عاجل
الجمعة 8 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
دعوة لزيارة غزة!

دعوة لزيارة غزة!

بينَ الفَيْنةِ والأُخْرى تهب على الإنسان أحاسيس تخرجه من الدائرة المغموس داخلها، لتمد جسور مفعمة بالحنين لذكريات أيام مضت. 



يداعبني الشوق من حين إلى حين ويأخذني الحنين إلى زمن جميل، باستحضار أيام أتمنى أن تعود، تأخذني حماسة الذكريات وتتجدد، فتحملني الدروب إلى كليتي وزملاء دراسة، أتمنى أن التقى بمن أخذتهم مني السنون وأمواج الحياة، وأشخاص ووجوه تتنفسُ وتتقافزُ عبر "أتيليهات" كلية الفنون.

 فى أصقاع ذاكرتي وجوه من سوريا والأردن والسودان وفلسطين تستوقفك عند شواطئها، منهم وجوه تبقى في مصابيح الذاكرة، وترابط أمامها، منهم الزميلات ربيعة الصلح، وليلى نصير ونذير نبعة من سوريا، أمين شموط وعمه إسماعيل ومصطفى الحلاج من فلسطين.. ووجوه تمر بها وتمضي غير مبالٍ، تغدو الخطى مسرعاً، ولا داعي لذكرها. 

أخذتني الذكريات لزمن في بداية الستينيات بعد تخرجي في كلية الفنون الجميلة والتحاقي بمؤسسة روزاليوسف التي عشقتها، وتركت كل شيء من أجلها، ولحبي فيها تركت العمل بمنظمة اليونسكو المركز الإقليمي لتعليم الكبار بسرس الليان، متخلياً عن راتب أضعاف ما جنيته من العمل الصحفي. ومعه استمرت علاقة الصداقة بزملائي من خريجي الكلية وانجذب للعمل معي زملاء أسهموا من الخارج بفنهم وريشتهم منهم أحمد نوار ومحمد حجي وحازم فتح الله.

  وعلى صفحات نادي الرسامين الذي أنشأه استاذنا الفنان حسن فؤاد وتسلمت منه الإشراف عليه.  قدمت زملاء نجحوا وبدأت أعمالهم تغزو المعارض، فنانون من فلسطين منهم النحات مصطفى الحلاج وأمين شموط "دفعتي"، الذي تركنا وسافر إلى الكويت والرسام التشكيلي إسماعيل شموط الذي سبقني فى التخرج من فنون جميلة بسنوات. مصطفى الحلاج دفعتي، شاب هادئ، مهذب ولد في بلدة سلمه قضاء مدينة يافا بفلسطين عام 1938، وتخرج معي في كلية الفنون الجميلة بنفس العام بعد أن درس فنون النحت، وأقام بعد تخرجه معرضاً فردياً لأعماله النحتية بمدينة القاهرة عام 1964، لافتاً الأنظار فيه إلى جماليات الأفكار الموصوفة، الدالة على موهبة واعدة وخصوصية جامحة في التشكيل والتعبير.  أتم دراساته العليا بجامعة الأقصر متخرجاً فيها عام 1968. كان متعدد أماكن الإقامة، موزعاً ما بين العواصم العربية القاهرة وبيروت ودمشق. حاز على مجموعة من الجوائز الأولى والتقديرية عن مشاركاته في المسابقات والتظاهرات المحلية والعربية والدولية، لاسيما المتصلة بتقنيات فنون الحفر والطباعة اليدوية التي ابتكرها، مغرداً في واحتها، وأمسى بذلك مرجعية تقنية وجمالية للعديد من الفنانين التشكيليين العرب.  شارك مع عدد من الفنانين في تجسيد الكفاح الفلسطيني، وخاصة في مرحلة البدايات، عبر ملصقات تعبوية لعبت دورًا مهمًا في التفاف الجماهير العربية حول الثورة الفلسطينية. إضافة إلى إبداعه في مجال النحت والجرافيك والتشكيل، اشتهر مصطفى الحلاج بنصوصه الإبداعية التي كتبها ونشرها في الصحف والمجلات الفلسطينية والعربية عن الفنون القديمة والمصرية منها على وجه الخصوص. وكان عضواً فاعلاً في الاتحاد العام للفنانين التشكيليين الفلسطينيين والعرب، ومن مؤسسيها الأوائل.   أما الفنان الفلسطيني إسماعيل شموط ابن مدينة اللد، والده تاجر الخضر والفواكه عبد القادر، والدته عائشة الحاج ياسين. برزت مواهبه في الرسم بالمدرسة الابتدائية منذ البداية، فتعهده أستاذه داود زلاطيمو الذي خدم معلّما للفنون في اللد بين 1930 و1948. وكانت لوحاته التاريخية والطبيعية تزين جدران المدرسة.  علّمه زلاطيمو الرسم بالرصاص والحبر واستعمال الألوان المائية ونحت الحجارة الكلسية. بعدها استطاع أن يقنع والده المتدين "بأن الرسم يمكن أن يكون مهنة تدر الربح"، بدأ يزيّن فساتين العرائس بالأزهار والطيور ثم افتتح لنفسه دكانا كانت بمثابة مرسمه الأول، وقد أنجز لوحاته الزيتية من مناظر طبيعية وشخصيات قبيل النكبة (1948).

بعد سقوط اللد في أيدي القوات الصهيونية بثلاثة أيام، في 13 تموز/ يوليو 1948، أُجبر إسماعيل وسكان اللد والرملة على النزوح مشياً باتجاه رام الله، وحُرموا من التزود بالماء. توفي أخوه الصغير توفيق عطشاً قبل أن يصلوا إلى قرية نعلين قرب رام الله. وثّق شموط المسيرة والموت فيها تعباً وعطشاً في لوحات عدة في الخمسينيات من القرن الماضي. ثم لم تلبث العائلة أن واصلت نزوحها باتجاه قطاع غزة حتى استقرت في أولى الخيام التي أصبحت لاحقاً مخيم خان يونس.

عمل إسماعيل بائعاً للكعك مدة عام ثم مدرّساً متطوعاً لتعليم الرسم في مدارس اللاجئين التي كانت عبارة عن خيّم، الأمر الذي أتاح له أن يعاود التصوير، وأن يعرض أعماله في إحدى غرف مدرسة خان يونس الحكومية سنة 1950. التحق في العام نفسه بكلية الفنون الجميلة في القاهرة، وعاش على دخله من رسم ملصقات الأفلام السينمائية.      فيعتبر أحد أبرز رواد الفن التشكيلي الفلسطيني، وأحد شخصياته المهمة، بهويةٍ فنيةٍ فلسطينية تجلـّت في أعماله من خلال اختيارهم للموضوعات التي عكست قضيتهم الوطنية بنكبتها ونكستها، وأبعادها النفسية والاجتماعية والسياسية. وكان إسماعيل شموط أول من عكس مأساة شعبه وتطلعاته في أعماله الفنية المبكرة، وبعد أن جمع الحب بينه وبين زميلته تمام الأكحل، وتزوجها، أصبح الواحد منهما متممّا للآخر في العمل على تثبيت الهوية الوطنية من خلال العمل التشكيلي. ويعتبر مؤسس حركة الفن التشكيلي الفلسطيني كان من مؤسسي قسم الفنون في منظمة التحرير الفلسطينية، كما شغل منصبي الأمين عام لاتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطيني والأمين عام لاتحاد الفنانين التشكيليين العرب، حاصل على درع الثورة للفنون والآداب وعلى وسام القدس وعلى جائزة فلسطين للفنون وجوائز عربية ودولية عديدة.   تخطت صداقتي بالفلسطينيين زملائي في الفن، فقد صادف أن يجاور مسكن العائلة في مصر الجديدة وبشارع الميرغني، الكاتب الفلسطيني عميد الإمام من مواليد يافا صادقته رغم فارق السن، عمل بعد دراسته الآداب والعلوم السياسية وتخرجه في الجامعة الأمريكية ببيروت في مجلة روزاليوسف بعد نكبة 1948، وشارك فى تأسيس جريدة الجمهورية، وكان محرراً بها. وفى غربتي الأولى ببيروت صادقت المفكر والناشر د. عبد الوهاب الكيالي، الناشر محمد الصباغ، والصحفيين والكاتبين نبيل خوري،  إلياس سحاب، ومن الفنانين بول جيراجوسيان، ناجي العلي وكميل حوا، وفي غربتي الثانية بالعاصمة البريطانية صادقت الكاتب الصحفي ناصر الدين النشاشيبي، ومن أعز الأصدقاء، كان نجم الإذاعة البريطانية ماجد سرحان وحسن الكرمي وحسن معوض، وماهر عثمان والإعلامي مصطفى كاركوتي.   ربطتني بزملاء الدراسة من فلسطين صداقات قوية، امتنعنا فيها عن الخوض في القضايا السياسية والموضوعات المثيرة للجدل، فالكل يعبر عن آرائه دون الدخول في الجدل، نتعايش بحب ومناخ أسري، تربطنا فيه قيم الود والعلاقات الإنسانية.   

فاجأني زملاء الدراسة يوماً بعد تخرجنا واستقرار كل منا في عمله، بدعوة من شموط والحلاج لقعدة في مقهى ريش بوسط القاهرة، ليجمعنا "فنجان القهوة"، المفاجأة لم تكن اللقاء، بل دعوة للسفر إلى غزة.. وللدعوة حكاية.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز