدد بشكل دقيق أهمية أن نرى فنون الدراما والرقص المصري القديم كمواسم فنية منتظمة في الأهرامات والكرنك والمعابد المصرية القديمة، والفنون التقليدية القبطية في مسار العائلة المقدسة والملابس التاريخية للقائمين على استقبال الزوار، وكذلك في شارع المعز لدين الله الفاطمي والثقافة المصرية الإسلامية وفنونها، وما هو متاح حي ممكن للاستعادة من فنونها الشعرية والموسيقية وغيرها لتحقيق سحر فنون الأداء الذي يساهم في إحياء الأثر المادي بالفنون والتاريخ ومحاولة محاكاة أنماط الحياة التاريخية وقدرتها على جذب الزائرين، وعلى إضفاء العمق الحضاري على عملية السياحة الداخلية والخارجية، وما يتيحه ذلك من عوائد مادية ورمزية.
وفي ذلك تجديد لفاعلية الدبلوماسية الثقافية، وهي النمط المتجدد الفاعل في العلاقات الدبلوماسية القادر على تحقيق الأثر العميق والممتد في العلاقات الدولية.
وذلك لأن الدبلوماسية الثقافية قادرة بالفعل على تجاوز أهداف العلاقات العامة أو بناء الصور الذهنية وتغيير الانطباعات أو الدعاية السياسية، وذلك لقدرتها على التأثير والنفاذ العميق الممتد إلى روح الشعب الآخر والعمل على تفهمها بشكل صحيح عبر التفاعلات الثقافية الإيجابية.
وهو الأمر الذي تحقق عبر دراسة المبعوثين المصريين لروسيا عبر مجالات متعددة، وعبر الحضور الروسي الكثيف في قائمة أكثر تعداد للسياح في مصر، ولا شك أن الحضور الثقافي في مصر لتشيخوف وتولستوي وديستيوفسكي، والأثر المهني البالغ في المعهد العالي للبالية وفرقة بالية القاهرة، والفرقة القومية للفنون الشعبية وما إلى ذلك، هو ذلك الأثر العميق الذي بقى محافظاً على العلاقات الودية بين الشعبين، وهو الأمر الثابت رغم كل المتغيرات السياسية التي جرت منذ الستينات في القرن العشرين وحتى الآن وهو الأمر الذي سيبقى حاضراً في المستقبل.
وفي ذلك أمل متبادل أكبر بكثير من السياحة الشاطئية على أهميتها وقدرتها على تلبية احتياجات إنسانية مرتبطة بالراحة والاستمتاع.
وقد كان الحضور في البيت الروسي مهتماً منشغلاً بالميزان السياحي المصري الروسي المشترك، وبالتعاون الثنائي، وإمكانية جعل مجموعة البريكس مجموعة سياحية مكتملة بما تحوي من حضارات أخرى وقبلات سياحية متعددة في الحضارة الهندية والصينية على سبيل المثال.
وهو الأمر الذي تحدده المسافات القريبة والبعيدة بين دول المجموعة والتي يمكن أيضاً تسهيل السفر عبرها عبر تفعيل العملة المحلية المتبادلة والدفع نحو تأشيرات دخول ممكنة ومتجانسة وميسرة، وهو ما تحقق في تضاعف أعداد السياح العرب من المملكة العربية السعودية لروسيا أحد عشر ضعفاً خلال عام التفكير في تأملها الانضمام للمجموعة.
ولا شك أن حضور المنتدى العالمي لخبراء السياحة لهذه الندوة يمثل أملاً ممكناً في تقديم المبادرات نحو تعزيز الدبلوماسية السياحية والثقافية، في الباب الأهم الذي تملك فيه مصر مصادر وإمكانيات هائلة تحتاج فقط للتعاون الجاد والتنسيق ألا وهو مجال السياحة الثقافية كأحد أهم مجالات تعزيز حضور مصر وتعاونها المستقبلي مع دول مجموعة البريكس وجهات العالم الأربع، وفي هذا ننتظر الكثير.