عاجل
الأحد 1 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي

د. إيمان ضاهر تكتب: المتحف.. أعظم مقام لسمو الإنسان

بحث عن النور والحرية ولا أتعمق في تأمل شرور الحياة.. بالنسبة لي المتاحف هي أعمدة رفيعة تنام فيها أوج أعمال الماضي التي تتحول إلى أساطير نبيلة تعيش ذروة حياتها التاريخية،  دوما على موعد مع أهل الفن ليعيدوها إلى وجودها الحقيقي. أليس المتحف أحد الأماكن التي تجسد أعلى فكرة عن الإنسان؟ أليس  المتحف هو المقر الوحيد في العالم الذي ينجو من الموت؟ نعم، لأنه يحول العمل إلى كائن ولا يتعلق وجود المتحف بتقليد الطبيعة بل إن فلسفة بقائه إتقان الجهد مثلها، فالقوة المطلقة للخيال التي نوهبها للمتحف هي الرغبة في استنفاد مالا ينضب فيه، ليس متعة النظر بل شغف الحواس والقلب والروح. فالمتحف،  يتقدم إلى الإمام، تطور وخلق من خلال طرح أسئلة كثيرة حول ما هو فن اليوم وفن الماضي. ألا يخفي الدعوات عن الفناء؟ 



 

تساهم المتاحف في رفاهية واستدامة المجتمع البشري وحسن تنميته الدائمة، بما هو أعمق  وأكثر سرية داخل الإلهام المبدع ومن الصعب  الكشف عن ذلك، وهذا ما يمنح المتحف القوة والثراء والخلود. 

وغدًا  الثامن عشر من أيار، يوم حافل وعظيم، لتألق المتاحف العالمية بطقوسها وفنونها لعشاق المعارض الحميمة، التي تمضي قدما في العمل  لتعزيز الثقافة والحفاظ على تراثها العميق في  العلاقات الفكرية والتعاون الكامل للمجتمع  المدني، وتسليط الضوء على أهميتها في البحث  والتعليم والتعلم،  والدور الحاسم والبناء الذي لطالما لعبته المتاحف لصالح الوعي العام، والحوار  الثقافي، والتنوع المجتمعي.

 

  وتحت شعار جمع تراث الإنسانية منذ ولادتها أود التحدث عن مشروع فرعوني، متحف  عظيم في مصر أم الدنيا منارة الدنيا في  مخيلتها العالمية حيث نعيش رحلات مثيرة لإنجاز بشري وتراث عالمي لا يصدق. والبس هذا المتحف رحلة عبر عصور الزمن؟ تخيل نفسك واقفا عند سفح أهرامات الجيزة  الرائعة والمهيبة من عجائب العالم بأسره وأمام عيونك مناظر تطرح على الإنسان المصري   المعنى المأخوذ من وجود استجابة أبدية  لنصيبه النادر من الأبدية منذ حضارته الأولى. ألا يحدد موقع المتحف العظيم هويته الخالدة؟

 

يقع المتحف المصري الكبير على حافة هضبة الصحراء الأولى بين الهرم الأكبر بالجيزة الأعجوبة المبدعة الباقية من العالم القديم والقاهرة، وهو صلة ارتباط بين ماضي مصر وحاضرها. يتميز الموقع الذي تبلغ مساحته 50 هكتارًا ويبلغ ارتفاعا كبيرا يمر  خلفه نهر النيل النبيل أثناء انعطافه عبر الصحراء وهو   جرف من الأرض تم إعادة خلقه وزخرفته بواجهة المتحف الحجرية الجبارة.  أليس من أعظم الإنجازات البشرية النادرة؟ و ننتظره من زمن طويل؟ المتحف المصري الكبير الجديد هو نتيجة لمشروع  بدأ في التسعينيات، وبات الحلم  الأسطوري واقعا ساحرا ولا يصدق بعظمته  وسموه ونبله ، وهو يهدف  إلى احتواء كل كنوز مصر الثمينة، التي مازالت دوما محط  إعجاب وتأمل ودهشة ومزار ، لعروض هائلة في كل متاحف العالم، التي تحتفل بعرض آثارها  بكل صرامة ودهشة. و المتحف المصري الكبير هو أكثر من مجرد متحف بسيط: فهو رمز للتجديد والرغبة، من المرمر النادر ، ٢٤٠٠٠ متر مربع من الاستثمارات والتطوير لصالات العرض الضخمة والمزينة بحوالي ١٠٠Hلف  قطعة أثرية  لا تقدر بثمن لإبرازها كإرث حضاري لكل الأجيال القادمة وللعالم بأسره.

 

ومن يستطيع فك جواهر وبصمات هذا التاريخ وحكاياته التي لا يمكن محوها إطلاقا، أماكن  للقوى المضادة والثقافة كعناصر لا تتحول، أهرامات الجيزة الثلاثة ومقابر الفراعنة خوفو   وخفرع وميكيرينوس.  مشاهد مذهلة،    تسافر عبر الزمان والمكان، مما يجعلك تشعر وكأنك شاهد مميز  لحضارة المصري المهيب وتأثيره على العالم أجمع.

 

ومن بين الجواهر الخالدة  في المتحف الرائع  فإن المجموعة الكاملة لكنز توت عنخ آمون هي  الأكثر تميز  للإعجاب .   أكثر من 5000  في وادي الملوك بالأقصر، لأول مرة بالكامل. أقنعة ذهبية، وتوابيت، وأسرة وعربات ذهبية، ومجوهرات من عرق اللؤلؤ مرصعة بالأحجار الكريمة: هذا الكنز، الذي ظل صامدا لمدة 3000 عام، هو مثال مذهل لعظمة الفن والحرفية في مصر القديمة. أليست العيون  خلقت لمحو ما هو قبيح وإظهار جمال المتحف لتشجيع المجتمع على حمايته ومنعه من  الاندثار. 

 

فما علينا القيام به لدى رؤية أي تحفة في  هذا المتحف الأسطوري؟ لكي تفهم أي تحفة فنية في باحاته الخيالية انحني أولا أمامها، ثم انتظر، واحبس أنفاسك حتى تتحدث اليك،  وفي مواجهة لؤلؤة تبدو أنها هنا لفهم آلامنا ولتواسينا بالصمت الأبدي الثابت والمطمئن وهدفه الوحيد أن يغمرنا بأمواج الجمال الخالد . وهل يبقى للإنسان للهروب من وحشية الدمار والألم أسلحة أخرى غير متاحف الفن والجمال؟ 

في الفن كل شيء عبارة عن معرفة وعمل وشقاء  وصبر وموت  وما يمكن أن يحدث في لحظة سيستغرق عقود ليتطور  ويكبر ويخلد. أليس هو الجبين العالي لام الدنيا مصر في  متحفها العظيم وكل متاحفها الأخرى في  أضواء المصابيح لانتصار العلم وبصمات العناد والإرادة المقدسة، المطلقة الأبدية والملتصقة بهذا المشروع النبيل، عبر السماء الذهبية. انه الجهد المذهل لأمة فريدة وجمهورية قائدة، ورائدة في الوريد الخصب، القتال البناء  لرسالة ومصير ، ليل العمل المرير، الذي منه يشرق ببطء ببطء الكمال مثل الشمس التي تنير أرض البشر.

أستاذة متخصصة في الأدب الفرنسي واللغات والفن الدرامي من جامعات السوربون في  باريس.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز