عاجل
السبت 19 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
«المطر الأحمر».. رواية ليبية تكشف أسرار العائدين من أفغانستان

«المطر الأحمر».. رواية ليبية تكشف أسرار العائدين من أفغانستان

من حي الصابري الهادئ في مدينة بنغازي الليبية، إلى معسكرات الجهاد في جلال آباد الأفغانية مروراً بمدينة بشاور الباكستانية الصاخبة، ثم القاهرة وتونس وصولًا إلى لندن مدينة الضباب.. أحداث مثيرة تحكيها رواية «المطر الأحمر» للكاتب الليبي عيسى عبدالقيوم، الصادرة عن مركز السلام للنشر في بنغازي.



 

مع أن الرواية تتضمن تفاصيل دقيقة حول صراع أجهزة المخابرات ومعارك أباطرة زراعة وتجارة الهيروين في أفغانستان وباكستان، وتورط العائدين من أفغانستان في جرائم هزت أمن عديد الدول العربية، إلا أن الرواية تحكي أهوالًا عن حجم الزيف والأكاذيب التي تم الترويج لها حول الجهاد في أفغانستان في الدول العربية، بهدف استثمار حماس الشباب العربي في الصراع بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي السابق، بحجة المشاركة في الجهاد الوهمي في أفغانستان.

 

اعتاد بطل الرواية الاحتفاظ بمذكرة زرقاء كان يدون فيها يومياته منذ قرر الهروب من أجهزة أمن القذافي عبر الحدود التونسية والسفر سراً إلى باكستان تمهيدًا للانضمام إلى صفوف المجاهدين، واختار الكاتب بناء روايته على طريقة الفلاش باك، حيث بدأ أحداثها من لندن التي تعد المحطة الأخيرة التي وصلها بعد عودته من الجهاد في أفغانستان، لكن في محطة مترو لندن، تسقط منه مذكرته الزرقاء فجأة خلال مشاجرة عابرة، وتقع المذكرة في يد أحد الركاب الذي فشل في العثور على صاحبها فأوصلها إلى صديقه «ويلسون» الذي يجيد العربية بحكم تخصصه في دراسة شؤون الجماعات الأصولية، وطوال فصول الرواية كان «ويلسون»، وزوجته طرفًا أساسيًا في الأحداث باعتباره يترجم يوميات صاحبها منذ ودع بنغازي حتى وصل إلى لندن لاجئًا سياسيًّا.

 

ربيع بطل رواية «المطر الأحمر»، لم يكن سوى شاب ليبي في مقتبل العمر، وقع بالخطأ في قبضة أجهزة أمن العقيد الليبي معمر القذافي، وبعد اعتقاله والتحقيق معه بتهمة «قلب نظام الحكم» تبيَّن أن المقصود كان شخصًا آخر، تزامن الإفراج عن ربيع مع شن الولايات المتحدة الأميركية غارة جوية استهدفت مدينته الهادئة في عهد الرئيس الأميركي رونالد ريجان انتقامًا من القذافي.

 

نزلت الغارة الجوية الأميركية كالصاعقة على رأس بطل الرواية فحولته من شاب يحب القراءة والشعر ويهوى تربية الحمام فوق سطح بيته، ومداعبة بنت الجيران، إلى إنسان حائر يبحث عن التغيير والخلاص الذي وجده في الانخراط وسط مجموعات من الشباب الذين يشاركونه الأفكار نفسها.

تلقى ربيع هدية من أحد جيرانه وكانت الهدية عبارة عن كتاب بعنوان (آيات الرحمن في جهاد الأفغان)، تضمن الكتاب قصصًا خارقة وبطولات مدهشة تصل إلى حد المعجزات قام بها المجاهدون في أفغانستان ضد القوات الروسية الغازية!

التهم الشاب الليبي الكتاب بانبهار شديد، وبدأ التواصل مع صاحب الهدية، وجرت بينهما نقاشات طويلة حول أفغانستان ومضمون محتوى الكتاب، وقدمه إلى باقي رفاق الشباب الذين جمعتهم أفكار مشتركة، ثم تلقى دعوة لاستكمال النقاش حول الموضوع معهم في منطقة وادي الكوف خارج نطاق مدينة بنغازي وسط الغابات والجبال البعيدة، فالمكان عبارة عن كهف سري له دلالة لدى أبناء بنغازي حيث كان مقرًا آمنًا للمناضل عـمـر المخـتار زعيم المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الإيطالي، اعتاد ربيع ورفاقه من الشباب الغاضب من حكم القذافي عقد لقاءاتهم السرية داخل هذا الكهف بعيدًا عن أعين الأمن.

لكن يبدو أن أجهزة أمن القذافي كانت تراقبه، ثم انتظرته في إحدى الليالي الشتوية بعد عودته من لقاء وادي الكوف وألقت القبض عليه بالقرب من منزله، وجرى نقله من بنغازي إلى العاصمة طرابلس، وفي أحد المقار الأمنية تم احتجازه وتعذيبه والتحقيق معه للتعرف على باقي رفاقه، ثم تنقل بين سجون ليبيا المختلفة من بوسليم إلى عين زارة، ثم الحصان الأسود وغيرها.

 

وبما أن بطل الرواية ليبي فإن أغلب أحداثها ترتبط بليبيا، خاصة عندما قرر بطلها الانضمام إلى صفوف المجاهدين الأفغان ظنًا منه أن انتصارهم على الروس مرتبط بتحرير بلده من الهيمنة الغربية كما كان يعتقد!

ولتحقيق هذا الهدف كان عليه الهروب عبر الحدود التونسية وفيها تعرف على من ساعده في الحصول على تأشيرة للسفر إلى باكستان، ثم الالتحاق بقوافل المجاهدين العرب الذين شكلوا نواة تنظيم القاعدة بقيادة السعودي أسامة بن لادن ونائبة المصري أيمن الظواهري.

 

الرواية تتناول كواليس صراع أجهزة المخابرات ولعبة الجواسيس، وغموض التمويل النفطي لمعارك دارت رحاها في وسط جبال أفغانستان الوعرة، كان وقودها آلاف من خيرة الشباب العربي الذين تورطوا في معارك ليس لهم ولا لبلادهم فيها ناقة ولا جمل.

كما تتضمن الرواية سردًا لأحداث وجرائم إرهابية بشعة هزت مصر وعددًا من الدول العربية، كان يقف خلفها مقاتلون عرب عادوا لتوهم من قتال القوات الروسية في أفغانستان وعرفوا إعلاميًا باسم «العائدون من أفغانستان».

 

لم تخل الرواية من عنصر الإثارة والتشويق خاصة فيما يتعلق بعمليات الملاحقة والهروب التي ظل البطل يعتمد عليها سواء في رحلة الوصول إلى أفغانستان أو حتى خلال وجوده داخل معسكرات الجهاد، وكذلك عندما قرر الهروب والعودة تفاديًا للاغتيال والتصفية من رفاقه المجاهدين أنفسهم، بعد أن تمرد عليهم واقترب من كشف أسرارهم، ناهيك عن تفاصيل عمليات الاختراق الاستخباراتي للمجاهدين التي تضمنت معلومات وأرقامًا تتعلق بكيفية تجنيد المخابرات الأميركية لقادة الجهاد ثم صراعهم فيما بينهم إلى جانب رصد مصادر التمويل بالمال والسلاح التي كانت تتولاها بعض العواصم العربية!

 

أيضاً كان لمصر نصيب الأسد في الرواية حيث اختارها البطل لتكون محطة رئيسية في طريق عودته من الجهاد، وسرد في صفحات مطولة تفاصيل إقامته في منطقة العتبة بوسط القاهرة، و(ممارسته) مهن متواضعة إلى أن نجح في التعرف على معارض ليبي يمتلك مصانع للحلويات في حي الزمالك الراقي، وتوطدت علاقاتهما، لكن كونه دخل مصر بجواز سفر مزور، وقع في قبضة أجهزة الأمن، وتم وضعه في سجن القناطر الخيرية إلى حين ترحيله خارج البلاد، ثم نجح صديقه المحامي القبطي في تدبير تأشيرة دخول إلى بريطانيا، ونصحه الليبي صاحب محلات الحلوى بأن يطلب اللجوء السياسي بمجرد وصوله إلي مطار هيثرو في لندن، بعد أن دبر له تذاكر السفر، هناك فتحت له عاصمة الضباب زراعيها وبدأ فيها حياة جديدة مختلفة تمامًا، بعد أن استيقظ من وهم الجهاد في أفغانستان متطلعًا لما تشهده بلده ليبيا من تغييرات.

 

«المطر الأحمر» رواية طويلة تقع في 350 صفحة، لكنها مكتوبة بأسلوب ولغة سهلة، وتتنوع أحداثها من مرحلة إلى أخرى بطريقة سينمائية، كأنها مشاهد منفصلة ومتسلسلة في ترتيب منطقي، فهي أقرب إلى فيلم وثائقي يروي رحلة شاب ليبي يبحث عن الحقيقة، فيجدها في دعم جهاد الأفغاني، لكنه سرعان ما يكتشف أنه كان يبحث عن سراب ويطارد وهمًا كبيرًا، ولم يستيقظ من هذا الكابوس إلا في لندن التي كان يناصبها العداء.    

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز