قاضٍ يوضح موقف محكمة العدل الدولية من قضية الإبادة بغزة
عبد الباسط الرمكي
فى دراسته الدولية بعنوان “انهيار المنظومة الأممية واختلال ميزان العدل الدولى ضد الشعوب المسلمة - قراءة فى أحكام العدل الدولية النظيرة) تعرض المفكر والمؤرخ القضائى القاضى المصري الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة لثلاث نقاط محورية حول جلسات استماع العدل الدولية لاستشارة مسألتين لا علاقة لها بقضية إبادة غزة والمحكمة تجمل وجهها للعالم.
يعرض الفقيه المصري لثلاث نقاط خطيرة لتوعية العقل العربى : الأولى : ما هما المسألتان محل استشارة العدل الدولية لأسبوع جلسات استماع ؟ منبتة الصلة بقضية جنوب إفريقيا تاركة غزة غارقة فى إبادتها وكان الأولى بها أن توقف الحرب بدلاً من ضياع وقت العالم فى اّراء استشارية لعلها تنقذ فعالية القانون الدولى. الثانية: لن تحل قضية فلسطين إلا بتغيير النظام القانونى العالمى القابع منذ الحرب العالمية الثانية(فقد روح العصر). الثالثة : الأمم المتحدة تستفيق من سُبات نوم عميق منذ 56 عاماً ! حول سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية والقدس الشرقية والأمل فى استعادة عافية القانون الدولى المفقودة!
أولاً : ما هما المسألتان محل استشارة العدل الدولية لأسبوع جلسات استماع ؟ منبتة الصلة بقضية جنوب إفريقيا تاركة غزة غارقة فى إبادتها , والأولى أن توقف الحرب بدلاً من ضياع وقت العالم فى اّراء استشارية
يقول الدكتور محمد خفاجى يتساءل العقل العربى ما هما المسألتان محل طلب استشارة العدل الدولية أسبوع كامل جلسات استماع , فلا علاقة بهما بقضية جنوب إفريقيا تاركة غزة غارقة فى إبادتها , والتي تبدأ من الاثنين 19 فبراير 2024 عن العواقب القانونية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967، وربما ستسمع وجهات نظر أمريكا وروسيا والصين ومصر وغيرها , وهوالطلب المقدم الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى محكمة العدل الدولية منذ ديسمبر 2022 بقصد إصدار "رأي استشاري" غير ملزم بشأن "العواقب القانونية الناشئة عن سياسات وممارسات إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية". وهى جلسات استماع منفصلة ومنبتة الصلة عن القضية الأهم فى تاريخ البشرية قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل لارتكابها أعمال إبادة جماعية فى غزة. والتي اكتفت فيها المحكمة بتدابير مؤقتة دون وقف إطلاق النار, فما هما المسألتان محل الاستشارة ؟
المسألة الأولى محل الطلب الاستشارى للعدل الدولية
ويذكر تتعلق المسألة الأولى محل الطلب الاستشارى للعدل الدولية فى تقديم المشورة حول مدى " الانتهاك المستمر من جانب إسرائيل لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير" وأيضاً " الاحتلال الطويل الأمد والاستيطان وضم الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967" و" التدابير الرامية إلى تغيير التركيبة الديموغرافية وطابع ووضع مدينة القدس المقدسة" والنظر في عواقب "اعتماد إسرائيل للتشريعات والتدابير التمييزية ذات الصلة"
ويشير لتذكرة عقل العرب منذ يونيو 1967 قامت إسرائيل بالعدوان على بعض الدول العربية في حرب استمرت ستة أيام، واستولت على الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية من الأردن، ومرتفعات الجولان من سوريا، وقطاع غزة بفلسطين , وشبه جزيرة سيناء من مصر , ثم بدأت إسرائيل بعدها في استيطان 70 ألف كيلومتر مربع - 27 ألف ميل مربع - من الأراضي العربية التي استولت عليها , والأراضى الوحيدة التي تحررت كاملة هى أرض مصر حيث استعادت مصر بفضل جيشها العظيم سيناء بعد انتصار حرب 6 أكتوبر 1973 وبموجب اتفاق السلام مع إسرائيل عام 1979, وقد أعلنت الأمم المتحدة سلفاً أن احتلال الأراضي الفلسطينية غير قانوني ولم ينفذ من قراراتها ثمة شئ يذكر على أرض الواقع مما جعل قرارات تلك المنظمة حبراً على ورق !
المسألة الثانية محل الطلب الاستشارى للعدل الدولية
أما عن المسألة الثانية محل الطلب الاستشارى للعدل الدولية تقديم المشورة بشأن كيفية تأثير تصرفات إسرائيل "على الوضع القانوني للاحتلال" وما هي العواقب والتبعات القانونية التي تترتب على الأمم المتحدة والدول الأخرى من وضع هذا الاحتلال ؟
ويضيف مازالت تشهد المحكمة الدولية لمدة أسبوع لجلسات الاستماع , ومن المنتظر أن تصدر المحكمة رأيها الاستشارى غير الملزم خلال عام والذي يتمتع بقوة أخلاقية وأدبية ! تاركة غزة غارقة فى إبادتها من إسرائيل وهو الرأى – أياً كان - الذي يتجرد من كل قوة إنسانية أو أخلاقية ! والتاريخ يشهد على ذلك فقد سبق أن أصدرت فتوى عام 2004 أعلنت فيها أن أجزاء من الجدار الذي أقامته إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانونية ويجب هدمها , دون أن ترتدع إسرائيل بشئ وكأنها سيدة العالم ! وكأنها تتحكم فى المنظمة الدولية وتحركها كقطع شطرنج بحسب الحاجة ! وكان الأولى بمحكمة العدل الدولية أن توقف العمليات العسكرية لمنع إبادة غزة بدلاً من ضياع وقت العالم فى اّراء استشارية لا يتم تنفيذها من جانب إسرائيل افتاءً أو قضاءً !
ثانياً : لن تحل قضية فلسطين إلا بتغيير النظام القانونى العالمى القابع منذ الحرب العالمية الثانية (فقد روح العصر)
ويقول الدكتور محمد خفاجى الرأى عندى لن تحل قضية فلسطين إلا بتغيير النظام القانونى العالمى القابع منذ الحرب العالمية الثانية الذي فقد روح العصر , فمنذ الحرب العالمية الثانية الضارية من عام 1939 بأوروبا حتى 2 سبتمبر 1945 راح ضحيتها عشرات الملايين من الناس بسبب الإبادة الجماعية والجوع والمجازر والأمراض فضلاً عن قتل أكثر من 85 مليون نسمة نتيجة القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناغازاكى , مازالت الإبادة قائمة لقطاع غزة حتى اليوم.
ويشير الدليل على أن قضية فلسطين لن تحل إلا بتغيير النظام القانوني العالمي الذي لم يعد يتلاءم مع روح العصر أنه منذ عشرين عاماً وتحديداً عام 2004، أصدرت محكمة العدل الدولية رأياً استشارياً أعلنت فيه أن أجزاء من الجدار الذي أقامته إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانونية ويجب هدمها دون أن ترتدع إسرائيل بشئ ! وانتهت المحكمة الدولية بشكل قاطع أن المشروع الإسرائيلي لبناء المستوطنات في الضفة الغربية غير قانوني وأن إسرائيل تنتهك التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي. وعلى الرغم من الرأي القانوني للمحكمة الدولية أخرجت إسرائيل لسانها للمحكمة وللمنظمة الدولية التابعة لها وللعالم أجمع , بأنها لم ولن تنفذ شيئاً على المسرح الدولى !
ويضيف إن المنظمة الدولية وأجهزتها المتفرعة عنها ومنها الجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية لم تعد تصلح لعالم اليوم الجديد ,ونظامها القانونى أصبح متهاتراً هشاً لا يقف على أرض صلبة من العدل , إن المنظمة الدولية بعد أن أدركت أنها غير قادرة على كبح جماح دولة صغيرة تدعى إسرائيل - تعد خلقاً حديثاً من 14 مايو 1948 بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين - تحكم العالم من خلال المنظمة الدولية , تسعى تلك المنظمة بعد عشرين عاماً من رأيها الاستشارى الأول الذي تذروه الرياح , بصيغ قانونية مختلفة عن ذات مشكلة الشعب الفلسطينى بأكثر من مجرد المستوطنات، عن الاحتلال المطول والضم، والتغيرات الديموغرافية، فى محاولة منها لإنقاذ نفسها من نظام قانونى عالمى بات شيخاً ضعيفاً لا يقوى على الحركة والتنفيذ ! وهى الفرصة الأخيرة لفعالية القانون الدولى لإنقاذ شعب فلسطين
ويؤكد إن وقت صياغة اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في زمن الحرب في أغسطس 1949 لم يكن أحد يتخيل وضع فلسطين واحتلال إسرائيل طويل الأمد , وظل النظام القانونى العالمى ضعيفاً طوال فترات الاحتلال حتى اليوم بإبادة جماعية لقطاع غزة , ومنذ مشروع إسرائيل الاستيطاني عام 1967، تحول النظام القانونى العالمى من نظام يسعى إلى حماية المدنيين من البشرية إلى نظام فقد صلته بالعصر , إن ما حدث مع الفلسطينيين بقطاع غزة من إبادة جماعية أصاب القانون الدولي الإنساني فى مقتل , وجعل من اتفاقية جنيف الرابعة التي تمنح الحقوق للسكان المحميين خواءً هباءً لا تساوى ثمن الحبر الذي كتب بها , لقد ماتت العدالة الدولية وخرت صريعة منذ أن بدأت المحكمة الجنائية الدولية الجنائية تحقيقاتها في فلسطين عام 2021، وتم وقف المحاكمة تحت إشراف المدعية العامة فاتو بنسودا، بحجة أنها طلبت من القضاة النظر في مدى ولاية المحكمة على المنطقة التي يمكنها التحقيق فيها! رغم ثبوت جرائم الحرب ضد قادة إسرائيل ! والذين تمادوا بإبادة غزة عن بكرة أبيها .
ويوضح إن النظام القانونى العالمى الحالى قد سقط من حساب التاريخ , لأنه ونحن فى عام 2024 مازالت المنظمة الدولية تشكك بعض أعضائها عن مدى إمكانية الاعتراف بدولة فلسطين, ويكفى أن تعترف انجلترا بأن هذه الخطوة سيمنح كل الفلسطينيين مجموعة من الحقوق كأفراد وكدولة تتمتع بالحصانة السيادية، وحق الدفاع عن النفس والأرض , فكيف إذن لا تحكمون على النظام القانونى العالمى بالموات والسقوط فى نظر الشعوب مالم تبعثون الأمل فى نفوس سكان الكرة الأرضية التي تلتف حول رقابكم من أجل فلسطين !
ثالثاً : الأمم المتحدة تستفيق من سُبات نوم عميق منذ 56 عاماً ! حول سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية والقدس الشرقية والأمل فى استعادة عافية القانون الدولى المفقودة!
وشن القاضى المصري نقداً موضوعياً عنيفاً على المنظمة الدولية بقوله لعل الأمم المتحدة تبعث على الأمل العادل هذه المرة وألا تسخر من العالم العربى , فجمعيتها العامة تسعى لرأى استشاري من المحكمة الدولية فى مدى قانونية سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية والقدس الشرقية وتفيق من سُبات نومها العميق منذ 56 عاماً ! والسؤال المطروح من شعوب العالم للمنظمة الدولية بكافة أجهزتها خاصة الجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية , لماذا لم تتعرضين لمدى قانونية الاحتلال الإسرائيلى البغيض للأراضى الفلسطينية من قبل ؟ ولماذا تنتظرين قدوم الحرب واشتعالها وإبادة غزة وتدميرها , ثم تطرحين على مسرح العبث الدولى نقاشاً قانونياً استشارياً واضحاً للعيان ؟ لماذا تتركين جانباً وقف العمليات العسكرية فى إبادة شعب عربى ثم تلجأين لرأى استشارى بشأن احتلال إسرائيل المستمر منذ 56 عاما في الضفة الغربية ! فإن كان تأخير رأيك الاستشارى فيه الشفاء والدواء بما يمنح شعب عربى يباد الحرية والاستقلال فقد استعدتى للقانون الدولى عافيته المفقودة !
وأضاف القاضى المصري – وتكاد كلماته باكية - ألم يكن من الأولى بالمحكمة الدولية أن توقف العمليات العسكرية فى قضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل لمنع استكمال إبادة قطاع غزة بفلسطين منذ أربعة أشهر بلا هوادة أو رحمة مما راح ضحيته 30 ألفاً من المدنيين خاصة الأطفال , بدلاً من تفعيل إحالة طلب 52 دولة تقريباً فى الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ ديسمبر 2022إلى العدل الدولية بلاهاي ؟ وهل من الملائم لمحكمة العدل الدولية أن تستمر ستة أيام متتالية فى جلسات استماع بدءًا من اليوم الاثنين 19 فبراير 2024 بينما إسرائيل مستمرة فى إبادة غزة وتدميرها عن بكرة أبيها , وإكراههم على التهجير القسرى وهم المستمسكين بأرضهم حتى الموت ! وأيهما الأولى بالرعاية يا دار العدالة الدولية فى ترتيب الأولويات إنقاذ شعب من الإبادة الجماعية أم بحث سبل مدى قانونية الاحتلال بعد 56 عاماً ؟ ونأمل هذه المرة أن تكون لاَرائك الاستشارية وقراراتك قوة التنفيذ بلا سخرية من أمة العرب ؟ وأنتى تعلمين أنه ليس للفتاوى الصادرة منك أي آثار قانونية ملزمة لإسرائيل ! حتى تأثير اَرائك وقراراتك على أرض الواقع ضد إسرائيل ظل معدوماً , والأمل هذه المرة أن تكون العاصم من القواسم .
ويختتم الفقيه المصري لقد أعطت محكمة العدل الدولية لإسرائيل طبقاً من الذهب , لأنها تركت غزة بلا حماية عاجلة دون وقف العمليات العسكرية واكتفت بتدابير مؤقتة غير مفعلة , وراحت تسعى لنقاش سياسى محتدم بشأن قضية قانونية كان يجب عليها أن تفصل فيها بحكم رادع يمنع الإبادة ! ولعل رأيها الاستشارى يحل المشكلة الدولية التي تصيب القانون الدولى فى مقتل , فقد سبق لها وأن قدمت رأياً استشارياً سابقاً عن الجدار , فلم يستحق الاحترام أو التنفيذ من إسرائيل ! , لذا رفضت إسرائيل اختصاص المحكمة في سعيها في الضفة الغربية، بركيزة أنه لا ينبغي إصدار فتاوى عندما يكون جوهر الأمر نزاعاً سياسياً وليس قانونياً.
أما عن موضوع المسألتين محل طلب الرأى الاستشارى فسوف يجيب عليهما القاضى المصري , مبيناً من خلالهما دور مصر المحورى تجاه القضية الفلسطينية فى الحلقتين القادمتين.