

رشاد كامل
روزاليوسف.. نفاذ البصيرة وقوة الخيال ووضوح الرؤية!
نواصل مع المؤرخ والمخرج السينمائى الكبير الأستاذ أحمد كامل مرسى فى ذكرياته عن صاحبة الذكريات السيدة فاطمة اليوسف وإشرافه على صفحة يومية فنية بعنوان «سينما وأنوار المدينة» فى جريدة روزاليوسف، وعن بدايات العلاقة مع روزاليوسف السيدة والمجلة يقول:
فى صباح يوم الاثنين الموافق 26 أكتوبر سنة 1925 صدر العدد الأول من مجلة روزاليوسف الأسبوعية فدفعنى الفضول إلى شراء نسخة من هذه المجلة الجديدة، وأقبلت فى نهم شديد وحب وإعجاب على مطالعة كل ما ورد فيها من مقالات ودراسات وصور، ووجدت فيها لونا جديدا من الصحافة الأسبوعية يجمع بين العمق والبساطة فى أسلوب شيق وجذاب، يعرض قطوفا دانية من الفنون والآداب، ويتحدث عن فن التمثيل والمسرح وعن الفنانين من الممثلين والممثلات فى مصر أو الخارج، حيث المحب الغيور والخبير المطلع!
ومن هنا بدأت هواية جديدة فى نفسى كان لها تأثير كبير على حياتى، وهى الاهتمام بالاطلاع والقراءة الواعية واستيعاب كل أسباب الثقافة المتنوعة والتهام كل ما يفيد وينفع، وكل ما يوسع مدارك الإنسان، وقد كنت قبل ذلك الحين أهتم بالمجلات المصورة ذات الموضوعات الخفيفة، وكانت مجلة «الأولاد» من النوعية الأثيرة عندى، وبعد ظهور مجلة روزاليوسف أقلعت عن كل هذه النوعية من المجلات المسلية الخفيفة ومررت بفترة انتقال تدريجيا.
واستطاعت هذه المجلة الشابة الجديدة أن تفتح أمام عينى الباب على مصراعيه لتذوق واستيعاب المجلات الأدبية الأخرى ذات المستوى الأعمق مثل «السياسة الأسبوعية» و«البلاغ الأسبوعى» ومجلتى «الرسالة والثقافة» بعد ذلك!
ويضيف الأستاذ أحمد كامل مرسى الشهير بـ«أ.ك.م» قائلا: الواقع أن صاحبة الذكريات - فاطمة اليوسف - أثبتت وجودها بقوة وجدارة فى عالم الصحافة واحتفظت بشخصيتها البارزة فى هذا المجال الجديد، كما كانت شخصية بارزة ونابضة فى عالم التمثيل وصدق من قال: «إن العزيمة الجبارة تجعل المستحيل ممكنا».
واستطاعت السيدة صاحبة المجلة فى بساطة وقوة وحب أن تربطنى بنفحة من روحها الملهِمة والملهَمة التي كانت تتألق بين صفحات المجلة، وكنت كلما تصفحت عددا من هذه المجلة الجديدة، أحسست بشعور خفى أخاذ، وكأنى كنت أتحدث إليها وتتحدث إلىّ وكأنها كانت معى وقريبة منى رغم أنها بعيدة عنى عزيزة المنال، كفى بمن يحبو ويسير فى الوادى، أن يرنو بناظريه إلى قمة الجبل.
ولصاحبة الذكريات الفضل فى عشقى للأدب والصحافة ومن خلال مجلة «روزاليوسف» عروس المجلات الأسبوعية بلا منازع فى ذلك الحين، سواء من حيث تنوع موضوعاتها أو غزارة مادتها أو طريقة إعدادها وتنظيمها أو تفوق كُتابها وإبداعهم أو تفنن رساميها وابتكارهم.
لقد انتهجت لنفسها نهجا جديدا فى تبسيط المعرفة وتقديم المعلومات بأسلوب فذ فريد، بحيث إنه لا يتعالى فوق مستوى الجمهرة الواعية من القراء والقارئات ولا يهبط أو يسف إلى مستوى العامة والغوغاء.
وأشهد لصاحبة الذكريات بالموهبة والقدرة رغم أنها لم تحمل من الشهادات الدراسية ما تتميز به على غيرها ولم تتلق دراستها بطريقة منتظمة، لكنها كانت عصامية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، فارتفعت من السفح إلى القمة، وبلغت من المعرفة والإدراك والحكم على الأشياء درجة عالية لم يبلغها إلا قلة من الناس وكم أصابت فى أحكامها وفى تصرفاتها، وقل أن يخطئ حكمها على الأشياء أو الناس وهى فى مواقف تدل على سعة الاطلاع ونفاذ البصيرة وقوة الخيال وحدة الذاكرة ووضوح الرؤية والحدس الكاشف.
وللذكريات بقية!