محمد جمال الدين
شرم الشيخ.. مدينة السلام
ليس غريبًا على تلك المدينة الساحلية أن يطلق عليها مدينة السلام، فتاريخها يُعيد إلى الأذهان دور المدينة التاريخى كمنصة للحوار وصناعة السلام فى الشرق الأوسط، دليلى على ذلك المؤتمرات والقمم البارزة التي جمعت بين قادة عرب وغربيين، أبرزها قمة شرم الشيخ للسلام عام 1996، ومؤتمر دعم السلام عام 2005، بالإضافة إلى عشرات الاجتماعات الإقليمية رفيعة المستوى، ليصبح اللقب الذي أطلق عليها (مدينة السلام) ليس مجرد شعار نتباهى به بين الأمم، بل حقيقة مؤكدة يفخر بها كل مصري، وخاصة أن نفس المدينة شهدت العديد من المعارك خلال حربَى 1967 و1973، حين كانت السيطرة عليها تعنى امتلاك منفذ بحرى بالغ الأهمية لمصر وإسرائيل على حد سواء، لكونها تعد موقعًا استراتيجيًا تتنازع عليه الجيوش، وتُذكر فى التقارير العسكرية كأحد أهم النقاط على البحر الأحمر.
واستكمالاً لهذا الدور الاستراتيجى والتاريخى لتلك المدينة، شهد العالم بأجمعه انتصار إرادة السلام على منطق الحرب، من شرم الشيخ أرض السلام ومهد الحوار والتقارب. فى حضور حشد كبير من جميع زعماء ورؤساء العالم، يتقدمهم الرئيس عبدالفتاح السيسي والرئيس الأمريكى دونالد ترامب، توقيع خطة السلام الشاملة التي طرحها الرئيس الأمريكى وبرعاية مصر وقطر وتركيا، ليفتح باب أمل لشعوب المنطقة فى غد تسوده العدالة والاستقرار، منهيًا فى طريقه عامين من الحرب المدمرة على غزة، وصولاً إلى حل القضية الفلسطينية بشكل كامل.
قمة السلام التي شهدتها مدينة شرم الشيخ، أكدت الدور المحورى للدولة المصرية فى دفع عملية السلام، التي سبق أن زايد عليه البعض من المجرمين ومرتزقة الأوطان، الذين سمحت لهم نفوسهم المريضة، سب الإدارة المصرية وتوجيه سهام النقد والخيانة لشعب مصر، الذي قدم النفيس والغالى لنصرة القضية الفلسطينية، متصديًا، حكومة وشعبًا، لفكرة الحرب والتهجير، تأكيدًا لموقف مصر الثابت فى هذا الشأن، وهو الأمر الذي لم ينل رضا أو إعجاب البعض، فسعوا جاهدين للحصول على موافقات وتصريحات رسمية من وزير الأمن القومى الإسرائيلى (إيتمار بن غفير) للتظاهر أمام سفارة مصر فى إسرائيل (وحصارها إذا لزم الأمر)، فى الوقت الذي يطالب فيه هذا المسؤول المتطرف بقتل أشقائهم فى غزة، وتجويع نسائها وأطفالها، كل ذلك من أجل تحقيق وهم العودة والرجوع إلى احتلال كرسى السلطة مرة أخرى.. تدنٍ واضمحلال فكرى، يثبت خيانة هؤلاء المتاجرين بالدين والأوطان، وإن كان هذا من وجهة نظرى ليس غريبًا عنهم، فهم طوال تاريخهم معتادون على هذا النوع من التجارة، فمن سبق له أن وضع يده فى يد المستعمر قديمًا، فليس غريبًا عليه حديثًا أن يفعل أو ينتهج أى سلوك، حتى ولو كان ضد مصلحة وطنه، لذلك تحديدًا يعد الحديث الدائم والمستمر لهؤلاء الخونة عن ترديد شعارات التآمر والعمالة والبحث عن المصالح الخاصة، ليس له محل من الإعراب على أرض الواقع، بعد أن أثبتت مصر أن القضية الفلسطينية فى القلب.
ومن أجل هذا جاءت قمة شرم الشيخ لتتوج الجهود المصرية الراهنة، والتي تعد امتدادًا لدورها التاريخى إزاء قضية العرب الأولى، والذي لم يتأثر بأى تغيير سياسى داخل الدولة المصرية، حيث ظلت القضية على رأس أولويات اهتمام القيادة المصرية، ليس فقط نتيجة ما تمليه اعتبارات الجغرافيا والتاريخ التي تحتم على مصر تبنى مثل هذا الدور، وإنما أيضًا تشكّل الدور المصري نتيجة الإيمان والقناعة بعدالة القضية، وبحق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم التي انتزعتها إسرائيل منهم منذ 76 عامًا، هى عمر النكبة الفلسطينية، حينما احتلت الدولة الإسرائيلية الوليدة أراضى فلسطين التاريخية، وهجرت سكانها قسريًا من أراضيهم ومنازلهم، مرتكبة أبشع المجازر فى حق أصحاب الأرض، والتي نتمنى أن تنتهى عقب هذه القمة، لتشهد منطقة الشرق الأوسط الاستقرار والأمن وتعايشا سلميا، يطوى فى طريقه صفحة عقود طويلة من الصراع.
نقلاً عن مجلة روزاليوسف
















