قد تنشأ عنها الصدمة الصينية 2
"النقد الدولي":مخاوف متزايدة من الفوائض الخارجية للصين
وكالات
أدى اتساع الفائض التجاري للصين ونمو العجز التجاري للولايات المتحدة منذ جائحة كوفيد 19 إلى تجدد المخاوف بشأن الاختلالات العالمية، كما أثارا جدلا حادا حول أسبابهما وتداعياتهما.
وفي تقرير جديد نشره صندوق النقد الدولي، قال إن هناك مخاوف متزايدة من أن الفوائض الخارجية للصين هي نتاج مجموعة من تدابير السياسة الصناعية المصممة لتشجيع الصادرات ودعم النمو الاقتصادي في ظل ضعف الطلب المحلي، والبعض يشعر بالقلق إزاء الطاقة الفائضة التي قد تنشأ عنها "الصدمة الصينية 2" وهي طفرة في التصدير تؤدي إلى تسريح العمالة والإضرار بالنشاط الصناعي في بلدان أخرى.
وأشار التقرير، الذي شارك في كتابته عدة باحثين هم بيير أوليفييه جورينشا أستاذ في الإدارة العالمية في كلية الاقتصاد وكلية هاس لإدارة الأعمال، وجيلا بازارباشيوجلو مديرة إدارة الاستراتيجيات والسياسات والمراجعة في صندوق النقد الدولي؛ وكريشنا سرينيفاسان مدير إدارة صندوق النقد الدولي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ؛ وكذلك رودريجو فالديز مدير إدارة صندوق النقد الدولي عن نصف الكرة الغربي، إلى أن هذ الرؤية تبدو منقوصة، على أفضل تقدير، حول التجارة والسياسة الصناعية، وينبغي الاستعاضة عنها برؤية كلية.
ويرى واضعو التقرير أن الموازين الخارجية تتحدد في نهاية المطاف بناء على أساسيات الاقتصاد الكلي، ولا تربطها بالتجارة والسياسة الصناعية سوى روابط ضعيفة وللوقوف على نمط الاختلالات الخارجية العالمية، يجب تفهم الدوافع الاقتصادية الكلية وراء مستوى الادخار المرغوب مقابل الاستثمار المرغوب، ليس في الصين فحسب، بل في بقية العالم أيضا، لاسيما الولايات المتحدة، ففي حين تساهم البلدان الأخرى في الاختلالات العالمية، تشكل الولايات المتحدة والصين مجتمعتين حوالي ثلث رصيد الحساب الجاري العالمي.
وسلط التقرير الضوء على الزيادة الهائلة التي شهدتها الصين في الفائض التجاري مع بداية الجائحة، ففي البداية، شهدت صادرات المعدات الطبية طفرة كبيرة، وازدادت مشتريات المستهلكين حول العالم من السلع مقارنة بالخدمات بسبب التباعد الاجتماعي، ثم تراجع الطلب المحلي في الصين إلى حد كبير بدءا من أواخر عام 2021 بسبب تحسينات واسعة النطاق في أسواق العقارات، ثم عودة إجراءات الإغلاق العام في عام 2022 والتي نتجت عنها تداعيات سلبية على ثقة المستهلكين.
وأدى ذلك إلى تداعيات هائلة على الاقتصاد الحقيقي الصيني، حيث ارتفعت معدلات الادخار بين الأسر وتراجع الاستثمار. وبالتزامن مع ضعف الطلب المحلي في الصين، ارتفع الطلب العالمي بفعل مستويات الادخار السالب الهائلة ولا سيما في الولايات المتحدة حيث سجل عجز المالية العامة نموا هائلا مقارنة بما قبل الجائحة وانخفضت مدخرات الأسر إلى النصف.
ونتيجة لذلك، يتراوح الميزان التجاري للصين في الوقت الحالي ما بين اثنين إلى أربعة بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، حسب منهجية القياس المستخدمة، بينما يعكس هذا التكوين ضعف الواردات وارتفاعا كبيرا في نصيب الصين من الصادرات العالمية.
وقد تراجع الفائض التجاري كنسبة من الناتج الاقتصادي مقارنة بفترة "الصدمة الصينية" خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين (حيث بلغ في ذروته حوالي 10 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي الصيني) غير أن الصين تمثل حاليا نسبة أكبر كثيرا من الاقتصاد العالمي إلى الحد الذي حافظ على استقرارها بمرور الوقت كنسبة من الناتج العالمي بالرغم من أن فائضها التجاري أصغر حجما مقارنة باقتصادها، وبالتالي فإن التطورات التجارية في الصين تظل انعكاساتها ضخمة على بقية العالم.
وأوضح واضعو التقرير إلى أن تحليلهم، وهو عبارة عن تجارب محاكاة مبسطة باستخدام نموذج مجموعة العشرين، وجد أن العوامل الاقتصادية الكلية هي الدافع وراء هذه التطورات الخارجية ويشمل ذلك صدمات الطلب المحلي السالبة في الصين بسبب هبوط سوق العقارات وتدني ثقة الأسر، وصدمة الادخار السالب في الولايات المتحدة نتيجة نمو الإنفاق الحكومي والشخصي.
وتتنبأ هذه الصورة "الكلية" بنتائج مقاربة لما تشير إليه البيانات فنتيجة لضعف الطلب المحلي في المقام الأول، ارتفع فائض الحساب الجاري الصيني بحوالي 1.5 نقطة مئوية، بما يقارب الارتفاع المشاهد في البيانات مقارنة بمستواه فيما قبل الجائحة، وينتج عن الارتفاع المستمر في المدخرات المحلية في الصين تراجع كبير في سعر الصرف الفعلي الحقيقي، تماشيا مع البيانات منذ عام 2021. وتساهم هذه التصحيحات السعرية النسبية في دعم نمو الصادرات وتراجع الطلب على الواردات.
والوضع مماثل في الولايات المتحدة، فنظرا لقوة الطلب المحلي في المقام الأول، يتراجع رصيد الحساب الجاري الأمريكي بحوالي نقطة مئوية في النموذج – أي بما يقارب الانخفاض المشاهد في البيانات مقارنة بمستواه فيما قبل الجائحة.
تجدر الإشارة إلى أن التراجع المستمر في المدخرات المحلية الأمريكية يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية الأمريكية، مما يوازن إلى حد كبير التأثير السلبي لزيادة المدخرات الصينية على أسعار الفائدة العالمية.