عاجل
الأحد 1 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي

د. إيمان ضاهر تكتب: "أسرع أعلى أقوى".. هدف الألعاب الأولمبية

شعار البارون بيار دو كوبرتان الفرنسي الذي كان وراء إحياء اللجنة الدولية وسبب وجود الالعاب الاولمبية باكملها منذ عام ١٨٩٤ في جامعة السوربون.. ومن روح الألعاب وحكمتها ينبع الهدف الانساني المنشود الذي يكمن في حكمة الألعاب الأولمبية العالمية الحقيقية وهي في عمقها تتفوق على السباق والجائزة. ولكن ما الثمن لهذا الجائزة؟ جائزتنا أعزائي أبطال الرياضة من كل أنحاء الدنيا ليست لمن يهزم، إنما لمن لا يهزم علما أنه يمكن لرياضي واحد ان ينال اكليل الغار وأن يشارك الجميع متعة المنافسة. اليس ماهو أولمبي هو عالمي؟ أسرع، أعلى، أقوى، ثلاث كلمات لفلسفة هادفة وصحية لهذه الألعاب، عالم من الحالمين للمستوى العالي لأن الأشخاص الذين يشككون لا يفوزون، فالفائزون لا يشككون أبدا. فالجزء الاهم في هذه اللعبة على الاطلاق يظل غير مرئي، ولذلك فالعضلات بمثابة شاشة الذكاء.



وأليست مهارات الفوز أكثر أهمية من الانتصار في المباريات؟ ولتجسيد وتمجيد البطولة عليك الرياضي المتألق بروح الرجل الحكيم أن تؤمن بنفسك.

فالفريق الذي يفتقر للإيمان يجعل فريقه يخسر مباراة منتصرة. فقوة الحظ لايقبلها الاالبائسون لأن السعداء يعزون النجاح إلى الحكمة والجدارة الصلبة.

ما هو أصل الألعاب الأولمبية يبقى أصل الألعاب الأولمبية غامضاً والتاريخ يمتزج بالأساطير.. فلنحاول أن نرى بوضوح أكبر! الألعاب الأولمبية في الأساطير: إذا صدقنا الأساطير اليونانية فقد تم إنشاؤها بواسطة بيلوبس، وهو نفس الشخص الذي أعطى اسمه إلى البيلوبونيز. بيلوبس، ابن تانتالوس، يغرم في  أميرة بيزا، هيبوداميا، ويرغب في الزواج منها. لكن والد المرأة الشابة، الملك نوماوس، علم من خلال وحي أنه سيُقتل ذات يوم على يد صهره. 

يشعر بالقلق، ويفرض شرطًا على الخاطبين: للحصول على يد ابنته، سيتعين عليهم  مواجهته في سباق العربات، وهو اختبار  يعتقد فيه نوماوس أنه لا يهزم. 

لا يسمح بيلوبس بالترهيب: من أجل ضمان النصر، قام بتخريب عربة نوماوس، الذي مات أثناء المنافسة. للاحتفال بانتصاره والتكفير عن جريمته، سيؤسس بيلوبس الألعاب الأولمبية!  تم تصوير زواج بيلوبس وهيبوداميا على لوحة جدارية لفيلا كيريلوس، وهي عبارة عن إعادة بناء لمسكن يوناني قديم يقع بالقرب من نيس المدينة الرائعة الواقعة في جنوب فرنسا.

  وهناك أساطير أخرى تنسب أصل الألعاب الأولمبية إلى زيوس نفسه، أو حتى إلى هيراكليس.

وفي القرن التاسع عشر  دعا البارون بيير دو كوبرتان  وهو مدرس فرنسي  إلى إعادة احياء الألعاب الأولمبية لتعميق التربية البدنية باللعب النظيف والتفاهم الدولي.  عام 1894 ولدت اللجنة الأولمبية الدولية، وأقيمت أول دورة ألعاب أولمبية حديثة بعد ذلك بعامين في أثينا، في عام 1896بمشاركة 241 رياضيًا من 14 دولة. منذ ولادتها من جديد، تابعت الألعاب الأولمبية في التطور. وتعمقت لتشمل ليس فقط الألعاب الأولمبية الصيفية بل أيضًا الألعاب الأولمبية الشتوية، التي تم تدشينها عام 1924 في شامونيكس، فرنسا. وأقيمت الألعاب الأولمبية  في مدن مختلفة حول العالم، مع لحظات بارزة بما في ذلك ألعاب برلين عام 1936 وأول دورة ألعاب أولمبية بعد الحرب العالمية الثانية في لندن عام 1948، وألعاب طوكيو عام 1964. 

من هو بيار دو كوبرتان؟ بيير دي كوبرتان، أبو الحركة الأولمبية الحديثة ولد في عائلة ثرية وتلقى تعليما خاصا. درس الأدب والتاريخ والفلسفة في جامعة السوربون بباريس، وكذلك في مؤسسات أخرى في فرنسا وخارجها. كان مغرما بالتربية البدنية وآمن بدورها في التنمية الشاملة لأفراد المجتمع  البشري. وتأثر بالفيلسوف الالماني هيغل الذي رسخ فكرة العقل السليم في الجسم السليم، واستمد ملاحظة الأساليب التعليمية البريطانية والأمريكية التي ركزت على التربية البدنية والرياضة.

إن تراث بيار دي كوبرتان عظيم. بالإضافة إلى تأسيس الألعاب الأولمبية الحديثة، ساعد أيضًا في تثبيت التربية البدنية والرياضة في أنظمة التعليم حول العالم. كما وطد عمله جوهر الحركة الأولمبية، التي تواصل احكام قيم مثل التميز واللعب النظيف والتضامن من خلال الرياضة. ما هي القيم الانسانية والرياضية للجنة الالعاب الاولمبية العالمية؟ تسعى اللجنة الأولمبية الدولية جاهدة إلى احكام نزاهة المنظمات الرياضية وحماية الرياضيين الشرفاء.

  فمكافحة المنشطات وأي شكل آخر من أشكال الغش في الرياضة من ناحية، وتعزيز الأخلاق من خلال تحسين الشفافية  ومساءلة المنظمات الرياضية من ناحية أخرى، تعد اساسا مطلقا للجنة الاولمبية الدولية.

لقد كان توطيد الأخلاقيات من خلال مبادئ الحكم الرشيد وتنفيذها من  جميع المنظمات الرياضية، ودعم الرياضيين النظيفين من خلال إنشاء عمليات قوية، من الأولويات القصوى  للجنة الأولمبية الدولية لعقود من الزمن.

ماذا تولد النزاهة؟ النزاهة تولد المصداقية، ومصداقية المسابقات والمنظمات الرياضية هي إحدى الركائز الثلاث للأجندة الأولمبية فإذا كانت المسابقات الرياضية تعاني من انعدام المصداقية، فإن المنظمات الرياضية ستعاني عاجلاً أم آجلاً. والعكس صحيح أيضاً. إن النزاهة في الرياضة هي بطبيعتها متشعبة الأبعاد؛ مرتبطة جوانبها المختلفة  بالمبادئ الأخلاقية التي تشكل جزءا لا يتجزأ من  الأساسيات للحركة الأولمبية. لتوضيح هذه الجوانب المختلفة، نشرت اللجنة الأولمبية الدولية وثيقة بعنوان "النزاهة في الرياضة: نهج اللجنة الأولمبية الدولية"، والتي يتم تحديثها على فترات منتظمة في كل دورة اولمبية. تقوم اللجنة الأولمبية الدولية باستمرار بإنشاء الهياكل والسياسات والإجراءات والبرامج لتحسين النزاهة داخل منظمتها كلما لزم الأمر، ولتعظيم تأثير هذه الأنشطة، تعمل بالتعاون مع الحكومات والمنظمات الحكومية الدولية، مما يؤدي إلى إنشاء الشراكة الدولية لمكافحة الفساد في الرياضة وتستفيض هذه الجهود وتستمر في التقدم من أجل توقع الاتجاهات الجديدة والتكيف قدر الإمكان مع المواقف الجديدة.

وهل هناك مساواة بين الجنسين؟ تعد المساواة بين الجنسين أولوية قصوى بالنسبة للحركة الأولمبية. والمجالان الأبرز تسهيل وصول الرياضيات إلى الرياضة بشكل  عام والألعاب الأولمبية بشكل خاص وزيادة عدد النساء في مناصب الإدارة الرياضية. ما هي حقوق أبطال الرياضة القادمين من جميع أنحاء العالم؟ للرياضيين، الحق في المطالبة بمنظمة لا تقبل اللوم فيها قدر الإمكان.

ولكن هناك شيئا آخر مطلوب جانبًا: حضور العبقرية الوطنية، وتعاون ملهمات الإلهام، وعبادة الجمال، وكل الأجهزة المناسبة للرمزية القوية التي جسدتها الألعاب الأولمبية في الماضي والتي يجب أن تظل تمثلها اليوم. سيتعين على أولئك الذين يأتون أن يختاروا الصيغ المرغوبة. 

هكذا ستكون الألعاب الأولمبية كما ينبغي ان تكون: الوليمة الرباعية للربيع البشري، ولكن الربيع المنظم والإيقاعي الذي يبقى في خدمة الروح الرياضية.

ولا بد لنا من التحدث عن الرمز الاولمبي العالمي. إذا بحثنا عن الرمز الأكثر وضوحًا للألعاب الأولمبية فما هي الصورة التي تتبادر إلى ذهننا على الفور؟ مما لا شك فيه أن من الخواتم. خاصة أنه بدون الحلقات لا يوجد علم أولمبي، والعكس صحيح. لكن ماذا نعرف في النهاية عن هذه الحلقات؟ هل الحلقات الأولمبية نسخة حديثة لرمز من العصر القديم؟ من خلقهم؟ ماذا كانوا يقصدون في ذلك الوقت؟ هل لا يزالون يقصدونه اليوم؟ خمس حلقات، متناغمة تمامًا، على مستويين.

  ثلاثة في الأعلى، واثنان في الأسفل. حلقات فارغة محاطة بالألوان. الثلاثة الأوائل: الأزرق، الأسود، الأحمر.ثم اثنان أدناه: الأصفر والأخضر. الخمسة متشابكة. كل ذلك على خلفية بيضاء. الالعاب الاولمبية في فرنسا تبدأ بعد يومين: تاريخ فرنسا غني يمتد لأكثر من قرن صورة  رائعة وبارزة ومتقنة من كل الجهات والمستوى لنشر الروح الرياضية المصنوعة من الولاء العفوي ونكران الذات.  فإن هذا البلد الجميل، حيث يوجد لدى فرنسا الكثير من الأصدقاء، وليست غريبة على أي من الصيغ المختلفة للحضارة المعاصرة. ضيافتها يضرب بها المثل، وسمعتها عالمية. إن العمل المتوازن والجميل  الذي قامت به وأدارته اللجنة الدولية سيكون قادرًا على الاستمرار بشكل مثمر هناك. وستجد الحركة الأولمبية في الجو المستقل والفخور الذي نتنفسه هنا، ضمانة الحرية التي تتمتع بها. 

من الصعب تفويت هذه الألعاب الأولمبية في باريس، لن يكون انحياز لأي طرف او فريف وبين التجاوزات الإعلامية التي بدأت بالفعل تغمرنا، والأحزاب التي تركب الموجة، والطغاة الذين يقتلون ويدمرون علينا التحلي بالروح الرياضية التي يجب الاحتفاء بها... سيتنافس  آلاف الرياضيين من مئات الدول حول العالم على الذهب أو الفضة أو البرونزية. والهدف: جمع الناس من مختلف أنحاء العالم وتشجيع المنافسة الودية والسلام بين الدول المتجاورة.

حان وقت الألعاب! نهاية، في كل قلوبنا، نشتاق إلى حفل انساني يجمعنا مرة اخرى ، حدث يوحدنا، ليمنحنا  الأمل والسعادة، القوة لكل البشرية وأيضا للأجيال القادمة لأن الأزمات والحروب تهز العالم بمصائب مخيفة ومرعبة. دعونا نفتح الألعاب على نطاق واسع، دعوة للعالم من قلب عربية لبنانية فرنسية، للمشاركة وتحدي كل مشاكل العصر. دعونا نفتح مشاعر الالعاب في عاصمة النور باريس. الألعاب الأولمبية ليست بطولات عالمية عادية بل هي عيد كل أربع سنوات للشباب العالمي، "بالربيع البشري"، والابتهاج بالجهد العاطفي والطموح المتشعب وجميع أشكال النشاط الرياضي لكل جيل يظهر في أعتاب الحياة.

رسالتي الأخيرة إلى الرياضي البطل: الرياضة تبحث عن الخوف لتسيطر عليه والتعب للانتصار عليه. يجب ان تكون كل صعوبة تواجهها فرصة تقدم جديد وفوز  بشكل جيد. النجاح ليس هدفا بل وسيلة  لنيل هدف أعلى. الأولمبية اليست هزم الانقسامات بشعار موحد ان الهواء والضوء ملك للجميع.

 

أستاذة متخصصة بالأدب الفرنسي واللغات والفن الدرامي من جامعات السوربون في باربس

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز