عاجل
الأربعاء 16 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي

الإذاعية القديرة أمينة صبرى تتحدث عن سنوات التحول من الانكسار إلى الانتصار

«نصر أكتوبر» أعاد لنا أرضنا الغالية وعزتنا وكرامتنا فى آن واحد

كان الإعلام شاهدًا على سنوات الانكسار والانتصار، وفى القلب منه الإذاعة المصرية، حنجرة  مصر القوية التي تعدى تأثيرها النفسى والمعنوى الجغرافيا من مصر إلى الوطن العربي، وفى هذا الحوار نلتقى إحدى رائدات الإذاعة اللاتى عاصرن حرب الاستنزاف إلى ما بعد تحقيق نصر أكتوبر المجيد؛ فالإعلام كان مدفعية ثقيلة لا يقل أثره عن القتال على جبهة سيناء.. تلك الإذاعية الكبيرة هى أمينة صبرى، رئيس شبكة صوت العرب سابقًا، وإلى نص الحوار:



 

■ فى البداية.. كيف أصبحت مذيعة؟

- العمل بالإذاعة جاء بالصدفة البحتة، فأنا لم أفكر به نهائيًا، خاصةً أننى أحب كتابة الشعر والخواطر، وكان حلمى أن أصبح صحفية، إلا أن صديقتى الراحلة الأديبة الشهيرة «رضوى عاشور»، اتصلت بى وأخبرتنى عن طلب الإذاعة مذيعين ومحررين ومترجمين للعمل بها، وذلك عبر إعلان فى الجرائد، وبالفعل قررت التقدم، وتلقيت خطابًا بموعد الامتحان، وكان صعبًا للغاية إذ تضمن معلومات عامة حول التاريخ، والجغرافيا، والآداب، والثقافة، ونجحت به حتى وصلت إلى المرحلة الثانية وهى امتحان الترجمة من الإنجليزية إلى العربية والعكس، وامتحان الصوت، وبعد اجتيازهم تم تقسيمنا إلى جزءين، مذيعين وآخر محررين ومترجمين، وتم اختيارى كمذيعة.

■ عاصرت أهم الأحداث التي شهدتها مصر بعد نكسة 1967، حدثينى عن تلك الفترة؟

- انتصاراتنا المتتالية فى حرب الاستنزاف كسرت مرارة النكسة التي خيمت على الشارع المصري وجميع الدول العربية، وهو ما دفع أمريكا فى الوقت ذاته لمطالبة مصر بعقد هدنة ومفاوضات لوقف إطلاق النيران بين الجانبين.

■ كيف استقبلتم خبر عبور قواتنا المسلحة  فى 1973؟

- بالزغاريد والأحضان، والجميع كانوا فى حالة نشوة كبيرة، وبالتأكيد انتصارنا فى حرب أكتوبر 1973 من أبرز المواقف التي عاصرتها فى حياتى المهنية، فبعد إعلان خبر العبور، شعرنا بفخر شديد جدًا باستعادة أرضنا الغالية وعزتنا وكرامتنا فى آن واحد، وكنا نعمل وقتها كخلية نحل لنقل الأحداث لحظة بلحظة، فضلاً عن  إذاعة الأغانى الوطنية والمسلسلات الإذاعية.

 

 

 

■ ماذا عن أجواء الفرحة بعد إعلان نبأ العبور فى 73؟

- الإذاعيون والفنانون قدموا ملحمة وطنية فى حب الوطن؛ فالاستديوهات كانت ممتلئة عن بكرة أبيها، بالمطربين والشعراء والملحنين، ولم يكن هناك كرسى فارغ للجلوس عليه، لدرجة أن بعضهم كان يجلس على الأرض أو على مكاتبنا، فمنهم من كان يكتب ويؤلف، والآخر يلحن.

■ من كانت أبرز الشخصيات التي شاركتكم الفرحة؟

-  من المطربات شادية، ووردة، ونجاة، وعفاف راضى، والموسيقار بليغ حمدى، والملحن والمؤلف كمال الطويل، والشعراء عبدالرحمن الأبنودى، وعبدالرحيم منصور، وكانت المحطات الإذاعية كلها متوحدة وأصبحت إرسالًا واحدًا احتفالًا بالنصر العظيم، وجميع هؤلاء لم يتقاضوا مليمًا واحدًا.

■ كيف بدأت العمل بـ«صوت العرب»؟

- عقب اختيارى كـ«مذيعة»، اجتزت امتحانًا خاصًا بتوزيعنا على الإذاعات، أمام اللجنة المشكلة من الإذاعيين عبدالحميد الحديدى، وبابا شارو، وجلال معوض، ومهدى علام، وحافظ عبدالوهاب، وتم اختيارى للعمل فى إذاعة «صوت العرب» نظرًا لاهتماماتى العربية.

■ عرفينا أكثر عن «صوت العرب»؟

- هى ليست إذاعة فقط وإنما أكاديمية تعليمية، تضم أساتذة على أعلى مستوى من الثقافة والفكر، فجميعهم أدباء وشعراء، وبمثابة موسوعة علمية، حيث كانوا يتسامرون مع بعضهم البعض بالشعر بخفة دم ومحبة، وأنا كنت أجالسهم للاستماع لطريقة حديثهم وأطلع على الكتب التي يتحدثون عنها فى الاقتصاد والسياسة والشعر، حيث إننى محبة للقراءة ومن أسرة مثقفة، وحرصت على الذهاب إلى المكتبة للبحث عن تلك الكتب لقراءتها ومشاركتهم الحديث عنها، وكانوا سعداء جدًا بما فعلت، وعندما وجدوا لدى شغف بالمعرفة، فأصبحوا يوجهوننى وينصحوننى بكتب معينة.

■ وما رأيك تجاه هدف «صوت العرب» حول القومية العربية؟

- فكرة أن هناك وحدة مصير وتاريخ ومصلحة بين العالم العربى أمرًا لا شك فيه، ولا أتحدث هنا عن الوحدة السياسية، وإنما وحدة الأهداف والمصالح، فنحن العرب أمة واحدة تجمعنا لغة ودين وعادات وتقاليد، ولذلك أنا مؤمنة بأن العرب لو استطاعوا توحيد مصالحهم سيصبح العالم العربى شيئا آخر، وهذا كان هدف «صوت العرب».

■ لـ«صوت العرب» دور كبير فى تحرير بعض الدول الشقيقة من الاستعمار، فكيف كان ذلك؟

- الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، أطلق إذاعة «صوت العرب» لنشر فكرة القومية والمصلحة العربية، ووجهة النظر المصرية تجاه الأمة العربية وتحررها من الاستعمار، خاصةً أن وقتها كانت هناك دول كثيرة غير محررة مثل اليمن والجزائر، فالزعيم الراحل كان يدرك أن القوى متعددة الأشكال والأدوات، وظهر ذلك فى قوله: «أحارب بالجيش وصوت العرب»، فالقوى نوعان إما ثقيلة تحمل السلاح أو ناعمة ممثلة فى الفن والإعلام.

ولم تكن «صوت العرب» إذاعة فقط، وإنما كانت أداة متعمقة فى مسألة تحرر الوطن، وأسهمت فى تحرير دول عربية كثيرة من الاستعمار، وأتذكر حينما كان يسافر الإذاعى الكبير أحمد سعيد، إلى أى دولة من الدول العربية المحتلة، كانت سيارته تحمل على الأعناق احتفالًا به بسبب «صوت العرب»، وحينما كنا نذهب لعمل حفلات لصالح فلسطين أو حدث فى الجزائر لا أحد يتخيل كم الاحتفال بالوفد المصري، فضلًا عن أن كثيرًا من الدول العربية لم يكن لديها إذاعات خاصة بها فى تلك الفترة.

■ ما أبرز المواقف التي لا تنسى من زياراتك للدول العربية المحتلة؟

- إطلاق اسم «صوت العرب» على بعض الأشخاص فى الجزائر كانت من أبرز المواقف التي لا أنساها، وقد كان الاستعمار الفرنسى وقت ثورة التحرير يمنع الجزائريين من سماع الراديو، وكانوا يرسلون الجواسيس فى الشوارع ليتصنتوا على البيوت والمقاهى ليعرفوا ما إذا كان أهلها يستمعون إلى الإذاعة العربية أم الفرنسية، وكان المواطنون يختبئون حتى يستمعوا إلينا.

وفى اليمن، تصادفت برجل لديه ابنتان، إحداهما تدعى «حقائق» والأخرى «أكاذيب»، إذ تم تسميتهما على اسم برنامج الإذاعى أحمد سعيد «أكاذيب تكشفها حقائق»، تأثرًا بصوت العرب.

وكان المواطنون فى الجزائر واليمن، لا يشترون الراديو إلا بعدما يتأكدون أن به تردد «صوت العرب»، خاصةً أن ثورة الجزائر كانت جزءًا منها فى الداخل وآخر فى الخارج يحارب فى المحافل الدولية، فكانوا يعرفون أخبارهم عن طريق «صوت العرب»، ولهذه الدرجة كانت مؤثرة لأن الرسالة كانت صادقة وحقيقية ولمصلحة الجميع.

 

 

 

■ تصادف عملك أمام الميكروفون بالكثير من الأحداث، ما أهمها؟

- بالتأكيد غزو العراق للكويت «من أحزن المواقف التي مرت على خلال مسيرتى المهنية»، إذ بكينا كثيرًا وقتها وألغينا كل البرامج، ونفس الأمر تكرر أثناء غزو أمريكا للعراق.

أما حين انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان، علمنا بالأمر واتصلت برئيس الإذاعة اللبنانية، وطالبته بالمشاركة فى متابعة الحدث على الهواء مباشرة، وكان يريد وقتها أن يكون السبق للإذاعة اللبنانية، إلا أنه وافق على أن يكون إذاعة الخبر على «صوت العرب» مع إذاعة لبنان، حتى يعرف الأخبار كل العرب، وعملنا مداخلات مع الفنانين والمثقفين، ورصدنا الفرحة والبكاء ولقاءات الأهالى فى بيروت وجنوب لبنان، والتي كانت إسرائيل تمنع عبورهم، وأذكر أن وقتها رئيس جمهورية لبنان كرمنى وأعطانى وسام تقدير على هذه التغطية.

■ كنت أول امرأة تتولين رئيس «صوت العرب».. ماذا كانت خطتك لتطويرها؟

- طول عمرى هدفى يتمثل فى أمرين، الأول يتمثل فى تطوير الفكر المنطقى والعلمى لدى الإنسان العربى، لأن معظم تفكيرنا عشوائى وليس علميا مبنيا على مسببات، فالمنطق والتفكير العلمى أهم شىء، أما الأمر الثانى فهو إعطاء الفرصة للشباب حتى لو أخطأوا عليهم أن يتعلموا، وهذا ما حاولت فعله قدر المستطاع، هذا إلى جانب أساسيات وأهداف «صوت العرب» ومبادئها، والتي تشمل الفكر العربى والموضوعية والثقافة العربية.

■ «حديث الذكريات» أهم برامج «صوت العرب».. كيف كانت أبرز اللقاءات التي قمت بإجرائها؟

- أتذكر لقائى مع الفنانة شادية، للحديث عن شائعة وفاتها فى رحلة علاجية بالخارج، حينما عادت إلى مصر تحدثت إلى الإعلامى أمين بسيونى رئيس التليفزيون وقتها، وعرض عليها لقاءً تليفزيونيًا لكشف الحقائق للرأى العام، إلا أنها رفضت وطلبت بعمل لقاء إذاعى من خلال برنامجى، لأنها تحب الحديث معى لأننى سأجعلها تتحدث بحريتها، وبالفعل كلمنى وأخبرنى بالأمر، وذهبت لأسجل معها الحلقة ووجدتها حزينة وغاضبة جدًا من هذه الشائعة، إلا أننى حاولت تهدئتها وبالفعل نجحت وتحدثت معى عن هذه الشائعة ومشوارها الفنى، وأخبرتنى بمدى شعورها بالفخر بمشوارها وإنها مؤمنة بعملها، إلا أنها حينما مرضت وسافرت للخارج كان الأطباء لديهم شك فى إصابتها بمرض خطير، وهذا جعلها تقدم نذرًا إلى الله بجعل كل أعمالها وأموالها وحياتها للأعمال الخيرية، ولم تعتزل الفن، وكان لا بد أن توفى بالنذر وفعلًا عملت مشاريع خيرية كثيرة وفرغت نفسها لهذه الأعمال، ولم تقدم إلا أغنية دينية محمدية بعنوان «خد بإيدى».

■ برنامجك كان له السبق فى تقديم حكايات المشاهير.. أليس كذلك؟

- «حديث الذكريات»، كان له الريادة فى كل شيء، فهو أول برنامج يحكى سيرة إنسان ناجح، بعدها تم تقليده فى إذاعات وقنوات كثيرة، فأنا إنسانة أحب الثقافة وكان البرنامج يساعدنى على مستويين أولًا القراءة حيث إزدادت معرفتى وثقافتى بقراءتى عن الضيوف قبل اللقاء، ثانيًا زيادة خبرتى واتساع أفقى حينما أقابل الضيوف وأعرف عن طريق كفاحهم وتخطيهم للعوائق، ومن ضمن هؤلاء الذين تأثرت بهم الكاتبة والأديبة سهير القلماوى، السيدة التي لا تعرف القراءة والكتابة باللغة العربية ورغم ذلك استطاعت أن تحصد المركز الأول فى قسم اللغة العربية بعدما تعلمت وكانت حينما تعد بحثًا تكتبه باللغة الإنجليزية ثم تترجمه إلى العربية، والدكتور عبدالحميد يونس رائد الفن الشعبى، والذي كان بصره ضعيفا للغاية والأطباء نصحوه بعدم القراءة، إلا أنه يحبها كثيرًا وهذا جعله يشترى نظارة مكبرة ولمبة قوية ويقرأ بالحرف وليس بالكلمة حتى فقد بصرة تمامًا، ومع ذلك المعرفة لديه أهم من بصره.

كما أن هناك ضيوفًا أثرت فيهم مثل الكاتب الكبير يوسف إدريس، الذي اتصلت به هاتفيًا وكنت أعلم أنه لا يحب إجراء لقاءات إلا أنه وافق على التسجيل معى، لسبب واحد فوجئت به أن معه جواب لى من الأديب السودانى الطيب صالح، وقال لى: «عايز أشوف مين دى اللى بيتكلم عليها الطيب صالح، وقال له عندكوا مذيعة مثقفة لازم تفتخروا بها»، كما أثرت فى الشاعر الكبير نزار قبانى، حينما سجلت معه حلقة، فأهدانى مجلدًا به أعماله كاملة وقتها وكتب إهداء مضمونه «إلى من فهمت شعرى كما أريد أن يفهم إلى الإذاعية المثقفة أمينة صبرى».

■ ماذا عن توليك منصب رئيس لجنة الإذاعة فى اتحاد إذاعات الدول العربية؟

- استطعت تولى هذا المنصب بالانتخاب، وكنت أول امرأة تجلس على هذا الكرسى، وأهدافى كانت ضمن برنامج اتحاد إذاعات الدول العربية وتشمل الإعلام من إذاعة وتليفزيون، ومن ضمن الأشياء التي حاولنا تنفيذها الربط بين الإذاعات العربية فى المناسبات والأحداث الكبيرة سواء رياضة، فن، ثقافة، علم، بحيث كل العرب يشاهدون حدثًا معينًا ومجانًا.

■ من الملاحظ اهتمامك بتقديم العديد من البرامج الغنائية.. كيف ترين الأمر؟

- بالفعل، اهتمامى كبير بتيار الغناء العربى وتاريخه، ولدى مكتبة من أهم مكتبات الأغانى العربية فى العالم العربى، وبها أغان نادرة، ولذلك غذيت الإذاعة المصرية بعشرين ساعة من الأغانى غير الموجودة فى مكتبات الإذاعة العربية من مكتبتى الخاصة، من خلال تقديمها فى برامجى الغنائية، مثل برنامجى «كنوز النغم»، «سلطنة»، «أغانى وأغانى»، «أغانى من دهب»، و«لآلئ على أوتار عربية».

وأناشد الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وهى مهتمة كثيرًا بالفن المصري وأن يأخذ مكانته المهمة والمؤثرة، بعمل قناة خاصة بالغناء المصري والعربى القديم والحديث لمحبى الأغانى.

■ هل حققت حلمك بالعمل فى الصحافة؟

- بالفعل، كتبت مقالات كثيرة لأنى أعشق الصحافة والكتابة، وبرنامجى الإذاعى «حديث الذكريات» قمت بتحويله لكتاب، تضمن عشر شخصيات ممن سجلت معهم، مثل الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب، والفنان دريد لحام، وغيرهما.

 

السيرة الذاتية

 

■  ولدت الإذاعية أمينة صبرى عام 1954، وحيدة لأبوين حرصا عليها بشدة،  التحقت بمدارس الراهبات ثم كلية البنات بالزمالك.

■  تخرجت فى كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، واجتازت اختبارات الإذاعة من خلال لجنة مكونة من الإذاعى عبدالحميد الحديدى، وآخرين ورشحها للعمل بإذاعة صوت العرب.

■ اجتازت امتحانات اللجنة للعمل بالإذاعة، وتم ترشيحها للانضمام لـ»صوت العرب» لاهتماماتها بالشؤون العربية عام 1968.

■ أول امرأة تتولى منصب رئيس شبكة صوت العرب، كما تولت منصب رئيس لجنة الإذاعة باتحاد إذاعات الدول العربية.

■  قدمت العديد من البرامج الإذاعية الناجحة والشهيرة منها «حديث الذكريات»، وأجرت العديد من اللقاءات مع رموز الفن والأدب مثل المطربة شادية، يوسف إدريس، الأديب السودانى الطيب صالح، الشاعر الكبير نزار قبانى، الكاتبة والأديبة سهير القلماوى.

■ آمنت برسالة «صوت العرب» ودورها فى تحرير كثير من الدول العربية، وأصدرت كتاب «حديث الذكريات»، وهو نفس عنوان برنامجها، وكتبت العديد من المقالات فى الصحف.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز