وليد طوغان
سيناء التنمية.. والخطوط الحمراء
رسائل رئاسية مصرية شديدة الوضوح مرة أخرى.
سيناء خط أحمر.
ترسم مصر الخطوط الحمراء وقت المقتضى. هذه مرحلة من أدق المراحل حساسية التي تعيد فيها مصر وضع الخطوط من ذلك النوع.
لا تفرط مصر فى أرض.. أنفق عليها شبابها دماء زكية فوقها.. ولها.. وعليها. لا تفرط مصر فى أرض.. لأن الأرض عرض من ناحية.. ولأن حلًا شاملًا وعادلًا للقضية الفلسطينية أولوية وثابت من الثوابت.. وفق سلام حقيقى.
قضية فلسطين «سارى علم».. حملته مصر عبر التاريخ، ودارت به على بلدان هذا الكوكب.. تخاطب العالم فى الحق والمستحق.
(1)
فى كلمته بمناسبة عيد التحرير أعاد عبدالفتاح السيسي وضع النقاط فوق الحروف.. محذرًا ونذيرًا. تحررت سيناء بالحرب والدبلوماسية.
لذلك ستظل تلك البقعة من الأرض شاهدة على قوة مصر وشعبها وقواتها المسلحة ومؤسسات دولتها. وعلى مر التاريخ.. وفى المستقبل، ستظل سيناء رمزًا لصلابة الشعب المصري على سحق المعتدين والغزاة.
فى السنوات القليلة الماضية، تعرضت مصر لاختبار جديد استهدف سيناء. كان الاختبار هو الإرهاب. وخاض أبناء هذا الشعب حربًا شرسة ضده.
انكسرت موجة الإرهاب، وتشتتت.. وامتصتها رمال سيناء، بصلابة أبناء هذا البلد.
سحق المصريون قوى الشر، وهى التي توهمت يومًا ما أن فى مقدورها إضعاف عزيمة المصريين، أو النيل منهم، أو المساس بهم.
دحر الشعب المصري الإرهاب.. وشبت قواتنا المسلحة مرتقية درجتين، مقدمة أبناءها الأبرار شهداء، حماية للأرض فى ملحمة جديدة من ملاحم الفداء.
يظل الموقف المصري شديد الوضوح، من رفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم إلى سيناء أو أى مكان آخر.
الحفاظ على الأمن القومى المصري هدف. والحفاظ على القضية الفلسطينية من التصفية هدف آخر. حسب التعداد الرسمي، فإن على الأراضى المصرية أكثر من 9 ملايين لاجئ من دول عربية.
على أرض مصر، سوريون ويمنيون وعراقيون وليبيون. لم يحدث أن عاملت مصر لاجئًا عربيًا بنفس ما تجرى عليه التعاملات فى دول أخرى. لم يحدث أن فرقت مصر بين لاجئ.. ومواطن.
على رؤوس الأشهاد ذكّر عبدالفتاح السيسي العالم بأن هؤلاء على الأراضى المصرية ضيوف.
لم يحدث أن منعت مصر لاجئًا وقت أزمة من الدخول. ولا منعت عربيًا فى وقت أزمة من التواجد على الأرض.
لكن فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية الأمر مختلف. يبقى النزوح الفلسطينى إلى سيناء، تصفية واضحة لقضية أرض محتلة.
هناك من يعمل على إعادة ترسيم الخرائط، وإعادة تسمية المناطق وتغيير أسمائها بعد تغيير ملامح الجغرافيا، وربما ملامح التاريخ.
لا تقبل مصر لا هذا ولا ذاك.
لا تغيير الأسماء ممكن.. ولا تغيير الجغرافيا سوف يحدث. يبقى لدى مصر كل الوسائل التي تتيح لها الحفاظ على معادلة أمنها القومى، ومحدداتها فى الحفاظ على القضية الفلسطينية حية.
رسمت مصر الخطوط الحمراء من قبل على الخرائط فى الغرب. استجاب العالم.. وتوقفت عجلة النار. هذه المرة ترسم مصر الخطوط الحمراء فى الشرق.
فى زيارته للأكاديمية العسكرية بالعاصمة الإدارية استعرض الرئيس عبدالفتاح السيسي المنظومة التدريبية والتعليمية والتدريب.
الزيارة حملت أكثر من معنى.
إذ ظهر فى الصور أن طلاب الأكاديمية قد تصادف لهم أن يتداولوا فى نفس الوقت محاضرة عن نظام أمنى عسكرى إسرائيلى اسمه «تروفى».. وتدور بينهم مناقشات حول الدبابة الإسرائيلية ميركافا وسبل التعامل معها.. وتركيبها الميكانيكى.
على مواقع التواصل وفى الصحافة العالمية انفجرت الرسائل فى الوجه.. وتناثرت المعانى على الجوانب. شبكة سى إن إن العربية نشرت الصورة، وعلق خبير إسرائيلى معتبرها رسالة واضحة للجيش الإسرائيلى: مصر خط أحمر.. وسيناء لا جدال فيها.. ولا أخذ ولا رد.
تعمل مصر فى مبادرات ماراثونية وبجهود مكثفة على وقف إطلاق النار وإنفاذ المساعدات الإنسانية، فيما تواصل دفع الجهود لإقامة الدولة المستقلة ذات السيادة وفق حلول عادلة يحصل بها الفلسطينيون على ما يجب أن يحصلوا عليه.
لا تفريط هنا.. ولا تفريط هناك. القضية الفلسطينية على المسار الصحيح وفق الأولويات المصرية.. ووفق الرؤى العادلة كما تراها مصر.
(2)
الأسبوع الماضى أعلنت المتحدثة الإقليمية لوزارة الخارجية الأمريكية هالة غريط استقالتها من منصبها فى الوزارة.
عملت هالة سنوات طويلة فى وزارة الخارجية، وقدمت جهودًا مكثفة فيما يتعلق باختصاصاتها.
استقالت هالة.. احتجاجًا على السياسات الأمريكية فيما يتعلق بالاعتداءات الوحشية الإسرائيلية على الفلسطينيين.
فى خطاب استقالتها، قالت هالة إنها لم تجد بدًا من التقاعد عن العمل لأن السياسات الأمريكية تجاه الاعتداءات على الفلسطينيين فى غزة، لا يمكن أن تمر دون حساب، ولا يمكن لهذا الدعم من الرئيس بايدن أن يستمر بلا عواقب.
تكلمت هالة عن حقوق الإنسان، وعن حقوق الشعب الفلسطينى، وتكلمت عن مجازر، وتحدثت أيضًا عن رغبة محمومة من مجلس الحرب الإسرائيلى فى مد النزاع، ومد النيران، ومد خطوط التماس الملتهبة فى الشرق والغرب والشمال والجنوب.
تكلمت هالة على حسابها على منصة لينكد إن للتواصل الاجتماعى.
فى الصحافة الأمريكية قالوا إن هناك من منع هالة من التحدث إلى الصحافة. واستغربوا: كيف يعمل البيت الأبيض فى دولة الحريات وحقوق الإنسان، على منع إحداهن من الكلام فى أسباب استقالتها؟
السؤال منطقى.. ووجيه.. فى تلك اللحظة التي يواجه فيها الرئيس الأمريكى، ليس فقط حملة إدانة شديدة اللهجة بالنسبة لسياسته تجاه ما يجرى على الأراضى المحتلة، إنما تواجه فرص بايدن الانتخابية معضلات من العيار الثقيل.. لما أدت إليه سياساته من دمار على الأرض.. ودمار فى خطوط التماس بين الولايات المتحدة.. وأغلب دول العالم.
يبدو أن بايدن يحاول أن يعلوا برقبته سنتيمترات قليلة من طوفان الماء الذي وصل إلى أعلى من جبهته ويريد أن يتنفس.
أول من أمس، أعلن تقرير أمريكى، أن إدارة بايدن، تدين 3 كتائب فى الجيش الإسرائيلى بانتهاك حقوق الإنسان!
كانت نكتة، تكلمت عنها صحف العالم، وما زالت.
3 كتائب مدانة بانتهاك حقوق الإنسان؟ ماذا عن باقى الكتائب؟ ماذا عن باقى الجيش؟
فى الولايات المتحدة نفسها سرت نتائج التقرير كما لو أنها «نكتة» تداولها المجتمع السياسى والصحفى بالسخرية والضحك.
قالو إن بايدن يدعم انتهاك الجيش الإسرائيلى كله لأكبر انتهاكات لحقوق الإنسان فى التاريخ الحديث من جانب، وفى الجانب الآخر يعمل على حفظ ماء الوجه، بمجموعة من الأوراق التي تدين على استحياء مجموعة صغيرة من ذلك الجيش.. لأسباب انتخابية.
فى الصحافة الإسرائيلية.. وصف أحد المحللين نتنياهو بالجنون.
وهذا صحيح، إذ أن المجتمع الدولى الآن، أمام أحدهم، يخشى الحساب من شعبه ومن الناس فى شوارع بلاده، فإذا به يشعل المنطقة، ويشعل هجمات لا إنسانية على عزل، فتنفجر بإجراءاته، تداعيات شديدة التعقيد فى الشرق الأوسط.. ويتحول فيه آلاف الأبرياء إلى جثث على الارض.. فيبحث الباقون عن أكفان للموتى.. أكثر مما يبحثون عن غذاء للأحياء!
(3)
على كل.. استقالة هالة غريط من وزارة الخارجية الأمريكية، ليست هى الأولى خلال الشهور الأخيرة. هناك استقالات أخرى، لأن هناك احتجاجات بصوت عال أخرى فى عقر دار الأمريكان.
قبل شهر تقريبًا، أعلنت أنيل شيلين من مكتب حقوق الإنسان بوزارة الخارجية الأمريكية استقالتها هى الأخرى. وقبلها سبق المسؤول بالوزارة جوش بول الذي أعلن هو الآخر استقالته بعبارات كتبها على موقع إكس.. قال فيها أنه لا يصدق، لا ما يدعمه بايدن، ولا ما يفعله نتنياهو.
تقرير لرويترز.. قال إن الانشقاق الكبير يحدث فى الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية، مع تزايد أوضاع لا إنسانية لا يمكن تصورها فى غزة.
قال التقرير، إن سواء نتنياهو، أو بايدن، كما لو أنهما انفصلا عن العالم.. وكما لو أنهما يتعاملان مع شياطين فى الأدمغة لا بنى آدميين فى الواقع.
خلال الأشهر الأربعة الماضية وحدها، كان قد استقال من إدارة بايدن ما يقرب من 27 مسؤولًا فى أجهزة وزارة الخارجية والبيت الأبيض. وتلقى البيت الأبيض، أكثر من رسالة انتقاد شديدة اللهجة، وقع عليها حسب الصحافة الأمريكية ما اقترب من ألف موظف بإدارات مختلفة وأجهزة أمريكية أخرى على درجة من الحساسية والأهمية.
العواصف تضرب البيت الأبيض والداخل الإسرائيلى، والأوضاع على الأرض فى غزة تزداد سوءًا كل يوم، بينما تقف مصر فى مواجهة الأزمة بصمود تدعمه القوة.
كل الخيارات مفتوحة أمام مصر حفاظاً على أمنها القومى.
اختارت مصر التنمية والبناء هذا صحيح.. وسيناء النهاردة غير سيناء زمان هذا صحيح أيضًا، لكن سياسات التنمية، لن توقف أبدًا سياسات أخرى، لو اقتضت الظروف انتهاجها حفاظاً على الأرض.. وصونًا للعرض. تعمل مصر بجهود مضنية على وقف الحرب فى غزة، وفق خطط تستشرف المستقبل، وتبنى بالتدريج موقفًا يسير فى اتجاه حلول ناجزة.
للإنصاف.. مصر على خطوط المواجهة الأكبر.. والأوسع. مصر قادرة على إيجاد الحلول.. وهى قادرة أيضًا على أن تستخدم كل ما لديها من بدائل.. حسبما تقتضى الظروف.
تعمل مصر وفق قوة رشيدة.. ووفق منطلقات العدل.. بحيث لا يمكن أن تجرى فى النهر.. إلا ما يحفظ أرضها.. وحقوق الآخرين.