مواقف فضحت نواياها.. أمريكا تحول عبء أوكرانيا إلى أوروبا
منيرة الجمل
نشر موقع جلوبال ريسيرش الكندي، مقالا للباحث في علم الأنثروبولوجيا "أورييل أراوجو"، عن رغبة الولايات المتحدة في تحويل عبء أوكرانيا إلى دول أوروبا.
وبدأ الباحث مقاله بتصريح الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "ينس ستولتنبرج" بشأن استخدام أوكرانيا للصواريخ بعيدة المدى: "أرحب بهذه التطورات والقرارات، ولكن القرار النهائي يعود إلى الحلفاء الأفراد."
وبحسب الباحث، يقصد ستولتنبرج بذلك دول أوروبا، مؤكدا أن أمريكا بدأت نمط جديد يهدف إلى تحويل العبء واللوم إلى أوروبا.
ونوه الباحث بأن الشراكة والصداقة الأوروبية الأمريكية تتألف من تحالف غريب إلى حد يشبه العداوة المبطنة، موضحا أن واشنطن لا تمتنع عن استخدام العمليات الإرهابية علناً ضد قوة أوروبية كبرى مثل ألمانيا، دون عواقب، مثل تفجير خط أنابيب نورد ستريم، كما وعد الرئيس الأمريكي جو بايدن بنفسه. وكان هذا التفجير عمل تخريبي ضخم، والذي كان من تدبير واشنطن، وفقًا للصحفي الحائز على جائزة بوليتسر سيمور هيرش.
خيانة أوروبا
كذلك أبرز الباحث "أراوجو" المهتم بالصراعات الدولية والعرقية، شن أمريكا حربا ضد الصناعة الأوروبية من خلال قانون خفض التضخم، في حين تعمل على تعزيز مصالحها في مجال الطاقة على حساب القارة.
ورغم أن هذه الخيانة لأوروبا تتفق مع السجل التاريخي لواشنطن فيما يتصل بالشركاء، وأخذنا في الاعتبار كل ما سبق، فيمكننا الزعم أنه ليس من المستبعد على الإطلاق وصف العلاقة بين الولايات المتحدة و"حلفائها" الأوروبيين عبر الأطلسي بأنها تحمل طابعاً استعمارياً، وفق الباحث.
نقل كاتب المقال وصف أستاذ الشؤون العالمية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز "هال براندز" الدور الذي تلعبه القوة المهيمنة الحميدة الأمريكية من خلال تخيل القارة الأوروبية "بدون احتضان واشنطن" ثم العودة إلى "الماضي الفوضوي وغير الليبرالي".
وقال هال براندز في وصفه: "ما هي أوروبا الحقيقية؟ القارة السلمية والديمقراطية والموحدة في العقود القليلة الماضية؟ أم أوروبا المجزأة والمتقلبة والمليئة بالصراعات والتي كانت موجودة لقرون قبل ذلك؟ إذا فاز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ... فقد نكتشف قريبًا ... أوروبا ما بعد أمريكا ... قد تعود في النهاية إلى الأنماط الأكثر قتامة وفوضوية وأقل ليبرالية من ماضيها ... لقد نسي العديد من الناس - الأمريكيون بشكل خاص - مدى اليأس الذي بدت عليه القارة ذات يوم ... كانت أوروبا أرض "الحروب الأبدية" والمشاكل التي لا تنتهي ... قارة ملعونة ... كسرت الحماية العسكرية الأمريكية حلقة العنف المهلكة من خلال حماية أوروبا الغربية من موسكو - ومن غرائزها المدمرة للذات ... قال المستشار الألماني الغربي كونراد أديناور في عام 1949 إن الأمريكيين هم "أفضل الأوروبيين" ... بدأ التحول بالديمقراطية القسرية لألمانيا الغربية تحت احتلال الحلفاء.
وتابع براندز: "لقد كان هذا يشمل استخدام مساعدات خطة مارشال لإحياء الديمقراطيات الهشة واستقرارها... وكان هذا حلاً أمريكياً فريداً لمشاكل أوروبا. وساعد التدخل الأمريكي في تحويل "القارة المظلمة" إلى جنة ما بعد التاريخ في قلب نظام ليبرالي متوسع"
وأكد الباحث أن الأمر يبدو وكأنه دفاع عن عبء الرجل الأمريكي، ويتجاوز بكثير السلام الأمريكي. وأن هؤلاء البرابرة الأوروبيين غير قادرين على تنظيم أمورهم وسوف يعودون بشكل طبيعي إلى طرقهم القديمة غير الليبرالية.
ووصف الباحث المقارنة بين خطاب براند والخطابات الاستعمارية الأوروبية حول شعوب العالم الشرقي أو الجديد بالمغرية، ففي حين يصور بعض الأوروبيين الغربيين حضارتهم على أنها حديقة وبقية العالم على أنه غابة، فإن العديد من الشخصيات داخل المؤسسة والنخبة المثقفة للنظام الأمريكي ينظرون إلى أوروبا على أنها "قارة مظلمة".
المصلحة الأمريكية
ورأى الباحث أنه بمجرد فهم الهيمنة الأمريكية على أوروبا باعتبارها ذات طابع استعماري، بطريقة حرفية، فإنه يصبح قادراً على فهم عالم اليوم بشكل أكثر وضوحاً. على سبيل المثال، فيما يتصل بالتصرفات الأمريكية المتعلقة بجورجيا وأوكرانيا، نعلم أن زعماء أوروبيين رئيسيين مثل المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي حذروا من ذلك لعدة أسباب ــ ولكن في نهاية المطاف كان للرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش أن ينفذ ما يريده، وسادت المصلحة الأمريكية، كما يحدث في كثير من الأحيان.
استرجع الباحث إعلان قمة حلف شمال الأطلسي في بوخارست عام 2008 الذي جاء فيه:
"يرحب حلف شمال الأطلسي بتطلعات أوكرانيا وجورجيا الأوروبية الأطلسية للعضوية في حلف شمال الأطلسي. لقد اتفقنا اليوم على أن تصبح هذه الدول أعضاء في حلف شمال الأطلسي".
وكانت النتيجة في ذلك الوقت هى الصراع الروسي الجورجي عام 2008 - ويمكن اعتبار أن عامي 2014 و2022 هما أيضًا جزء من نتائج اتجاه مستمر، ألا وهو توسع حلف شمال الأطلسي. ومن المفارقو، استمرار التعاون الاستراتيجي الروسي الأوروبي في مجال الطاقة حتى عام 2021.
وتساءل الباحث كيف يسمح الأوروبيون بحدوث مثل هذه الكارثة؟ ولماذا لا يقفون في وجه الأمريكيين؟، مؤكدا أن الجواب بسيط للغاية. فكما قال جون ميرشايمر، أستاذ العلوم السياسية الشهير في جامعة شيكاغو، بعبارات صريحة: "الولايات المتحدة تدير حلف شمال الأطلسي، والأوروبيون يفعلون ما نقول لهم" (شاهد الفيديو أدناه، في الدقيقة 1:59).
تصدير الأسلحة الأمريكية
ورأى الباحث أن الانسحاب الأمريكي الحقيقي من أوروبا لن يحدث، مشيرا إلى أن ما يحدث الآن هو أن واشنطن تعمل بمهارة على تحويل عبء الأزمة الأوكرانية إلى أكتاف الكتلة الأوروبية (وهو ما سيكون له تأثير على رفاهة أوروبا ومستوى المعيشة)، في حين تستفيد من الأزمة في نفس الوقت ــ من خلال زيادة اعتماد الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي على الولايات المتحدة لشراء الأسلحة الأمريكية امتثالا لمعايير حلف شمال الأطلسي.
ولفت الباحث إلى ارتفاع التكاليف السياسية والاقتصادية والأخلاقية المتعلقة بالجهود الأوكرانية، فضلا عن خطر التصعيد غير المنضبط الذي قد يؤدي إلى حرب نووية.
وحذر الباحث، في نهاية مقاله، من تحويل أوروبا نفسها إلى وكيل أمريكي كامل الأهلية في الحرب ضد روسيا، كما وصفها السفير الأمريكي السابق في فنلندا "إيرل ماك".