حلقات عن البحيرة وتاريخ عاصمة مملكة الشمال في مصر القديمة و قنطرة الإسلام
أرض البطولات.. البحيرة احتضنت أول موقعه حربية انتصر فيها المصريون على الأوروبيين
محمد البربرى
الحلقة الثانية: عصر ما قبل الاسرات وانطلاق أول ثورة شعبية في العالم من البحيرة
أرض البطولات.. البحيرة احتضنت أول موقعه حربية أنتصر فيها المصريون على الاوربيون
حلقات عن البحيرة وتاريخ عاصمة مملكة الشمال في مصر القديمة و قنطرة الاسلام
انتصار مشرف من مدينة رشيد الساحرة على شعوب أهل البحر
منطقة "مومفيس" قديما سميت بحى شبرا وسط مدينة دمنهور
انتصار عمرو بن العاص على الروم في منطقة ترنوط "الطرانة" حاليا قرية بمركز حوش عيسى
نضال أقباط مصر وحرية العبادة وبناء الكنائس والأديرة انطلق من البحيرة
كما قصت روزاليوسف فى الحلقة الأولى من هذه السلسلة التي تتحدث عن تاريخ البقعة الفسيحة محافظة البحيرة، نواصل الحديث عن تاريخ مصر ومحافظة البحيرة فمصر جاءت ثم جاء التاريخ، نعم ، تاريخ البشرية لا يمكن كتابته بدون مصر "أقدم حضاره عرفتها البشرية" وفي التاريخ تبرز محافظة البحيرة ومدنها القديمة " احنا ، الكريون، ترنوط، مموفيس، الخ.." ونضال شعبها فى عصر ما قبل الاسرات والعصر الرومانى والفتح الاسلامى، فعندما تبحر داخل كتب التاريخ وتتجول داخل كتاب "أحوال مصر"، تجد الكثير والكثير عن تلك المحافطة العريقة وشعبها وعظمة وتاريخ "ايمنتى" أو محافظة البحيرة.
أول ثورة شعبية سجلها التاريخ البشرى
منذ أكثر من 5000 سنة شهدت محافظة البحيرة في هذا العصر أول ثورة شعبية في العالم على النظام الملكى الديكتاتوري حيث طالبت بالديموقراطية و اللأمركزية على المركزية والحكم الشمولي، عندما تقدم الملك مينا موحد القطرين منذ أكثر من 5000 سنة بجيوشية من الصعيد نحو الشمال لتوحيد الوجهين القبلي والبحري، غير ان سكان البحيرة أعلنوا ثورتهم على الملكية وبرغم ان مينا سجل انتصاره لكن البحيرة كانت أول إقليم في العالم يرفع لواء الثورة باسم الشعب وهى الثورة التي انطلقت من مقاطعة "متليت" بالبحيرة والتي تمثلت في حكم مجلس العشرة الكبار المشكل من عشرة من الأعيان كممثلي المقطاعة، وفى سنة 663 ق.م اقام الملك بسماتيك الاول معسكرا على ساحل رشيد لصد غارات الليبيين والآشوريين.
وفى العصر الفرعونى أقام الملك "منفتاح" على أرض مدينة رشيد استحكاماته على الضفة الغربية من النيل بفرع رشيد شمالا، لصد هجمات الاغريق والصقليين، الذين كان يطلق عليهم شعوب أهل البحر، فانتصر المصريون في أول موقعه حربية بين مصر واوروبا جرت أحداثها على أرض رشيد، كما كانت مدينة بولبتين "والتي قامت مدينة رشيد الحالية على انقاضها" سوقاً تجارية رائجة وبخاصة في عهد الاسرة 26 وذكر ان العجلات الحربية التي ذاع صيتها كانت تصنع بتلك المدينة.
و استهل القرن السابع الميلادي وكانت الإمبراطورية البيزنطية "الروم" قد آلت للضعف والإنحلال وبلغ الامبراطور هرقل الأكبر من العمر ارذاله، فالقي بزمام الحكم إلى ابنه الصغير وجعل نيكتاس نائبا عنه، وكانت مصر وقتها في قبضة القائد الرومانى "فوكاس" وعقد نيكتاس "نائب الامبراطور" العزم على ان ينتزع مصر من قبضة قائدها الرومانى "فوكاس" وشن الحملة واقترب الجيش "بنوسس" الذي امرة "نيكتاس" بالزحف حتى وصل الي "مومفيس" التي هى شبرا دمنهور الان، ومنها إلى مدينة الكريون "وهى حاليا أحدى قري مركز كفر الدوار" وعندما وصل إلى الفرع الغربي للنيل "فرع رشيد" بدا الجيش يسلك ترعة الروجاشات ومنها إلى ترعة الثعبان في غرب الإسكندرية، وقام بهدم قنطرة دفاشير بالقرب من بحيرة مريوط وسيطر على الاقليم كله كما سيطر على فرع النيل الغربي وما على جانبيه من مدن وقري وبعد هذه الواقعة التي تعرف باسم ثورة افريقيا والإسكندرية، أقام نيكتاس بالإسكندرية نائبا عن هرقل في حكم مصر، وفى عهده لقي أقباط مصر ما كانوا ينشدون من حرية العبادة وبناء الكنائس والاديرة نظير ما قدموه له من عون في حرب طاحنة جرت وقائعها على أرض محافظة البحيرة التي عدت بذلك مقبرة للروم البيزنطيين.
و منذ الفتح الاسلامي و تعتبر البحيرة قنطرة الاسلام، ففي يوم 9 إبريل سنة 641 م \20 هـ انتهى الحصار الذي ضربه عمرو بن العاص على "حصن بابليون" لمدة سبعة أشهر، وبعدها ركب بخيله عبر الصحراء متوجها للإسكندرية فالتحم مع الروم في منطقة ترنوط التي تسمي حاليا "الطرانة" وهي احدى قري مركز حوش عيسي، فانتصر عليهم وكان بها حصن منيع، وأقام عمرو بها بضعة ايام حتى تشتت شمل السفن الرومية وتقهقر القائد الرومي "تيودور" إلى الإسكندرية فبعث اليه عمرو بن العاص احد قواده ويدعى شريك بن سمى بن عبد يغوث بن جزء المرادي وهو من صحابة رسول الله (ص) ليقضي على فلول الجيش الرومى المهزوم، فادركة الروم عند قرية تقع في شمال الطيرية فقاتلهم فاعتصم بمنطقة تسمي "الكوم" حتى ادركتة الامدادات التي ارسلها له عمرو مع احد قواده ويدعى مالك بن ناعمه الصدفي، الذي انقض على الروم بفرسه من أعلى الكوم وواقعهم فلم يستطيعوا تضييق الخناق على القائد المسلم فسميت تلك المنطقة باسم كوم شريك نسبة إلى "شريك" الفارس العربي المسلم، ثم سار عمرو بن العاص بعد ذلك بمحاذاة الترعة التي تلي الصحراء في اتجاه الشمال الغربي حتى وصل إلى الدلنجات ومضي في طريقه حتى اعترضت حامية الروم عند "سنطيس" وهى في جنوب دمنهور بسبعة كيلو مترات وهناك دارت المعركة وانتصر المسلمون ولاذ الروم بالفرار.
واستمر عمرو في زحفه نحو دمنهور فبدد بها شمل العدو واتجه إلى الإسكندرية وقطع مسافة عشرين ميلا حتى بلغ "حصن الكريون" والكريورن بلدة بالقرب من قرية معمل القزاز بكفر الدوار، وحصن الكريون كان أخر حصن رومي قبل الإسكندرية حيث اوى اليه الروم خشية هجوم المسلمين عليهم وعند الكريون دارت رحي القتال بين الروم والمسلمين سنة 20 هـ وسقط الحصن في ايدي العرب فكان انتصارهم على الروم في تلك الموقعة انتصارا حاسما، فأصبح الطريق مفتوحا أمام قوات عمرو إلى الإسكندرية، فساروا حتى وصلوا إلى اسوارها ففتحها وأبرم عمرو عقد الصلح سنة 25 هـ مع المقوقس كبير الاقباط والحاكم العام باسم الروم في الإسكندرية وقتذاك، وجعل عمرو القائد المسلم وردان واليا على الإسكندرية، ثم سار عمرو من الكريون نحو الشرق على ضفاف النيل "في الحوف الغربي" وهو الاسم الذي اطلقة العرب على اقليم البحيرة حتى وصل إلى اخنا "مدينة ادكو حاليا" فضرب الحصار حولها، وعرض الاسلام على اهلها فاسلموا، وتم الصلح كما تم مع قزماس حاكم رشيد وحنا حاكم البرلس، و وصل المسلمون إلى دمياط وبهذا تمت لهم السيطرة على منافذ النيل على بحر الروم "البحر الأبيض المتوسط" الذي أصبح بعد ذلك بحيرة اسلامية أيام الخلافة الأموية.
نستكمل الحلقة القادمة عن تاريخ محافظة البحيرة ونضال شعبها العريق.