عاجل
الإثنين 14 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي

د. أحمد عبدالمنعم يكتب: الإنسان وسيكولوجيا العُدوان

يُعد العدوان ظاهرة نفسية وخصيصة أساسية من الخصائص التي جُبل عليها الإنسان بل والحيوان أيضاً،  فجميع الكائنات الحية –إنسان وحيوان- جُبل بداخلها هذا العدوان الداخلي، وهو يظهر بشكل تلقائي عند استشعار الخطر والتهديد، فنجد النحل مثلاً يُهاجم من يقترب منه وقد يُصيب أشخاص لم يُهاجموه من الأساس، والقطة التي تُهاجم من يقترب من أبنائها، والإنسان حينما يُشاك بإبره يتحرك بسرعة لدفع مصدر الآلم، والشخص الذي اصطدم خلال سيره في الطريق بشخص آخر فيقوم بدفعه بقوة  كرد فعل واستبدال لمشاعر الغضب التي انتابته، وهذا الفعل يُسمى "رد الفعل المنعكس" معنى ذلك أن لدينا جهازل نفسيا داخليا نتوارثه بداخلنا ووجد لحمايتنا، ويتصرف بشكل فيسيولجي بحت، لكن ما يُميز الإنسان عن باقي الكائنات أن السلوك العُدواني يتشكل بالإطار الثقافي والاجتماعي والنفسي والقيمي، وهذه الأطر تعمل على إعادة صياغة أو توجيه للعدوان.



 

      

هذه المقدمة تُلقي لنا الضوء على إحدى معضلات بني الإنسان، وكيف أنه يحمل بداخله مكوناً داخلياً غاية في الخطورة، إن لم نستطع كبح جماحه.

ويتخذ العدوان أشكالاً حياتية متنوعة: 

 

 

- العدوان الواعي:

 

 

 يقوم به الإنسان ولديه إدراك كامل للموقف أو الحدث، ويكون لدى الشخص مبررات لهذا العدوان فهو يحافظ على التوازن الحياتي، وهذا الشكل نجده متمثل في حياتنا اليومية العادية: كالخلافات الأسرية والاجتماعية، ويكون الهدف منه إحداث نوعاً ما من التقارب أو ابداء الاعتراض والهدف منه تقريب وجهات النظر والتعايش معاً.

 

وما يميز هذا الشكل من العدوان أنه غير متطرف وليس الهدف منه الإيذاء بل اتخاذ موقف لحماية الذات مع الحفاظ على الآخر. 

 

 

 

- العدوان غير الواعي:

 

 

 وهو من الصور الخطيرة للعدوان كونه ينبع  أكثر من الداخل" اللاشعور"  ويكون مُحملاً بمخاوف وخبرات متراكمة في أعماقنا وليست موجودة في المواقف الفعلية الحياتية التي نُواجهها، وخطورة هذا الشكل من العدوان أنه " أعمى"  ومُلغم انفعالياً،  لأنه قد يكون مُحمل بخبرات رفض من  الطفولة أو اساءات نفسية أو جسدية أو جنسية وكلها تُشكل وتؤثر في العدوان غير الواعي، وقد يأخذ هذا العدوان صوراً مُغايرة  كالعدوان نحو الذات أو الغير مثل:  العدوان تجاه أهداف روحانية، أو مجتمعية، أو سلطوية، ولكنها في الواقع ما هى إلا ترميزاً لمصادر  نفسية أخرى أكثر عمقاً.

 

  

جدير بالذكر: أن الفيلسوف الألماني فريدريش نيتشه: لم يُقبل في الجيش الألماني بسبب ضعف بُنيته الجسمية، فاستخدم القلم والفكر كسلاح لفلسفته المليئة بالرغبة في الانتقام ولكنها في الواقع ردود فعل مؤجلة ظهرت بالقلم.

 

- العدوان البدني:

 

 

      

وهو الشكل الأقدم من العدوان والأكثر انتشاراً، والتاريخ البشري به العديد من صور العدوان البشري، فنجد في التاريخ صوراً متعددة للتعذيب كمشاهد الرومان وبناء حلبات المصارعة للعبيد لمواجهة الأسود المفترسة الجائعة، وأسواق النخاسة، أو المعارك والحروب الضارية التي مرت بها البشرية جمعاء وبدون استثناء ودفع ثمنها ملايين من الضحايا.

 

     

وقد يُمارس العدوان البدني أيضاً باسم السلطة الذكورية ضد الزوجة أو الأبناء أو من قبل الأبناء ضد الأخوات والأم، وجميعها أشكالاً متطرفة من العدوان. 

 

 

     

ويرتبط العدوان البدني بشكل مباشر بارتقاء الفكر والقيم لدى الإنسان فكلما زاد ارتقاء الإنسان وتطور نسقه القيمي والديني كلما كبح جماح العدوان البدني.

 

- العدوان المادي:

 

         

هو عدوان موجه نحو الغير بشكل مباشر أو غير مباشر، ففي الحروب القديمة كان الهدف منها قتل الجنود وتحقيق الإنتصار، أما الآن فالهدف صار أكثر شراسة و عدوانية وهو تدمير كافة سُبل المعيشة والحياه بل وإحداث تدمير يقضي على الإنسان، وتتضاعف قوة هذا العدوان كلما كانت القوى غير متكافئة. 

 

ونرى العدوان المادي في بعض جرائم القتل التي تحدث  بالمجتمع فيقترن القتل بالتعذيب والتمثيل بالجثمان، فهدف العدوان هنا ليس فقط التخلص من حياه الآخر بالقتل  بل بالبتر من الحياه والقضاء على أى فرص قد تكون متاحة لإنقاذه وعودته للحياه مرة أخرى. 

  

    

وعلى المستوى النفسي للفرد: فإنه يمتلك غريزتي الهدم "الموت"، والبناء" الحياه"، وفي حالة حدوث اضطراب نفسي  تعمل غريزة الهدم و يتحرك هذا العدوان ويأخذ صوراً متعددة منها الموجهة نحو الذات:  كالامتناع عن المأكل والمشرب أو العزلة أو الإيذاء البدني،  أو موجهة نحو الغير  مثل: السرقة المرضية أو إيذاء الآخرين أو إتلاف أو حرق ممتلكاتهم.

 

      

وتأتي غريزة البناء "الحياه" لتتسامى بالعدوان وتعمل على توجيه الطاقة البشرية إلى البناء والتطوير والارتقاء ونجدها متمثلة في بناء الحضارات والتعبير الفني والأدبي والرياضة.

 

- العدوان المعنوي:

 

       

وهو صورة أخرى من صور العدوان البشري ويكون متمثلاً  في إلحاق أضراراً بالسمعة والمكانة والتأثير النفسي السلبي ونشر الأكاذيب والشائعات، والهدف منها جميعاً هو الاغتيال المعنوي وتُعد الغيرة هى المحرك الأساسي له.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز