عاجل
الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
مايسة زكي وأيام سبتمبر المسرحية.. والنقد المسرحي

مايسة زكي وأيام سبتمبر المسرحية.. والنقد المسرحي

مايسة زكي الهاربة من عالم النقد المسرحي، في بدايات المهرجان التجريبي، الذي بدأ دورته الأولى عام 1988 باسم مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، كانت عضواً فاعلاً في هيئة تحرير مجلة المسرح، والتي كانت تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، مع زوجها الراحل الشاعر المصري الكبير عمر نجم والناقد الكبير حازم شحاتة، وكانت مجلة المسرح هي المجلة التي ترأسها آنذاك الكاتب الكبير أ.د محمد عناني، وقد جمع فيها جيلاً جديداً من النقاد مع الأجيال السابقة والأسماء الراسخة، وكانت مجلة المسرح الشهرية ترصد وتحلل وتفسر وتقيم كل عروض الموسم المسرحي في كل أنحاء مصر في كل أقاليمها العامرة، وفي القاهرة والإسكندرية، ودعمت المجلة حركات الاستقلال في الفرق المسرحية التي كانت تسمى آنذاك بالحرة. 



 

وقد كانت مجلة المسرح القاهرية وقتذاك ينتظرها أهل المسرح والقراء في مصر والوطن العربي. 

توحدت مايسة زكي مع المشروع وأعطته طاقتها وبعضاً من روحها، وهو مشروع استعادة مجلة المسرح الستينية التي كانت درساً في المسرح والترجمة والتواصل مع المنجز المسرحي العالمي آنذاك، وكانت المنارة الكبرى لدراسات المسرح في الوطن العربي. 

واستعادة مجلة المسرح التسعينية لذات الروح كان حدثاً ثقافياً لافتاً للأنظار، خاصة مع وجود جيل جديد طور حساسية النقد المسرحي التطبيقي آنذاك. وفتح مجالاً للمنافسة بين الأقلام الجديدة وبعضها البعض.  وكانت مايسة زكي تحتفل بمقال جديد مختلف وبكاتبه احتفالاً خاصاً تترأسه الناقدة الكبيرة أ.د نهاد صليحة رحمها الله رحمة واسعة، وكانت المجلة تحتفل بالكتابة عن الجدد من الموهوبين أكثر من الاحتفاء بالنجوم الكبرى اللامعة.  إلى أن تم إيقاف مجلة المسرح تماماً في سياق إيقاف مجلات أخرى مهمة كالقصة وعلم النفس وفصول والقاهرة، وهي مجموعة كانت علامات مضيئة في مصر والوطن العربي. 

ذهب معظمنا في هذا الجيل إلى مشروعاتنا الأخرى الأكاديمية والإبداعية إلى أن تعود تلك المجلة المتخصصة المهمة، وعندما لم تعد ذهبنا إلى مسارات صحفية مهمة، وإلى أشياء أخرى، أما المشروع فقد توقف، وأما مايسة زكي فقد أعلنت الحداد وحيدة منفردة وتوقفت عن الكتابة. ولا حل لمايسة زكي إلا إعادة إطلاق المجلة من هيئة الكتاب مع استعادة الدوريات والمطبوعات الشهرية التخصصية الموجهة للقارئ العام، فكم كانت حقاً مفيدة ودالة.  وكلما تذكرت مايسة زكي تذكرت ضرورة مقاومة كل لحظة يأس تدفعني إلى كسر القلم وإعلان عدم جدوى مهنة النقد المسرحي التخصصية، فقد ذهبت مايسة للصمت، وهو صمت عاطفي جداً تسبب في ألم كبير لكل جيلها، مايسة زكي علامة على انسحاب جيل عاطفي ومنهم الناقد المهم جداً المثقف النادر هشام إبراهيم، وتوقف الناقد الكبير أ.د عصام الدين أبو العلا عن متابعاته النقدية التخصصية، وعدم اكتراث معظم الجيل الجديد من الأكاديميين بهذا الجزء الجميل من العقل البشري ألا وهو الجزء النقدي الرائع، وما أروعه وهو يمارس النقد إضاءة وفهماً ونوراً وتحسيناً لوجه الحياة.  فهل يعود مع المهرجان المقبل ذلك الوعي وتلك الذكرى بضرورة استعادة الحضور المهم للنقد؟ 

يذكرنا المهرجان التجريبي أيضاً وفي نشرته الأولى، التي ترأس تحريرها الكاتب الصحفي الكبير سمير غريب، وكان الناقد الكبير محمد الرفاعي رحمه الله مع الناقدة الكبيرة عبلة الرويني هما مديراً تحريرها، وأذكر أن بداياتي الباكرة حضرت في تلك النشرة اليومية والتي كانت مرجعاً مهماً لذاكرة المهرجان بما أتاحه سمير غريب من مساحة حقيقية لحرية النقد، أثارت الجدل والثقة وصنعت مناخاً صحياً فتح باب الأمل لكل المسرحيين آنذاك. 

ولعل عودة سبتمبر الجميل بأيامه المسرحية التجريبية قد أثار لدى ذلك الحنين مجدداً لمناقشة ضرورة دعم فكرة النقد والمختصين والاهتمام بهذه المهنة، التي لا يمكن أن تستمر دون أن تكون قادرة على تحقيق عوائد مالية مناسبة، حقق بها كبار النقاد حياة سعيدة مثل الكاتب الكبير فؤاد دوارة الناقد الشهير والكاتب الكبير الناقد فاروق عبد القادر رحمهما الله، وهما نموذجان كان أمام جيلي لم يبحثا عن ثروة، ولكن أتاح النقد لهما ولجيلهما فكرة أن يكون النقد مهنة حقيقية.  هذا وبعيداً عن أصحاب الأعمدة الصحفية ورؤساء تحرير المجلات والجرائد والمواقع الإلكترونية العاملة في شؤون الفن بشكل عام، تظل مهنة الناقد المسرحي مهنة مثيرة للجدل، تلك المهنة المعنية بشؤون الكتابة النقدية المتخصصة.  ولا شك أن أحوال المسرح بشكل عام واضطرابات العملية الإنتاجية أثرت بالفعل على كل ما يتعلق بالمسرح، وأول المتأثرين بالانقلابات الحادة في العملية الإنتاجية هو ذلك الناقد المسرحي الممنوع من دوره كناقد داخلي وهي وظيفة (كدراماتورج) وهي الوظيفة المسماة في قطاع الإنتاج الثقافي بالباحث المسرحي ودوره الحقيقي هو متابعة عملية الإنتاج كناقد داخلي، يحدث هذا بينما يبقى الناقد مطالباً بأن يتابع على أرض الواقع الحركة المسرحية، وأن يزود نفسه بثقافة موسوعية منفتحة على العالم وواعية بالهوية الوطنية، وبأدوات نقدية متطورة تلاحق أحدث التيارات والمذاهب النقدية الحديثة.

إنها حقاً مهنة شاقة تتطلب الموضوعية التي تجلب لصاحبها في كثير من الأحوال عداءات ومشاق ومصاعب. مشاعر وأفكار عاودتني من سبتمبر وأيامه المسرحية، ورعب الانقطاع عن الكتابة ودعوة لمايسة زكي وكل الرائعين المتوقفين لمعاودة الكتابة، وفيما كتبت مايسة زكي أذكر: "لحظة استغراب اليد والتمسك بها، وأنا منفصلة كل هذا الانفصال عن الورق الذي أعشقه بدا لي هذا الانفصال متصلاً أبدياً من وحي تكراره أيضاً".

ذلك الانفصال الأبدي الذي طالما قاومته، وتلك السعادة التي أشعر بها عندما يحتضني الورق الأبيض هي ذات المحبة التي أحبتها مايسة زكي ومنحة البطراوي وكل عاشقات وعشاق الكتابة فهل عدتم؟، فهل تدركون كم تركتم في الحياة الثقافية من فراغ؟ كم يبقى سبتمبر المسرحي حزيناً لانقطاعكم الذي أظنه ليس أبدياً بالتأكيد.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز