عاجل
الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

محمد دياب يكتب: لحظة فارقة في تاريخ السياسة الأمريكية

محمد دياب
محمد دياب

الفرق بين البارحة واليوم أننا دخلنا رسمياً في "الحالة الترامباوية". بالأمس القريب كان السؤال المعتاد في أي محفل سياسي: هل سيكون ترامب أم هاريس؟ ديمقراطيون أم جمهوريون؟ أحمر أم أزرق؟ كانت المعركة بين الحزبين تبدو دائماً كصراع فكري سياسي وأيديولوجي تقليدي. ولكن اليوم بعد أن حكمت صناديق الاقتراع ووقع القرار الذي فيه تستفتيان أصبحنا نواجه واقعاً جديداً. ترامب فعلها وغلب الجمهوريين واكتسح الانتخابات بما لا يدع مجالاً للشك. ولكن ما هو أبعد من فوزه بالرئاسة هو ما يعكسه هذا الانتصار من تحول عميق في المشهد السياسي الأمريكي والعالمي



 

ترامب لم يفز فقط بالبيت الأبيض بل فاز أيضاً بالسيطرة على الكونجرس ومجلس النواب ومجلس الشيوخ وهي ثلاث مؤسسات تمثل قلب النظام الأمريكي. سيطرة كاملة مثل صلصال في يديه فالأغلبية الكاسحة في المجلسين هي للحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه الرئيس. ومن هنا يدخل ترامب إلى ولايته الثانية بيد من حديد حيث ستكون سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ ومجلس النواب والبيت الأبيض نقطة تحوّل محورية في شكل السياسة الأمريكية. هذه الأغلبية لا تعني فقط راحة للرئيس بل تعني كذلك سياسة خارجية ثابتة واقتصاداً يتناغم مع توجّهاته وأجندة تشريعية قابلة للتحقيق بسهولة.

ولكن هنا يأتي السؤال الأكثر عمقاً: ماذا يعني أن يكون كل شيء "أحمر"؟ أن يكون كل شيء تحت سيطرة الجمهوريين؟ هذا يعني أنه لا توجد "حصص" أو "تنازلات" سياسية. فالرئيس الجمهوري مع أغلبية جمهورية في الكونجرس سيصوغ السياسة الأمريكية كما يريد دون مقاومة كبيرة. ربما هذا هو سر راحة ترامب في ولايته الثانية حيث لن يواجه ذلك السجال المستمر الذي كان يشهده عندما كان الرئيس وكان الكونجرس تحت سيطرة الديمقراطيين

بفوزه هذا أصبح ترامب أول رئيس في العصر الحديث للولايات المتحدة الذي يستعيد كرسيه بعد خسارة فترة ولاية. وفي تاريخ الولايات المتحدة الذي لا يتجاوز 300 عام أصبح ترامب ثاني رئيس فقط يفعل ذلك بعد الرئيس جروفر كليفلاند الذي خسر فترة ثم عاد لينتصر مجدداً. 

ولكن في العصر الحديث يعتبر ترامب هو الأول ما يعني أنه استطاع أن يحقق ما لم يستطع أي رئيس آخر تحقيقه. وهو بذلك يعكس حالة نادرة من الإصرار والعزيمة يمكن اعتبارها نموذجاً في السياسة الأمريكية المعاصرة.

لكن دونالد ترامب ليس مجرد رئيس عادي، هو ليس مجرد حاكم للبيت الأبيض أو صانع قرارات في أكبر دولة في العالم. ترامب كما أراه هو "حالة" بحد ذاتها، أسلوبه وطريقته واندفاعاته وحتى غروره أحياناً تحول إلى سمة مميزة لهذا الرجل الذي صنع فارقاً في السياسة الأمريكية. 

ترامب بما له وما عليه يمثل أكثر من مجرد شخص في منصب. هو ظاهرة سياسية غير تقليدية صوت صريح يصل في كثير من الأحيان إلى الوقاحة السياسية كما وصفه العديد من المحللين لكنه أيضاً يتسم بحسمه في اتخاذ القرارات وجرأته في خوض ملفات كبرى على المستوى الداخلي والدولي

لكن وفي خضم هذا الزخم سنشهد في الفترات المقبلة "عجائب وغرائب" مواقف قد تسرنا في بعض الأحيان وقد تسيء إلينا في أحيان أخرى. ولكن في النهاية علينا أن نتعامل مع الواقع كما هو. فالحقيقة التي لا مفر منها هي أن الأمريكيين اختاروا "الحالة الترامباوية" لتقودهم لعدة سنوات أخرى والواقع كما نعلم جميعاً لا يتغير بمجرد أمنياتنا.

ما بين التحديات التي سيواجهها ترامب داخلياً وخارجياً وبين الأزمات التي قد تطرأ على مستوى العلاقات الدولية يبقى أن ترامب سيبقى شخصية سياسية محورية. ويبقى السؤال الأهم: هل ستستمر الحالة الترامباوية في التأثير على السياسة الأمريكية والعالم كما فعلت في السنوات الأربع الماضية؟

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز