عاجل
الأربعاء 19 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
الحج المبرور
البنك الاهلي
خواطر من مناسك الحج (2-2)

أمطار الرحمة في عرفات ومكة

خواطر من مناسك الحج (2-2)

كنا في عرفات، نُكبِّر ونحتمي من حرارة الشمس، بالمخيمات والمظلات، عندما تحول الجو في لحظات من صيفي شديد الحرارة إلى ربيعي، وسط زخات المياه التي تتساقط بغزارة من السماء.



استبشر الحجاج مهللين مكبرين ملبين، فقد بلغتهم الرسالة، رحمات الله تتنزل على ضيوفه، قبل ساعتين من غروب شمس ذلك اليوم والنفرة إلى مزدلفة.

كانت حجتي الثانية عام 1440 هجرية، 2019، ميلادية، تحت الأمطار الغزيرة، كانت أكف الضراعة تتجه إلى السماء، والقلوب قبل الألسنة تنهل بالدعاء، من أسرع للاحتماء بالمخيمات يدعي الله بداخلها مستبشرًا، وكنت ممن خرج إلى الفضاء للابتهال إلى الرحمن الرحيم مستمتعًا بالاغتسال بماء الرحمات.

في مشاعر الحج عبر وعظات، ترى وجوهًا تمثل مختلف الأجناس واللغات، من كل فج عميق، لبوا نداء سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء، الذي أذَّن في الناس بالحج امتثالًا لأمر الله.

ترى الشيخ الطاعن في السن، منحني الظهر يهرول ملبيًا، والأم القعيدة يدفع بكرسيها المتحرك ابن بار، وجوه مستبشرة، حدثتني نفسي: مُستحيل أن يرد الله الرحمن الرحيم هؤلاء إلا مقبولين مغفورًا لهم، فإذا كنت وأنا العبد الضعيف أخذتني الرحمة بهم فما بالنا بأرحم الراحمين.

الجميع متساوٍ، تجرد من ثياب التفاخر والتباهي والثقافات والطبقات، لا فرق بين ثري وفقير، ولا من جاء من العالم المتقدم ولا العالم الثالث، الجميع يرتدون إحرامًا متشابهًا، لا مخيط فيه، أشبه بالكفن الذي سنغادر به متاع وزينة الحياة الدنيا إلى دار البقاء.

في مزدلفة صلينا المغرب والعشاء قصرًا، قضينا ليلة العيد، ثم جمعنا الجمرات التي سنلقيها على إبليس في أيام التشريق.

مشعر رمي الجمرات محاكاة لما فعله سيدنا إبراهيم، فقد رأى في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل، ورؤى الأنبياء وحي وأمر من الله واجب النفاذ.

لكن هل تظن أن الشيطان ترك نبي الله يشرع في تنفيذ أمر الله دون محاولات التضليل، كلا، لقد تشكل وحاول مطاردته لإقناعه بأنه حلم وليس أمرًا، عازفًا على أوتار مشاعر الأبوة، فجمع نبي الله جمرات من مزدلفة، وكلما اقترب منه الشيطان رجمه بسبع جمرات، ليفر هاربًا.

وكذلك يحاكي الحجاج فعل أبيهم إبراهيم، فالشيطان توعد بني آدم عندما تكبّر ورفض الانصياع لأمر الله بالسجود لآدم عليه السلام: «قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ». 

وهنا يرجم المخلصون إبليس اللعين، هناك في مشعر منى، ترى بسطاء يقذفون الشاهد الذي يرمز لإبليس بالأحذية، مرددين- رغم ندرتهم- عبارات مضحكة، فمنهم من يرى في الرجم فرصة لمعاقبة إبليس على دفعه لطلاق زوجته أو ارتكاب إثم يتوب منه.

الحجاج يرجمون الشيطان، رمز التحريض على المعاصي، عازمين على التطهر والالتزام بطاعة أوامر الله، فكما فعل سيدنا إبراهيم وانتصر على عاطفة الأبوة، وعلى الشيطان ونفذ أمر الله، ينفذ الحجاج أوامر الله وسنة خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد ﷺ الذي علّم تلك المناسك لأمته.

كثير من الحجاج البسطاء، ينفذون أوامر الله بالحج وتنفيذ المناسك دون إلمام بأبعادها وحكمتها، وكثيرون من يعلمون بعضها ويعلم الله فضلها الذي لا نعلمه، لكنه التسليم لأمر الله كما فعل سيدنا إبراهيم.

«فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى».

«قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين».. وهنا الأب يخطر ابنه بأمر الله، والابن في يقين يعين والده النبي على طاعة أمر الله فيشرع الأب في التنفيذ.

«فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين».

بلاء مُبين؟ حقًا أب تنازعه رغبتان الأولى طاعته لله الخالق، ومشاعر الأبوة، يشرع في ذبح ابنه الوحيد، فكان أن فداه الله بكبش عظيم، فقد نجح في الاختبار، صدّق الرؤيا وشرع في تنفيذ أمر الله ففداه الله بذبح عظيم.

وكذلك يفعل المسلمون، يذبحون الأضاحي، يفتدون بها أبناءهم وأنفسهم من مخاطر لا يعلمها إلا الله، يتراحمون بها ويطعمون الفقراء.

 فكان أن كافأ الله نبيه (وبشرناه بإسحق نبيا من الصالحين وباركنا عليه وعلى إسحق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين).

اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين، واجعلنا من المحسنين، وارزقنا الحج أعوامًا عديدة وسنوات مديدة.

كل عام وأنتم بخير وسعادة.

[email protected]

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز