مروة فتحي
خط أحمر رقمي
هل حرية المرأة على الإنترنت مجرد امتلاك حساب.. أم أنها أمان لا بد أن نحافظ عليه؟.. سؤال واحد فقط يفتح باب الحديث عن شكل جديد من أشكال العنف الذي أصبح جزءًا من واقعنا اليومي، ألا وهو العنف الرقمي ضد المرأة، وعن ضرورة رسم خط أحمر رقمي لا يُسمح بتجاوزه.
العنف الرقمي لم يعد مجرد مضايقات عابرة، بل هو تهديد حقيقي يبدأ برسالة مسيئة أو تعليق جارح، وقد يصل إلى تهديد، ابتزاز، اختراق للحسابات، تشهير، أو حتى انتحال شخصية المرأة، وكل هذا يحدث في مساحة نظنها آمنة، لكنها دون وعي وإجراءات حماية قد تتحول إلى بيئة خطيرة.
العديد من النساء مررن بتجارب مشابهة، أنا شخصيًا تعرض حسابي أكثر من مرة لمحاولات اختراق، وفجأة كان يصلني إشعار بأن هناك من يحاول الدخول، ولولا أنني استخدمت كلمة سر قوية، وفعلت خاصية التحقق بخطوتين، وربطت الحساب برقم الهاتف، لربما فقدت حسابي تمامًا أو تمت سرقة بياناتي، هذه التجارب علمتني أن أبسط خطوات الحماية قد تمنع أسوأ السيناريوهات، وأن وعي المرأة بحقوقها الرقمية ليس رفاهية، بل ضرورة.
هذا العام، ركزت حملة الـ١٦ يوم لمناهضة العنف ضد المرأة على هذا النوع من العنف تحديدًا، وأطلق المجلس القومي للمرأة شعارًا قويًا ومعبرًا وهو «اتحدوا لإنهاء العنف الرقمي ضد جميع النساء والفتيات، والسبب واضح، إذ إن العنف الرقمي أصبح واحدًا من أكثر أشكال العنف انتشارًا، ولأنه يؤثر مباشرة على حرية المرأة، وصحتها النفسية، وسلامتها، وقدرتها على المشاركة في الحياة العامة بلا خوف.
الإحصاءات العالمية تشير إلى أن نسبة كبيرة من النساء في العالم العربي تعرضن لشكل ما من أشكال العنف الرقمي، فيما تذكر بعض الدراسات الأممية أن واحدة من كل خمسة نساء عالميًا تتعرض للتهديد أو المضايقة عبر الإنترنت، وأن الكثيرات اضطررن إلى إغلاق حساباتهن أو تغيير طريقة تواجدهن الرقمي خوفًا من الاستهداف أو الابتزاز.
لذلك، يصبح الوعي هو خط الدفاع الأول، فعندما تتعرض المرأة لعنف رقمي، يجب أن تتصرف بسرعة، بأن تحتفظ بالأدلة بدلًا من حذفها، وتغير كلمات السر فورًا، وأن تراجع إعدادات الخصوصية، وتبلغ الجهات المختصة أو المنصات نفسها، وفي الحالات الخطيرة مثل التهديد والابتزاز، يكون اللجوء إلى الجهات الرسمية أمرًا لا يجب التردد فيه على الإطلاق.
كما يجب على كل امرأة قبل أن تتعرض لخطر، أن تحمي نفسها بإجراءات بسيطة لكنها فعالة، أبرزها عمل كلمة سر قوية، التحقق بخطوتين، عدم فتح روابط مجهولة، والحد من إظهار المعلومات الشخصية على حساباتها.
العنف الرقمي ليس قدرًا ولا مرحلة لا بد من المرور بها، لكنه سلوك عدواني يجب التصدي له، والتوعية به، وكسر الصمت حوله، وخلق بيئة رقمية آمنة للنساء، وعندما نقول «اتحدوا لإنهاء العنف الرقمي ضد جميع النساء والفتيات» فنحن ندعو إلى تضامن عالمي حقيقي؛ تضامن يبدأ بالوعي، ويمتد إلى دعم الضحايا، والمطالبة بتشريعات رادعة، وصوت جماعي لا يخاف من مواجهة هذا العنف مهما اتخذ شكلًا أو طريقة أو منصة يختبئ خلفها، فمهما تغير أسلوب المعتدي، أو استخدم حسابات وهمية، أو حاول يبتز، أو يهدد، أو يشوه سمعة المرأة تحت أي ستار، يظل العنف عنفًا، ولا بد أن نواجهه بوعي وقانون وقوة.























