قاضٍ يعرض الإجراءات الواجبه على مجلس الأمن لإلزام إسرائيل بوقف إطلاق النار
عبد الباسط الرمكي
كل يوم يمر من العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك تمتنع فيه إسرائيل عن تنفيذ قرار مجلس الأمن 2728 الصادر 25 مارس 2024 بوقف إطلاق النار وتسيل فيه دماء الأطفال والنساء في غزة يقضى على الأمل الذي طال انتظاره لشعوب العالم بأسره لوقف حرب إبادة الفلسطينيين.
وأجرى المفكر والمؤرخ القضائي القاضي المصري الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجي دراسة مهمة للغاية عن (مدى إلزامية قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار محدد المدة في رمضان والإجراء الواجب عمله بموجب الفصل السابع من الميثاق لرفض إسرائيل تنفيذه ودور الدول فرادى في توقيع عقوبات على إسرائيل إزاء عجز مجلس الأمن).
وتعرض الفقيه المصري لـ6 نقاط تشمل جوهر المشكلة الدولية التي تشغل بال العالم بأسرة بشعوبه وقاداته فى سبيل تنوير العقل العربى والمصري وهي:
1- مدى إلزامية قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار فيما تبقى من شهر رمضان
2- السوابق القضائية لمحكمة العدل الدولية بإلزامية قرارات مجلس الأمن
3- التفرقة بين اللغة "الوعظية" واللغة "الإلزامية" فى قرارات مجلس الأمن
4- ما الإجراء الواجب على مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من الميثاق لرفض إسرائيل تنفيذ وقف إطلاق النار فيما تبقى من رمضان؟ نحن أمام إثبات تاريخى بغزة بالقرار 54 لعام 1948 احتلال فلسطين يشكل "تهديدا للسلام"
5- إذا كان مجلس الأمن لا يملك توقيع عقوبات على إسرائيل فالدول تملك فرادى توقيعها وبقسوة (تعرف على السوابق الدولية).
6- سوابق إسرائيل فى عدم احترامها لمنظمة الأمم المتحدة وما يصدر عنها من قرارات.
أولاً: مدى إلزامية قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار فيما تبقى من شهر رمضان.
يقول القاضى المصري الدكتور محمد خفاجى " بعد 171 يوما من بداية الحرب منذ 7 أكتوبر 2023 حتى 25 مارس 2024 أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قراراً يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة خلال ما تبقى من شهر رمضان , بأغلبية أربعة عشر صوتا ، مع امتناع أمريكا فقط عن التصويت. وقد شهدت جدران الأمم المتحدة لحظة صدوره تصفيق حاد متواصل لكل من في القاعة مما يعكس موقف المجتمع الدولى فى رغبته فى إنهاء حرب الإبادة لشعب فلسطين لولا موقف أمريكا المتعاطف مع إسرائيل والداعم له عسكرياً ."
ويضيف " بموجب ميثاق الأمم المتحدة، فإن القاعدة العامة أن جميع قرارات مجلس الأمن تكون ملزمة وأن جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ملزمة بتنفيذ تلك القرارات. وهذا يعد من قبيل الاستقرار الإفتائى لمحكمة العدل الدولية على نحو ما نتهت إليه جاء في الرأي الاستشاري لها عام 1971 , وعلى فرض أن قرار مجلس الأمن رقم 2728 بوقف إطلاق النار محدد المدة فيما تبقى من شهر رمضان ليس ملزماً قانونا كما تذكر أمريكا - وهو ما لم نسلم به - بسبب أنه لم يستخدم كلمة "يقرر" ولم يستشهد "بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة". فإنه من الناحية العملية يجب تنفيذ هذا القرار لأنه صدر تعبيراً عن إجماع رغبة المجتمع الدولي فى منع إبادة شعب فلسطين بقطاع غزة".
ويؤكد الدول الكبرى والمؤثرة دورا فعالا في معالجة الوضع، بما في ذلك توظيف كافة الوسائل الفعالة لدعم تنفيذ قرار وقف إطلاق النار محدد المدة , وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي يجب أن تأخذ زمام المبادرة لتتحسن صورتها أمام العالم , وعلى الرغم من أن إن وقف إطلاق النار خلال شهر رمضان ليس سوى نقطة على طريق شاق وطويل نحو حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلى , وهذه النقطة رغم ضاَلتها الزمنية تعد المكسب الأساسي للمجتمع الدولي لبعث الثقة فى مدى مصادقية المنظمة الدولية وجدوى فاعلية قواعد القانون الدولى العام ليسود العدل ,وإذا لم تجد المنظمة الدولية منفذاً لإجبار إسرائيل على تنفيذ قرار مجلس الأمن فستكون سقطة لا تغتفر من المنظمة الدولية يشكك فى مدى قدرتها على تحقيق العدل الدولى وعجزها بموجب القواعد البالية التي وضعت بعد الحرب العالمية الثانية "
ثانياً: السوابق القضائية لمحكمة العدل الدولية بإلزامية قرارات مجلس الأمن
ويشير " أن المتتبع لما يصدر عن محكمة العدل الدولية من أحكام وفتاوى فى اَرائها الاستشارية فسوف يجد أن هناك العديد من السوابق القضائية لمحكمة العدل الدولية على إالزامية قرارات مجلس الأمن , ومثالها فتوى ناميبيا الصادرة من المحكمة الدولية , حيث نظرت المحكمة قرار مجلس الأمن رقم 276 الذي يأمر جنوب أفريقيا بالانسحاب من ناميبيا، بعد أن قررت الأمم المتحدة عام 1966 أن إدارة جنوب أفريقيا فيما كان يعرف سابقا بجنوب غرب أفريقيا غير قانونية.واستندت المحكمة أن المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة لا تقتصر على القرارات المتعلقة بإجراءات الإنفاذ بموجب الفصل السابع، بل تنطبق على القرارات التي يتخذها مجلس الأمن وفقا للميثاق
كما استندت إلى أنه يجب على جميع الدول الأعضاء الالتزام بهذه القرارات، بما في ذلك الأعضاء الذين صوتوا ضدها وأعضاء الأمم المتحدة الذين ليسوا أعضاء في المجلس."
ثالثاً: التفرقة بين اللغة "الوعظية" واللغة "الإلزامية" فى قرارات مجلس الأمن
ويذكر أنه " يتعين التفرقة بين اللغة الوعظية واللغة الإلزامية فى قرارات مجلس الأمن , حيث ينبغي تحليل دقيق للغة قرار مجلس الأمن بعناية فيما يتعلق بفن الصياغة لمعرفة مدى إلزاميتها , والمتأمل فى قرار مجلس الأمن رقم 2728 المحدد المدة بوقف إطلاق النار فيما تبقى من رمضان سوف يبين له اللغة الإلزامية الواضحة الصريحة دون لبس أو إبهام بأن مجلس الأمن "يطالب" بوقف إطلاق النار , وهو بذلك الفهم وفقاً للقانون الدولي ملزم من قبل جميع الأطراف."
رابعاً: ما الإجراء الواجب على مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من الميثاق لرفض إسرائيل تنفيذ وقف إطلاق النار فيما تبقى من رمضان؟ نحن أمام إثبات تاريخى بغزة بالقرار 54 لعام 1948 احتلال فلسطين يشكل "تهديدا للسلام"
ويطرح الفقيه المصري تساؤلاً مهماً الإجراء الواجب على مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة إذا رفضت إسرائيل تنفيذ وقف إطلاق النار فى العشر الأواخر من رمضان؟ فيقول: " الواقع أنه بموجب الفصل السابع، هناك طريقان: الأول يتمثل فيما تنص عليه المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء "الأمم المتحدة" تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئياً أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية. وهى تدابير لا تنطوي على استخدام القوة المسلحة، بما في ذلك العقوبات أو قطع العلاقات الدبلوماسية."
ويضيف " والطريق الثانى أنه إذا لم تكن هذه التدابير كافية، ورأى مجلس الأمن أن الوضع يمثل تهديداً للسلم، فإنه بموجب المادة 42 من الميثاق إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة. ومعنى ذلك أنه يجوز للمجلس أن يتخذ بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية من الإجراءات ما يكون ضروريا لحفظ أو استعادة السلام والأمن الدوليين"
ويوضح " يمكننا القول بأننا أمام إثبات تاريخى دولى لصالح فلسطين خاصة الوضع فى غزة , فقد نص القرار رقم 54 لعام 1948 فى صراحة ووضوح أن الوضع في فلسطين يشكل "تهديدا للسلام بالمعنى المقصود في المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة". وهو ما يعضد مجلس الأمن في عام 2024، بشأن تهديد السلم والأمن الدوليين الذي مازال سارياً منذ 76 عاماً حتى الاَن "
خامساً: إذا كان مجلس الأمن لا يملك توقيع عقوبات على إسرائيل فالدول تملك فرادى توقيعها وبقسوة ( تعرف على السوابق الدولية )
يقول القاضى المصري " القاعدة العامة أن القرارات الصادرة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تتمتع بقوة الإلزام الدولى فهى ملزمة لجميع الدول، وهو نص واضح في ميثاق الأمم المتحدة ، إن قرار مجلس الأمن رقم 2728 الصادر فى 25 مارس 2024 بوقف إطلاق النار فيما تبقى من شهر رمضان من وقت صدور القرار ملزم لإسرائيل, وإذا لم تلتزم إسرائيل به فإنها تكون قد خالفت قرار أحد أهم أجهزة الأمم المتحدة المنوط به حفظ الأمن والسلم الدوليين , والنتيجة المترتبة على ذلك أنه يجب توقيع عقوبات عليها
ولكن من الناحية العملية فإن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تستخدم حق الفيتو و لن تسمح لمجلس الأمن بتمرير قرارات العقوبات ذات الصلة لأنها فى خندق واحد مع إسرائيل فى الحرب على غزة وتدميرها وإبادة شعبها "
ويضيف " على الرغم من أن مجلس الأمن لن يملك آلية لتنفيذ العقوبات التي يجب أن تصدر على إسرائيل بسبب امتناعها عن تنفيذ قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار محدد المدة بسبب ما سيواجه أمريكا بحق النقض – الفيتوالأمريكي - ومع ذلك يمكن للدول فرادى استخدام قرار مجلس الأمن تكئة لتوقيع عقوبات خاصة على إسرائيل على غرار عجز مجلس الأمن عن اتخاذ قرار ضد روسيا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية إلا أن الدول فرادى أوقعت عقوبات قاسية على روسيا بما في ذلك قطع العلاقات الاقتصادية والاتصالات الجوية والعزلة عن النظام المصرفي وهو ما أضر بمصالح مواطنى روسيا الاتحادية بضرر بالغ "
سادساً: سوابق إسرائيل عدم احترامها لمنظمة الأمم المتحدة وما يصدر عنها من قرارات
ويؤكد " على الرغم من أن جميع قرارات مجلس الأمن الدولي ملزمة، وفقا للمادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة الذي صادقت عليه الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها . ومع ذلك وصفت قرار وقف إطلاق النار محدد المدة برمضان بأنه غير ملزم! وهناك سوابق لإسرائيل فى عدم احترامها لمنظمة الأمم المتحدة ففي عام 2016، أصدر مجلس الأمن قراراً باعتبار المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين غير قانونية انتهاكاً للقانون الدولي بموافقة أغلبية 14 صوتا وامتنعت أمريكا عن التصويت. ومع ذلك لم تحترم إسرائيل منظمة الأمم المتحدة وما يصدر عنها من قرارات وتجاهلت هذا القرار واعتبرته هو والعدم سواء.
وفي ديسمبر عام 2023، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة على الدعوة إلى "وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية". وكان ذلك القرار غير ملزم بالطبع وقد رفضته إسرائيل واعتبرته هو والعدم سواء فهى لا تحترم القرارات الملزمة ولا الإنسانية.
ويختتم الدكتور محمد خفاجى قائلاً " إن إسرائيل عاقدة النية والعزم على الإبادة الجماعية لأجيال فلسطين المتبقية بويلات الحرب التي جلبت على الإنسانية أحزاناً يعجز عنها الوصف، بالمخالفة لميثاق الأمم المتحدة , فهى لا تؤمن بالحقوق الأساسية للإنسان ولا بكرامة الفرد وقدره ولا للرجال أوالنساء ولا الأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية، وتُحقر من شأن العدالة , ولا تحترم الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي، وهى فوق ذلك لا تتمتع بالرقي الاجتماعي فى عدوانها المتجاوز تجاه الفلسطينيين بل بأحط قدر من التدنى الإنساني".