د. إيمان ضاهر تكتب: "إنما بعثت معلمًا"
الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان مالايعلم، وصلى الله على رسوله سيدنا محمد وسلم، وعلى اله وصحابته الطاهرين الطيبين اهل السداد والرشاد والفدى، رضوان الله عليهم وعلى من تبعهم باحسان وبهم اقتدى واهتدى.. نص القرآن الكريم على كون الرسول عليه الصلاة والسلام معلما، معلم للناس وللبشرية باجمعها، على اميته وبيئته الصحراوية. قال الله تعالى: (هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم، يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، وأن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) سورة الجمعة الآية ٢. وقال تعالى: (وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا) سورة النساء الاية ٩٧. وقال تعالى أيضًا: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون) سورة سبأ الآية ٢٨. ولقد أكدت بالبينة السنة المطهرة أيضًا أن رسول الله عليه الصلاة والسلام معلم الضوء الهادي ويبصر بحكمةالعلم اليقين.
وفي باب فضل العلماء والحث على طلب العلم روى ابن ماجه عن عبدالله عمرو بن العاص رضي الله عنه: "دخل رسول الله صلى عليه وسلم المسجد واذ بملتقيين: البعض يقرأون القران ويدعون الله تعالى، والبعض الاخر يعلمون ويتعلمون، وانما بعثت معلما، فجلس معهم".. نعم، وانما بعثه الله تبارك وتعالى" معلما" ليسدي ويغدق ويكرم ويزود ويمد.. وهذا المعلم المربي الكبير، لا يوجد قط اعظم منه معلما في البشرية وعظمة روحه تتكامل مع عظمة رسالته التي اهداها مثالا على الإنجاز والتسامي البشري، الوفاء النبيل والوسائل النقية والفضيلة. وأليس هو الحبيب المصطفى، الرسول المبلغ المنير. من تدين لتعليمه وحكم تربيته امم كثيرة ، وتحتفي به وتبجله شعوب واقوام من كل انحاء الدنيا، أكثر من مئات الملايين تخضع لاقواله، وتنشد هديه، وتسعى راجية رضوان الله تبارك اسمه في اتباعه والاقتداء به؟ وإذا نظرنا لجود رعايته للعرب بالرغم من قسوة طباعهم وتنافر مزاجهم فلقد تفهم وساس وصبر على خشونتهم، فالتفوا حوله وضحوا لأجله، ليتركوا لاجل طاعته ورضاه كل أهلهم وأوطانهم. ثروته الحقيقية تجسد اتمام شخصه وهو لا يقرأيقرا ولا ويكتب ولا اضطلع على مراجع الاقدمين في التربية والتعليم.. وأليس هذا اعتراف بدراية العلم اليقين بنظر العقل بانه ﷺ هو المعلم الأول ولم نر أفضل منه معلما، ولا نبيا مرسلا، إنه سيد العالمين صلوات الله وسلامه عليه؟ ولنتامل اعتراف المستشرق الكبير كارليل في حال العرب: "هم قوم يضربون في الصحراء، لايؤبه لهم عدة قرون، فلما أتاهم النبي العربي المصطفى، أصبحوا قبلة الانظار في العلوم والعرفان، كثروا بعد القلة وتعززوا ولم يمض قرن حتى أضيئت أطراف الأرض بأكملها بعقولهم وعلومهم.."، ولا غرابة أن يتخرج على يديه صلى الله وسلم هذا الكم الفائض من الناس المؤمنين، هؤلاء من سلكوا طريق التعليم الجماعي لمحو الامية دفعا بفضل حضه عليه الصلاة والسلام على محو العامية وتحذيره من الفتور والسطحية في التعليم والتعلم. ألم يشر النبي صل الله عليه وسلم بقوله: (مابال اقوام لايفقهون جيرانهم ولايعلمونهم ولا يفطنونهم؟ حق الجوار في الاسلام بمنزلة حق الرحم الموجب بالميراث.. والميراث فصلان: حسي وهو المال، المعنوي والاهم هو العلم. والجار له حقوق على الجار بتعليمه ماينفع وأنفع ماينفع هو العلم، صلوات الله على معلم البشرية وعظمة خلقه معلم الناس الخير، وهادي البشر جميعا. صلوات الله عليه وسلم في طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، لأن الحكم منوط بصفة مشتركة هي الإسلام. تقديس العلم لم يرو التاريخ له مثيلا قبل النبي محمد ﷺ ولا بعده. فكل من انتسب للاسلام لزمه طلب العلم وتحصيله، اذ ان الجهل مصيبة، ولا جهل في شريعة الاسلام الذي أول كلمة من كتابه الشريف والعزيز نزلت: (اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الانسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم الانسان مالم يعلم..) هذا ولايتسع لنا أن نستمتع بكل جوانب هذه الرسالة الهادية المثالية في التعليم في كل طرقها وغاياتها النبيلة، لا تكفينا صفحات الدنيا لنبحث بكل أساليبه عليه الصلاة والسلام في التثقيف والتعليم.. أليس هذا المعلم للخير صلى الله عليه وسلم، قد منحه الله جلت عظمته ، العلم الذي لا يؤتي لأحد من البشر وأتم عليه النعمة المباركة التي وهبته شخصية فذة وجامعة ونادرة واغدق عليه كمالا بقوله سبحانه عز وجل: (وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما..) سورة النساء الآية ١١٣. وهكذا هب متيقظا ﷺ لإحياء العلم في البشر وبعثه بينهم، ليجسد بحق المعلم الأول المستنير لخير الإنسانية، في إبداع بيانه وجودته، بلاغة لسانه وعذوبته، نقاوة منطقه ولطفه. رزانة وفقه أسلوبه، وبريق إشارته وتألقها، رأفة روحه وإنارتها، وسعة صدره وامتداده، عطف قلبه ومودته، وغزارة حنانه وفيضه، ولبيب شدته وبراعتها، رفعة انتباهه وجلاله، سناء ذكائه وأبهته، وإدراك عنايته ورشدها، وكثير رأفته بالناس، حتى قال الحبيب المصطفى محمد ﷺ: "إنما بعثت معلما".
أستاذة متخصصة في الأدب الفرنسي واللغات والفن الدرامي، من جامعات السوربون في باريس.