عاجل
السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
التطويق الاستراتيجى للقرن الإفريقى

التطويق الاستراتيجى للقرن الإفريقى

من مصر للقرن الأفريقى.. مسافة السكة.



لا تعادى مصر ولا تعمل على الاستعداء. لكن تحقق مصر مطالب الجيران، وتعمل على تلبية أى دعوة فى هذا الإطار. 

الأمن القومى المصري خط أحمر. سبق وأكدت القاهرة كل ما يتعلق بهذا الخصوص. والقرن الأفريقى امتداد أصيل للأمن القومى المصري.

 

طلبت الصومال مساعدات مصرية. طلبت الاستعانة بخبرات القاهرة فى تدريب جيشها، وفى الاستفادة من التجربة المصرية فى الحرب على الإرهاب. وطلبت أيضًا مساعدات مختلفة فى قطاعات أخرى وعلى مسارات عدة. 

ومن الصومال إلى إريتريا المعادلة على امتداد الخط تكتمل. اتفاقيات مع مقديشيو وتوافق كامل فى الرؤى مع إريتريا. 

مرة أخرى لا تعمل القاهرة على الاستعداء. لا تعمل مصر إلا وفق سياسات رشيدة، ووفق أخلاقيات معروفة. 

لكن معادلات الرشد الأخلاقية لا تعنى بأى حال من الأحوال التفريط فى حق، أو غض البصر عن أية محاولات للعبث فى المناطق المحيطة، وفق طموحات موهومة.

(1)

منذ أيام رحب مجلس السلم والأمن الأفريقى بعرض مصر وجيبوتى إرسال قوات خاصة لحفظ السلام فى الصومال. 

تعمل الصومال على تعويض خروج بعثة الاتحاد الأفريقى لحفظ السلام التي ستنسحب من أراضيها يناير 2025.

القوات الإثيوبية كانت ضمن قوات تلك البعثة. 

المنتظر بعثة أخرى تحت إشراف الأمم المتحدة. منتظر ألا توافق مقديشيو على مشاركة إثيوبيا فى تلك القوات، بينما القوات الإثيوبية متواجدة بالفعل على الأراضى الصومالية، طبقًا للاتفاق القديم.

إثيوبيا تعمل على بقاء قواتها، بمبررات مختلفة وبأكثر من حجة، بينما الرفض الصومالى لبقاء القوات الإثيوبية مستحق وطبيعى وعادى، من منطلق حرية الدولة الصومالية وسيادتها على أراضيها، خصوصًا بعد أزمة الاتفاق الإثيوبى مع إقليم «أرض الصومال» الساعى للانفصال. 

أرض الصومال إقليم انفصالى غير معترف به على المستوى الدولى والعربى والمصري. الاتفاق الإثيوبى مع الإقليم، وصولًا لقاعدة إثيوبية على البحر الأحمر كان غير قانونى وغير شرعى. 

ليس فقط اتفاقًا خارجًا على القانون، لكنه فى الوقت نفسه اعتداء على سيادة دولة الصومال، وتهديد واضح لوحدة أراضيه. 

طلبت الصومال المساعدات المصرية. 

لم يحدث أن طلب أحد مساعدة القاهرة دون أن تمد أيديها بالسلام والتعاون. الدور المصري معروف والخبرة المصرية فى محاربة الإرهاب معتبرة. وهى التجارب التي يمكن للصومال الاستعانة بها، والاستفادة منها.

لذلك قالت الصحافة الصومالية، وقتما كان الرئيس الصومالى فى مصر، منذ أيام إن هناك تعطشًا صوماليًا للدور المصري. 

فى الصحافة الأوروبية، أطلقوا على الوصول المصري إلى الصومال «تطويقًا استراتيجيًا» للقرن الأفريقى على العموم.. ولإثيوبيا على وجه الخصوص. 

مرة ثالثة، لا تعمل القاهرة على الاستعداء.. لكن هناك من الخطوط الحمراء ما لا تقبل القاهرة تجاوزها.. أو التحايل عليها. 

ضمان أمن البحر الأحمر أولوية. وباب المندب مفتاح المرور إلى قناة السويس. 

التوافق بين إريتريا والقاهرة ضمانة أولى. الاتفاقيات مع الصومال ضمانة ثانية تليها ما ترى القاهرة من رسمه كضمانات إضافية لإقرار المصالح، دون التدخل فى شؤون دول أخرى.. ودون أى رغبة فى ممارسة أى مما هو غير قانونى.. أو غير أخلاقى. 

فى الصحافة الصومالية، رحب الخبراء باتفاق الدفاع المشترك مع مصر. الاتفاق يرونه يضمن سيادة الصومال على كامل أراضيه، إضافة إلى ضمانه وحدة التراب ضد ما وصفوه بالاستقواء من بعض الجيران. 

إثيوبيا هى الجارة الأكبر للصومال. والأطماع الإثيوبية هى الأكبر أيضًا فى الداخل الصومالى. 

من جانب آخر، فالأجواء داخل الصومال مشوبة ببعض الضباب، ربما أول الأسباب هى طول فترة القلاقل الداخلية التي يغذيها بعض جيران الصومال بتوزيع السلاح على الفرقاء، ومنهم حركة الشباب الصومالية المتحالفة مع تنظيم القاعدة. 

فى المقابل.. فإن القاهرة ترسخ من الأراضى الصومالية مكانًا لحماية أمنها القومى بضمان حرية الملاحة وسهولتها فى مضيق باب المندب من جانب، ومن الجانب الآخر، تدحر أية محاولة غير قانونية للنفاذ من موانئ غير شرعية فيما بين الأراضى الصومالية أو الإريترية على البحر الأحمر. 

ماهو ليس متصورًا أن يستطيع أحد الاقتراب من الأراض الصومالية، فى حال تقديم القاهرة دعمًا عسكريًا لها. 

(2)

بالوصول المصري إلى الصومال، وكامل التنسيق والتوافق فى الرؤى مع إريتريا، أسقط فى يد إثيوبيا. 

التواجد المصري فى الحديقة الخلفية يعنى الكثير.

 معناه الأول حصار استراتيجى فى أراضٍ قريبة، وتضييق خناق شديد يشتد فيه الحبل وتصعب فيه «الربطة».

يناير الماضى، كان الدعم المصري للصومال واضحًا فى رفض اتفاق إثيوبيا مع «أرض الصومال». 

فى مؤتمر صحفي تحدث رئيس الدولة المصرية بكل حزم مؤكدًا أن مصر لن تسمح أبدًا بتهديد الصومال أو النيل منه. 

وفى رسائل تحذيرية قال الرئيس السيسي: «محدش يجرب مصر ويهدد أشقاءها». لوحت مصر بتفعيل اتفاق الدفاع العربى المشترك باعتبار الصومال عضوًا فى جامعة الدول العربية.

اتفاق الدفاع المشترك يعتبر أن كل اعتداء مسلح يقع على أى دولة من الدول الأعضاء اعتداء عليها جميعًا.

وأنه على كل دولة أن تبادر إلى معونة الدولة أو الدول المعتدى عليها، وبأن تتخذ منفردة ومجتمعة جميع التدابير، وتستخدم جميع ما لديها من وسائل بما فى ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابهما. 

ويتضمن الاتفاق أن تتشاور الدول المتعاقدة فى ما بينها، كلما هددت سلامة أراضى أى دولة منها أو تهدد استقلالها أو أمنها. 

من الصومال إلى إريتريا.. حملت زيارة الوزير اللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة، والدكتور بدر عبدالعاطى وزير الخارجية أبعادًا أمنية وسياسية. 

تنسيق كامل بدأ من الزيارة بين القاهرة وأسمرا. والزيارة اكتسبت أهميتها فى التوقيت الحالى فى ضوء عدة ملفات. 

البعد الأمنى والسياسى تعلق فى الأساس بتنسيق المواقف بين البلدين، فى مواجهة كل ما من شأنه تهديد المنطقة الحيوية فى جنوب البحر الأحمر. 

إريتريا من الدول المتضررة من التحركات الإثيوبية الأخيرة. متضررة أيضًا من الاتفاقية بين أديس أبابا و«أرض الصومال». 

التحركات المصرية فى القارة الأفريقية ليست ثانوية، ومنطقة القرن الأفريقى دائرة أمن قومى مصري أساسية ومباشرة.

وعلى الرغم من الانشغال المصري بالكثير من التوترات الإقليمية، وما يتسم بتفاعلات كبيرة، تظل التحركات المصرية المرتبطة بالقرن الأفريقى ذات أولوية. صحيح.. لا يمكن الحديث عن أسباب الصراع فى القرن الأفريقى دون وضع مجموعة من الآليات لمواجهتها.

تستهدف مصر من حضورها العسكرى فى الصومال 3 محددات.. أولًا: مساعدة الجيش الصومالى ورفع كفاءته القتالية للتعامل مع عمليات (منظمة الشباب) الإرهابية عبر الخبرات الكبيرة للجيش المصري. 

ثانيًا: دعم وحدة الأراضى الصومالية برفع كفاءة قواتها المسلحة. 

ثالثًا: تعزيز مشاركة مقديشيو فى تأمين الملاحة المارة من باب المندب، وفق قواعد الملاحة الدولية ووفق القانون الدولى، بانعكاسات تلك المنطقة على قناة السويس. 

مصر لا تتدخل عسكريًا ولا تلجأ إلى القوة الخشنة. 

سياسات مصر فى التعامل مع الأزمات تنطلق من عدم الرغبة فى التصعيد. 

ترى القاهرة أن الأساس فى حل القضايا الإقليمية هو الحوار مهما تعقدت تلك المشاكل ومهما تأزمت. 

لكن فى الوقت نفسه، فإنه لدى مصر محدداتها.. وخطوطها الحمراء.

تبقى لدى القاهرة، بالدوام، كل الآليات لحفظ الاستقرار فى دوائر أمنها القومى.. وأبعادها التي ترى وحدها.. أين تبدأ .. وأين تنتهى .   

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز