عاجل
الخميس 10 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي

تكاليف إضافية تثقل الأسر .. والحلول ممكنة

"السبلايز".. من الاحتياجات التعليمية إلى أدوات للترف والتمييز الاجتماعي

-التربح من التعليم سبب رئيسي لأزمة الطلبات المدرسية المبالغ فيها



-المدارس تفرض شراء مستلزمات باهظة الثمن بدلاً من توفيرها مما يزيد العبء على أولياء الأمور

-زيادة الطلبات المدرسية تؤدي إلى ضغوط نفسية على الطلاب والأسر، بما في ذلك شعور بالحرج والدونية

-التعليم كان في الماضي قيمة أساسية، أما اليوم فقد تحولت بعض المدارس إلى تجارة تستغل الأسر

-المبالغة في الطلبات المدرسية قد تعزز ثقافة الاستهلاك والأنانية بين الطلاب

بينما كنت في متجر لبيع الأدوات المدرسية، لفت انتباهي نقاش حاد بين زوجين بجواري. كان الأب يصرخ بغضب: "كل المبلغ دا على أدوات مدرسية؟! إزاي يعني؟! كل ده على حاجات مش هنستخدم منها غير نصها!"، لترد الأم بنبرة دفاعية: "المدرسة هي اللي طالبة كل ده! ماينفعش يروحوا المدرسة ناقصين عن زمايلهم!".

تصاعدت حدة الحوار، ليكشف حجم المعاناة التي يعيشها العديد من الأسر في محاولاتهم للتوفيق بين متطلبات المدارس المبالغ فيها وقدراتهم المادية. هذا المشهد يعكس أزمة "السبلايز" التي تحولت من احتياجات تعليمية أساسية إلى وسائل للترف والتمييز الاجتماعي بين الطلاب، وعبء إضافي على الأسر .

 

وانطلاقًا من هذا، طرحت بوابة روزاليوسف سؤالاً على إحدى جروبات الأمهات (الماميز) لرصد معاناة الأسر مع ظاهرة "السبلايز". وكان السؤال: "ما أكبر التحديات التي تواجهونها نتيجة المبالغة في الطلبات المدرسيـة؟".

أمهات: الطلبات المدرسية تتجاوز المعقول

غادة، أم لطفلين، تعبر بسخرية عن ذهولها من كمية المناديل والمعقمات المطلوبة في قائمة الأدوات المدرسية لأحد أطفاله، قائلةً: "هو رايح يتعلم ولا يعمل قلب مفتوح لزمايله! الطلبات مبالغ فيها، ومش عارفة بيستخدموها في إيه، عندي ولد في كي جي 2 وواحد في ابتدائي، حد يقولي هيعملوا إيه بكل الكمية دي من المعقمات والمنظفات والمناديل المبللة!"وتكمل غادة قائلةً: "المدرسة طالبة ورق A4 أبيض وملون، واسكتشات رسم بكل الألوان والمقاسات، دا غير الأقلام العادية وأقلام السبورة، والحكول، والصمغ، والانش بوكس، والمعقمات، والمعطرات ..ربنا يرحمنا"!

 

من جانبها، قالت إيمان، أم لطفلـة : "الطلبات السنة دي عدت الـ3000 جنيه، والمدهش إن المدرسة بتطلب ماركات بعينها، وأغلب الماركات دي غالية لأنها مستوردة."  وتتابع: "بحاول أستبدل الماركات المستوردة بمنتجات محلية، بس في الآخر لازم أجيب كل الأدوات المطلوبة."

 

أما سحر، أم لثلاثة أطفال، فتقول: "الطلبات بقت غير منطقية، ومش مناسبة مع أعمار الأطفال. المدرسة طالبة من ابني اللي في كي جي أوراق A4 أبيض وملون، طيب طفل في السن ده هيعمل بيهم إيه!" وتضيف: "ولادي التانيين في إعدادي، ورغم كده طالبين منهم أدوات بتستخدم عادًة للأطفال في الحضانة مش في إعدادي !"

 

وترى أميرة، أم لطفلين، أن المستلزمات المدرسة "السبلايز" أصبحت تمثل عبئًا كبيرًا على الأسر، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية. وتقول: "أنا عارفة إن الأدوات المدرسية مهمة، بس الموضوع زاد عن حده. مطلوب مني أجيب للولاد ألوان خشب وفلوماستر، ودستتين أقلام رصاص، واسكتشات بكل المقاسات والألوان، دا غير أقلام السبورة والمناديل الورق والمبللة، والمعقمات." ثم تسألت بدهشة : مش المفروض المدرسة هي اللي توفر المستلزمات دي؟ أمال احنا بندفع مصاريف ليه؟”. وفي ختام حديثها، ناشدت الأم أميرة، المسؤولين في المدارس، بضرورة التركيز على تعليم الطالب بدلاً من التحميل الزائد على الأهالي، مؤكدًة أن التعليم يجب أن يكون الأولوية، وليس التفاخر بالأدوات.

 

استغاثة من “اتحاد أمهات مصر”

وفي السياق نفسه، نشرت إحدى الأمهات فيديو على جروب "اتحاد أمهات مصر"، تسرد فيه معاناتها مع متطلبات المدرسة، قائلة: "هل من المعقول أن يحتاج طفل في كي جي إلى ثلاث مقصات مختلفة؟ وهل يحتاج ألوان باستيل، وخشب، وفلوماستر، وأكليريك؟ هو أنا مخلفة بيكاسو؟" وتتابع قائلة: "يطلبون كمية خيالية من الجلو (اللصق).  دول لو كانوا عايزين يلصقوا ابني في المدرسة، مش هيحتاجوا كل الكمية دي من اللصق!" . وتوجه في نهاية حديثها رسالة إلى المعنيين، قائلة: "راعونا، إمكانياتنا أصبحت لا تسمح."

 

أثار الفيديو تفاعل الأمهات اللاتي يعانين من  الأزمة نفسها، حيث عبرن عن غضبهن في التعليقات بعبارات تكشف حجم المعاناة. تقول إحدى الأمهات: "المدارس تطلب السبلايز إجباريًا، وإذا لم يجلب الطلاب ما يحتاجونه، يُحرَمون من الأنشطة. وكل أسبوع  مناديل وديتول وصابون للحمام!"

 

وتعلق أخرى: "أولادي في المرحلة الثانوية، ويجب علينا شراء ديتول، وصابون، ومناديل، ودهانات، وإذا لم نحضرها، لن يحصلوا على دوسية التقديم للمرحلة الثانوية. أصبحت الأمور فوق طاقة العقل!" .

 

جانب من التعليقات الغاضبة:

 
 
 
 

 

مؤسس ائتلاف أولياء الأمور: المستلزمات المدرسية أصبحت تُطلب بماركات معينة، وعلى كل ولي أمر الشراء حسب قدرته

من جانبها، صرّحت داليا الحزاوي، مؤسسة ائتلاف أولياء أمور مصر، أن بعض المدارس تطلب من أولياء الأمور كميات كبيرة من المستلزمات المدرسية، وغالبًا تكون بماركات معينة باهظة الثمن. 

 

وأضافت الحزاوي في تصريحات لها : "تشمل هذه المستلزمات معطرات الجو، المناديل، والمنظفات، وهي أمور يجب أن توفرها المدرسة للطلاب، وليس من مسؤولية أولياء الأمور شراؤها. وعلى المدارس مراعاة الظروف المالية لأولياء الأمور". وفي ختام حديثها، وجهت الحزاوي نصيحة لأولياؤ الأمور قائلة: "على كل ولي أمر شراء ما يناسب قدراته المالية فقط

 

تجاوز تربوي وتعليمي

تشير الدكتورة ريهام عبد الرحمن، استشاري التربية والعلاقات الأسرية، في تصريحات لبوابة وزر اليوسف، إلى أن ظاهرة المبالغة في الأدوات المدرسية أو ما يعرف حديثًا بالـ'سبلايز' تعد ظاهرة مستجدة على المجتمع، لم تكن موجودة من قبل، وتشكل تهديدًا كبيرًا من الناحيتين التربوية والنفسية.

 

 وتضيف: أصبحت المظاهر هي المسيطرة على جميع جوانب حياتنا، حيث يبدو أن المدارس تتسابق في زيادة عدد الأدوات المُدرجة في قوائمها، وكأن ذلك يعزز من صورتها ومكانتها المجتمعية، دون أي مراعاة للضغوط التي تقع على كاهل أولياء الأمور.

 

وتعتبر الدكتورة ريهام عبد الرحمن، أن مبالغة المدارس في تحديد الأدوات المدرسية التي تطلبها من أولياء الأمور، إلى حد فرض ماركات معينة، يمثل تجاوزًا لدورها الأساسي في التعليم والتربية.  فالتربية تأتي قبل التعليم، وظاهرة 'السبلايز' جعلت العملية التعليمية تبدو سطحية؛ حيث بات التركيز ينصب على الأدوات الباهظة الثمن، بدلاً من الجوهر التعليمي. وتتابع: التعليم هو غرس القيم والتقاليد الحسنة والمعرفة، ويمكن تحقيق ذلك بأقل التكاليف. أما المبالغة في الطلبات التي تثقل كاهل الآباء وتشغل الطلاب بأمور ثانوية، فهي بعيدة كل البعد عن جوهر العملية التعليمية.

 

التربح من التعليم سبب الأزمة .. وظاهرة السبلايز تخلق عقدًا نفسية

وفيما يتعلق بأسباب التغير في متطلبات المدارس مقارنة بالماضي، أوضحت الدكتورة ريهام، أن التربح من العملية التعليمية والنظر إليها كتجارة، يعد من أبرز العوامل التي أسهمت في تفاقم هذه الأزمة، وهو ما يختلف تمامًا عن طبيعة التعليم في الماضي. وتقول: "في الماضي، لم يكن التعليم تجارة، أما الآن، تستغل بعض المدارس الطلاب وأولياء الأمور، وتفرض عليهم شراء مستلزمات مدرسية من المفترض أن توفرها المدرسة نفسها، وليس أولياء الأمور".

 

ترى الدكتورة ريهام أن المبالغة الطلبات المدرسية التي تفرضها المدارس على أولياء الأمور، قد تحمل  العديد من الأبعاد النفسية الخطيرة.وتوضح: في بعض الأحيان يلجأ أولياء الأمور إلى استبدال الماركات الباهظة الثمن  بمنتجات محلية، مما قد يسبب  للطالب الشعور بالحرج بالدونية ومقارنة نفسه بالآخرين ، خاصة إذا كان له زملاء  يستطيعون شراء المستلزمات بالماركات الفاخرة. هذا الأمر قد يؤدي إلى عدم رضا الطالب، وفقدان الثقة في نفسه وفي والديه الذين لم يتمكنوا من تلبية تلك الطلبات كما ينبغي .وتؤكد أن هذه الظاهرة أصبحت أداة للتفاخر بين الطلاب وتعزز من ثقافة الاستهلاك والأنانية .

 

الحل في البدائل.. وتعزيز تقافة الامتنان ضرورة

وفي نهاية حديثها، قدمت الدكتورة ريهام مجموعة من النصائح لأولياء الأمور، للتعامل مع الضغوط النفسية التي تفرضها الطلبات المبالغ فيها تتضمن:

 

ـ تحديد ميزانية محددة للمستلزمات المدرسية، والاتفاق على الأشياء التي سيتم شراؤها، والاقتصار على الضروريات فقط، وعدم شراء ما يتجاوز قدرتنا المالية.

 

-البحث عن بدائل للمنتجات والماركات الباهظة، واستبدالها بمنتجات محلية ذات جودة وسعر مناسب.

 

-تجنب الحديث أو الشجار حول أمور الشراء أمام الأطفال، فقد يشعر بعض الأطفال الحساسين بلوم الذات لكونهم سببًا في مشاكل بين الوالدين بسبب مستلزماتهم الدراسية.

 

-تعزيز ثقافة القناعة والامتنان لدى الطفل، وزيادة ثقته في نفسه حتى لو لم يتمكن من الحصول على الأدوات المدرسية الفاخرة.

 

 

 

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز