عاجل
الأحد 1 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي

د. حسام الإمام يكتب: ابتسامة لا تعرف الرحمة

د. حسام الإمام
د. حسام الإمام

ذكرني أحدهم بمقولة رددتها كثيرًا وكتبت عنها في أكثر من مناسبة. كنت أقول إن شعورًا ينتابني دائمًا أنني "لو بطلت أضحك سوف أموت"، طالبت بالرفق بمن ينتمون إلى تلك الفئة من البشر لأن خلف ابتسامتهم كثيرًا وكثيرًا من الهموم التي تتوارى خلف تلك الابتسامة، لا لشيء سوى رغبتها في عدم إزعاج الآخرين بما في جعبة صاحبها من هموم ومشكلات. 



 

قد نتصور أن هؤلاء لا يعانون من شيء بل ربما لا يشعرون بشيء، نعم هم بلا إحساس. عن أي إحساس نتحدث وهم يبتسمون دائمًا دون أدنى شعور بما نعانيه في تلك الحياة؟ إن غاب المال ابتسموا، إن ذهبت الصحة ابتسموا! ابتسامة مستمرة والمشكلة أننا على يقين من معاناتهم لنفس المشكلات، نحن نعرفهم جيدًا ونرى حالهم الذي لا يختلف عن حالنا، بل ربما كان أسوأ، فكيف إذن يأتون بتلك الابتسامة؟ ولماذا نبحث عنها فلا نجدها؟ ما سرها؟

البعض قد يرى في ابتسامتك ميزة وقوة وقدرة على كسب الصداقات وحسن معاشرة الآخرين. لكن آخرين يرونها عيبًا كبيرًا، فتجدهم يرددون بامتعاض شديد أن لكل مقام مقالًا، ولهؤلاء أقول إن لكل إنسان أدواته التي مكّنه الله منها، وطالما أنك نجحت بأسلوبك وطريقتك، فلا تنصت لأحد، ولا تخجل من شيء طالما أن تصرفك لا يتجاوز الحدود، واعلم أن معظم الناصحين لك لا يجيدون ما تجيد ولا يستطيعون أن يفعلوا ما تفعل. 

سوف أحكي ما شعرت بأنه حلم في البداية إلى أن تعودت عليه. نعم فقد أصابني الذهول في بداية اللقاء وصاحبني خلال رحلتي إلى أن تأقلمت وأصبحت أصحو من النوم وأركب الأتوبيس وأذهب إلى العمل ثم أعود للمنزل، كل ذلك وأنا أبتسم.. معجزة بكل المقاييس.

كان ذلك خلال عملي في جامعة برجن بالنرويج، في بداية تعاملي شعرت بأن هؤلاء الناس ليست لديهم مسؤوليات يحاسبون عليها ولا رؤساء يُسألون أمامهم! يبتسمون دائمًا، في الاجتماعات يبتسمون، أثناء الراحة يبتسمون، في المصعد يبتسمون.. ابتسامة رقيقة تشعر بأنهم قد اختاروها بكامل إرادتهم كأسلوب حياة وأظنهم على حق، فسواء واجهت الحياة مبتسمًا أو متجهمًا فسوف تمر ولن تنتظرك، هي لن تستجديك ابتسامتك، ولن يفرق معها تجهمك. إذن لم لا تأخذ القرار وتواجهها بابتسامة تملأ وجهك؟ اكسب راحة بالك، اكسب صحتك وهدوء أعصابك، اكسب حب الآخرين لك.. اكسب نفسك. 

وسط هؤلاء الناس في النرويج، لا أتذكر أنني تضايقت يومًا، لم يصدر من أحد مجرد كلمة واحدة تضايقني، لم أشعر برغبة في تكسير رأس أحد لأنه يحقر أفكاري ويسفهها. وتذكرت فورًا مديري القديم، كيف كانت تبدو الكلمات وهي تنطلق من بين شفتيه الغليظتين كطلقات الرصاص صوب قلبي المسكين.. وابتسمت فقد تعلمت أن ابتسم حتى في أصعب الأوقات. 

وتطبيقًا لقاعدة أن لكل مقام مقالًا التي أتفق معها تمامًا، دعونا نتساءل: لماذا لا تكون الابتسامة هي الوضع العام المتعارف عليه بين الناس في كل مكان، وتكون التكشيرة المرسومة بدقة هي الاستثناء في الموقف الذي يستوجبها؟ سؤال لن أملّ من طرحه والمطالبة بالتفكير فيه حرصًا على المستقبل. نعلم جميعا ونردد دائمًا أننا من أكثر الشعوب ضحكًا، نحن "ترزية النكتة" كما يقولون، وأفضل من يلتقطها من الهواء ليلقيها على من حوله فيمتلئ المكان ضحكًا وبهجة. لكن أنظر على وجوه الناس عندما يستيقظون للذهاب إلى أعمالهم، ثم أعود النظر خلال رحلة العودة! الأعجب من ذلك عندما تنظر إليهم خلال نزهاتهم مع أولادهم.. أين الابتسامة يا قوم؟ ماذا فعلتم بها؟ نعلم أن الظروف صعبة والدنيا ملخبطة، لكن هذا أدعى إلى أن نواجه تلك الظروف بابتسامة شديدة اللهجة، ابتسامة لا تعرف الرحمة، تطيح بكل ما يقابلها من هموم ومشكلات لتقتنص من الحياة لحظات تستعيد فيها بعضًا من قوتها المستنفذة، لتستمر الحياة.

مدير المركز الإقليمي لأخلاقيات المياه

[email protected]

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز