عاجل
الإثنين 3 فبراير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
ثورة 30 يونيو مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
11 عامًًا على استعادة وطن

11 عامًًا على استعادة وطن

فى سِيَر الشعوب أنواع من أحداثٍ جسام على امتداد التاريخ. 



بعض الأحداث يغير الواقع، وبعضها يغير التاريخ، بعض الأحداث يغير الجغرافيا أيضًا.. وبعضها الآخر يغير أشكال الدول ومساحاتها.. كما يغير بعض ثالث الخرائط والحدود.. وخطوط التماس فى دفاتر الاستراتيجيات.  غيرت 30 يونيو تاريخ الوطن.. كما غيرت التاريخ.. وغيرت الجغرافيا.. وغيرت المنطقة وخرائط الإقليم.

 

أحدثت 30 يونيو تغييرًا فعليًا فى خرائط السياسة فى العالم، ووضعت خطوطًا جديدة لمعادلات كانت تدار فى الكواليس.. وتتفاعل.. وتدفع عليها صبوبًا من المواد المتفجرة والأحماض.. فى الطريق نحو بئر الشيطان.

لم تكن ثورة الشعب حجر عثرة فى مواجهة إخوان إرهاب صعدوا من المناور قفزًا على الحكم يدعمهم شراذم ثورة ومدعو حقوق فقط.. إنما لعبت محطة 30 يونيو دورًا أساسيًا فاصلًا فى مواجهة مخططات أدلجة الدين الإسلامى، فى منطقة كانت تتهافت عليها الكروب، وفى بلد كان قد تقلبت فيه المواجع، بمحاولات خبيثة متوطنة لإعادة ترسيم الواقع بخرائط جديدة.. وخطوط إمداد سياسية جديدة. 

تقوم علوم السياسة فى الأساس على توقعات. تقام التوقعات فى النظريات على استقراءات الأحداث الجارية، واستنباط النتائج وفق تراتبيات خاضعة لمعايير خاصة بنظريات خاصة.

عادة ما تتغير نظريات السياسة لتقفز إلى عوالم جديدة تحقيقًا لمصالح دول كبرى على أبواب كل حقبة من حقب التاريخ.

التاريخ فى السياسة فترات.. ولكل فترة من فترات التاريخ باب.

دُبّرت محاولات سطو الإخوان على الحكم فى مصر بليل. بصرف النظر عن المؤديات أو المسببات، التي لا تنفي أبدًا أن هناك من دفع بإخوان الإرهاب إلى الحكم من الداخل ومن الخارج، فإن سقوط الإخوان بأيادى مصرية.. وإرادة مصرية أحدث صدمة فى المكاتب فى أعالى البحار.. وهى ترسم خطوط مرحلة جديدة من مراحل تاريخ المنطقة والإقليم.. والشرق الأوسط كله.

(1) 

فى الأحداث الجسام فى تاريخ الدول، قد تتوقف عجلة التاريخ أمام إرادات الشعوب. على رأس المراحل الفاصلة يظهر أبطال يديرون أقراص التوقيت.. لتتوقف عجلة الزمن.. وتثبت الساعات. استجابة عبدالفتاح السيسي لمطالبات المصريين فى 30 يونيو أوقفت عجلة الزمن.. وأوقفت المخططات ومزقت خرائط الشيطان. 

استجابة السيسي لشعب نزل بالميادين.. استعادت وطنًا كاد أن يخطفه قبل الإخوان تجار شعارات.. وبعد الإخوان أرزقية ارتدوا الذقون كما ارتدوا الجلابيب البيضاء.. وتوضأوا بالدماء.. ثم أفردوا الموائد.. ومدوا السماط ليأكلوا على الأرض فى القصر الرئاسى!

لأسباب جوهرية سقط إخوان الإرهاب من علٍ فى سماء مصر. 

لا يفهم المصريون الإسلام مخلوطًا بالدماء. لا يعرفون أقوالًا للصحابة والتابعين محرضة على الفوضى والدمار. لا يعرف المصريون دينًا يأمر بالقتل والذبح وتفخيخ محطات أتوبيسات النقل العام. 

لا يعرف المصريون إسلامًا.. يفرض على الشعب التسليم بأخونة الدولة.

لذلك، فعلى مر التاريخ الإسلامى لم تفلح محاولة ولو وحيدة لأدلجة الدين فى سيرة المصريين. 

الأيديولوجية سياسة، والدين روح وسمو. 

 لم يؤمن المصريون طوال تاريخهم أن للدين أبعادًا فى السياسة، وأن للسياسة أجزاء فى الدين.

لذلك سقطت تيارات الإرهاب الدينى ولم تستطع تغيير المعادلات. 

لذلك أيضًا لم تنجح محاولات خلط السياسة بأقوال الصحابة، ولم تنجح تيارات التماحيك فى الدين فى إقناع المصريين بتأويلات خاصة افترضت معاداة الآخر، والحجر على الرأى، والقتل على الهوية.. رغبة فى الوصول للكرسى والاستحواذ على الحكم.

على مر التاريخ، أيضًا، لم تنجح معادلات الخراب فى مصر لأسباب لها علاقة بالشخصية المصرية.. وبطبيعة روح التدين لدى هذا الشعب.

للانصاف.. استطاع المصريون تكريس إسلام خاص على مر التاريخ. إسلام المصريين وسطي صحيح. 

لم يطعن المصري يومًا فى عقيدة.. ولم يحدث فى التاريخ أن أقام المصري تفريقًا على الهوية.. أو على الإيمان أو على المعتقد. 

لذلك لم ينجح الإخوان فى تمرير معادلة دينية ملغومة للشارع المصري. 

خلال مشروع لم يكن ليكتمل بالحتمية التاريخية والاجتماعية، حاول إخوان الإرهاب فيما بعد يناير 2011، إدخال المصريين إلى بوابات تسييس الدين، وأدلجة العقيدة.. وصولًا إلى أهداف السطو العام. 

لم ينجحوا. لأنه لم يكن لهم أن ينجحوا. 

(2)

أحدثت ثورة 30 يونيو على الأرض تغييرًا شديدًا فى معادلات السياسة فى العالم، وفى المنطقة، ونسجت خيوطًا جديدة لمعادلات هى الأخرى كانت جديدة، أثمرت عن إيقاف جدلية آثمة كانت تساق بها البلد نحو الطريق إلى ستين داهية.

لم تكن ثورة الشعب حجرًا شديد الضخامة فى مواجهة إخوان إرهاب حاولوا الصعود على دماء المصريين قفزًا على الحكم فقط، إنما لعبت 30 يونيو أيضًا دورها كمحطة كبيرة من محطات الوطن، فى منطقة كانت تتهافت عليها الكروب، وفى بلد كان قد تقلبت فيه المواجع، بمحاولات إعادة ترسيم الواقع بخرائط جديدة.. وخطوط إمداد سياسية جديدة. 

فى الأصل، تقوم علوم السياسة على توقعات وتكهنات وفق رؤى وشواهد ونظريات مجربة.

من جانبها، تقوم التوقعات فى نظريات السياسة على استقراء الأحداث الجارية، وبالتالى استنباط المخرجات وفق تراتبيات خاضعة لمعايير الشواهد المحيطة. 

تتشابك السياسة فى أغلب الأحيان مع التاريخ. والتاريخ فى حد ذاته فترات أو محطات، ولكل فترة من فترات التاريخ أو محطاته باب. 

تظل 30 يونيو الباب الأكبر فى مرحلة كتب فيها المصريون أن استعادة الوطن فرض عين. وكتب فيها الجيش المصري الوطني ملحمة وفاء وبر لأبناء البلد الذين هبوا على أبواب واحدة من أصعب مراحل تاريخهم يهتفون: انزل يا سيسى.

دبر الإخوان محاولة السطو المسلح على مصر بليل.

إن جيت للحق، لا تنفي نيات الإخوان الملوثة بالدماء أبدًا أن هناك من دفع بهم إلى الحكم من الداخل قبل الخارج. كانت محاولة الإخوان بداية لسلسلة من الأحداث، كانت تكتب فى أقاصى الكوكب لتغيير أمل فى تاريخ المنطقة، وكانت مصر فى تلك السلسلة بابًا وبوابة لخرائط جديدة على أمل نجاح ترسيماتها.

خلال أيام «تنذكر ولا تنعاد» فيما سمى بالربيع العربى، لم تكن خطة استيلاء الإخوان على الحكم فى مصر مجرد سطو مسلح على وطن، إنما كانت بداية وفتحًا لبوابة واسعة تتسرسب من خلالها كالماء خلايا سرطان الرديكالية الدينية وجماعات التطرف فى جسد المنطقة، وتنساب فى أروقة الشرق الأوسط، لتعاد أشكال التوازنات ومواقع القوى، وتعاد فيها ترتيب الاستفادة من الثروات، وتعاد منها رسم تفاصيل معادلات السلاح والهيمنة.

قطعت 30 يونيو الطريق على تجار الوطن.. ونزل عبدالفتاح السيسي استجابة لشعب.. لم ير أنه من الممكن أن يقيم على كرسى رئاسته جاسوس.. ولا أن يسلم دولته لحكم مرشد الإخوان. 

(3)

أثبتت 30 يونيو أن إرادة الشعوب لا تجعل كل الرهانات قابلة للتحقيق.. ولا كل النبوءات قابلة للتنفيذ. 

كثيرًا ما تتوقف عجلة التاريخ أمام إرادات الشعوب. وكثيرًا ما يقف على رأس المراحل الفاصلة أبطال يديرون أقراص الزمن.. لتتوقف العجلة.

لأسباب مختلفة سقط إخوان الإرهاب من علٍ فى سماء مصر. لا يفهم المصريون الإسلام مخلوطًا بالدماء.. ولا يعرفون أقوال الصحابة والتابعين محرضة على الفوضى والدمار.. والقتل والذبح وتفخيخ محطات أتوبيسات النقل العام.

على مر التاريخ الإسلامى لم تفلح أدلجة الدين فى سيرة المصريين. الأدلجة سياسة، والدين سمو روحى.. وعلاقات سامية مع الله. حاولت تيارات الإرهاب الدينى، تغيير المعادلات، فأدخلت الدين فى الدنيا.. وحاولت خلط السياسة بأقوال الصحابة.. وأعادت تأويل آيات الذكر الحكيم.. لمعاداة الآخر، والحجر على الرأى، والقتل على الهوية.. والاستحواذ على الحكم. 

لم تنجح معادلة الخراب على هذا النحو فى مصر هذه المرة. نفس المعادلة لم تنجح فى مرات سابقة منذ عصور ما قبل بدء الخلافة الإسلامية فى العصر الأموى.

للإنصاف.. ولحظوظ أسعد.. صنف المصريون إسلامًا خاصًا على مر التاريخ. مال إسلام المصريين للتوسيط.. يعنى ما بين بين. ما بين تشدد فى الشرق.. وما بين تعالٍ فى مزيد من التفريط فى الغرب.

دخل المصري على اختلاف دينه كنائس الأقباط ومعابد اليهود.. بعد صلاة الجمعة يوم الجمعة، وبعد قداس الأحد يوم الأحد. لم يطعن المصريون يومًا فى عقيدة، ولا أقاموا تفريقًا على هوية أو على إيمان. 

لم يسقط إخوان الإرهاب فى اختبار الحكم باعتباره شأنًا من شؤون الدنيا، مدوا إليه أياديهم باسم الدين.. إنما لم ينجح الإخوان فى تمرير معادلة دينية موهومة إلى الشارع المصري، تفوق فيها أصحاب الذقون على أصحاب الحرف.. وتعالى فيها أصحاب الجلابيب على أرباب المهن.

خلال مشروع لم يكن ليكتمل بالحتمية التاريخية والاجتماعية، حاول الإخوان، فترة ما بعد يناير، إدخال المصريين فى بوابات تسييس الدين وتديين السياسة.

علمنا التاريخ، أنه عندما تدخل السياسة فى الدين، تكثر الفتن، وتكثر الفوضى. يرفع هؤلاء علمًا برموز دينية، فيحتكم آخرون إلى أعلامٍ أخرى برموز هى الأخرى دينية. 

فى الثقافة.. كما فى الإيمان. لم يرتض الشعب المصري، منذ ما قبل نزول المسيحية حكمًا يرفع راية فئة، أو يحكم سطوة مذهب. 

صحيح ظهرت فترات من الضعف السياسى والاجتماعى أسفرت عن قلاقل من هذه النوعية على السطح، لكن ظلت كل تلك القلاقل دائمًا على هامش التاريخ المصري.. فى كل عصور التاريخ المصري.

لم يفهم إخوان الإرهاب معادلات الإيمان المصري.. ولا فهموا سيكولوجية شعب، لا فى السياسة.. ولا فى الاعتقاد. لذلك كانت فوضى الإخوان فتنة.. وقى الله شرها. وكانت 30 يونيو نهاية حتمية لمرحلة اقتربت فيها الدولة والحضارة والثقافة من حواف الهاوية.

ستظل 30 يونيو علامة ضوء مبهرة فى تاريخ شعب.. انفجر فى وجه محاولات اختطاف الوطن.. واغتصابه.. والمتاجرة به فى صالات المزادات.

نزل السيسي.. ليتهافت تجار الدين على الجحور.. ويعود تجار الأوطان للجحور مرة أخرى، ومن خارج مصر وحولها سيعودون لمواطن الكلام الفارغ!

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز